صوت أذان المغرب يصدح في الأرجاء من مسجد الحي المحاذي للبيت، أم ماجد تجلس في الشرفة، وقد بدا الحي هادئًا، ونسمات تشرين الثاني/ نوفمبر تطرق الأبواب، قشعريرة سرت في بدنها، تأخذها الأفكار بعيدًا، إلى مسيرة طويلة قضتها منذ شبابها حتى لحظتها هذه، إلى تغير حالها وحال أولادها وبناتها.
تسر لنفسها: "آه يا بناتي كم أخاف عليكن من أفعال إخوتكن وزوجاتهم... تأخر نصيبكن ولم تتزوجن، وبقيتن معي، نواسي بعضنا بعضًا، لا أدري ربما لو تزوجتن لضعت وتأذيت من أولادي... لكنه قضاء الله وقدره وحكمته النافذة التي لا اعتراض عليها... فيا رب احفظ بناتي واستر عليهن، واحمهن إن توفيتني".. تستقر دمعات في عينيها.
يعلو صوت إقامة الصلاة، تنهض وتدلف إلى غرفتها، تبسط سجادة الصلاة وتشرع في الصلاة.
أم صالح تجلس على الكنبة وهناء مقابلها:
قريبًا سيأتي سلفك طارق من الخارج، وسأخطب له إن شاء الله.
تنتزع ابتسامة ذابلة:
إن شاء الله عمتي، ومن هي سعيدة الحظ التي تنوين خطبتها له؟
أفكر بابنة أخي لطيفة.
يتسلل إلى صدرها حديث: "ياه...يا ليت تخطبين أختي خلود... آه كم أتمنى ذلك من كل قلبي".
بعد عامين جمانة في بيت والدها علي...
فريال في المطبخ تجلس أمام طاولة تحضير الطعام، تنظف سمكًا، سلوى وجمانة جالستان تنظران إليها وهي تحت قشور السمك، تصوب نظراتها عليهما:
اسمعا.. أريد منكما أن تخبراني عن كل صغيرة وكبيرة تحدث في هذه العمارة...
تتعجب:
لماذا يا أمي؟!
تتخابث:
ها أنت قلتِ أمي... صحيح أنني لست أمكما ولكني بمقامها، ويجب عليكما أن تقولا لي كل شيء يحدث معكما في البيت هنا أو أي مكان آخر، خاصة عند عماتكما وجدتكما... مفهوم.
تهز رأسها بسذاجة:
مفهوم يا أمي سأخبرك بكل شيء.
تنقل بصرها إلى جمانة:
وأنت يا جمانة هل سمعت ما أقول؟!
تهز رأسها بالإيجاب:
نعم فهمت يا أمي.
اقرأ أيضًا: رواية الأيام بيننا الجزء 223
صوت أقدام تصعد على الدرجات إلى الطابق الأول، تكز سلوى فتهرول إلى الشباك، وتشاهد أبا زاهر وزوجته يصعدان إلى بيت أم ماجد، تسألها بصوت خافت:
ها يا سلوى من الذي جاء لزيارتهن؟
تهمس لها في أذنها:
جدي أبو زاهر وزوجته.
تومئ برأسها:
آه... لقد جاء خالهن إذن، لقد كان في المشفى مريضًا، الظاهر أنه استرد عافيته وحضر للاطمئنان على أخته.
تستعجلهما:
هيا قوما ونظفا مكاني، لا نريد أن نتأخر، سيعود والدكما مبكرًا اليوم... هيا.. هيا عجلا.
عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساءً، في غرفة الضيافة أم ماجد تجلس على الكنبة الطويلة وبجانبها خلود، أبو زاهر وأم زاهر يجلسان مقابلهما ويتحدثان، وأمامهما على الطاولة طبقا مكسرات وطبق تسالي وأربعة أكواب شاي، يتحدثون ويبتسمون.
عند الساعة العاشرة مساءً، سعاد تدلف إلى غرفة النوم قادمة من مناوبتها المسائية، وفاء تكوي ملابس العمل، خلود أمام مكتبها الصغير تقرأ كتابًا عن سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي، تلتفت إلى سعاد:
ها يعطيك العافية يا سعاد.
ترمي نفسها على المقعد:
الله يعافيك ويبارك فيك.
تسألها:
حزري يا سعاد من حضر لزيارتنا اليوم؟!
تقطب حاجبيها بتعجب:
لا أدري؟! أنت قولي من!
تتململ:
هي... قولي لا تتعبي رؤوسنا.
تنظر إلى وفاء:
لماذا؟ ألم تكوني هنا؟!
ما بالك؟ كنت نائمة متعبة من مناوبتي الصباحية.
تقطع حديثهما:
لا تتعبا أنفسكما... خالي أبو زاهر وزوجة خالي أم زاهر حضرا لزيارة أمي.
تنفرج أساريرها:
ياه كم أحب أن يزورنا خالي أبو زاهر، ما أجمل حديثه، أشعر كأنه أبي أطال الله في عمره.
تخاطبها بارتياح:
لقد اسمتعت أنا وأمي بالحديث معهما.
تعلق بثقة:
هذا ما تحبه أمي... إنه أسعد يوم في حياتها.
توافقها:
أمي متعلقة به كثيرًا... أليس أخاها الصغير.
تؤيدها:
بالطبع يا وفاء أخوها الصغير وتنسى همومها عندما تراه.
سبحان الله... أدامهما الله لبعضهما بعضًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.