رواية الأيام بيننا الجزء 223

بعد مرور خمس سنوات 

يجلس علي أمام طاولة الطعام، على يمينه تجلس فريال وعلى الجهة اليسرى يجلس أمين، وبجانبه سلوى، يتناولون الطعام، تحدق فريال بأمين بطرف عينها، وتتمتم بصوت منخفض:

أستغفر الله العظيم...

الساعة تشارف على التاسعة مساءً، خلود تقف أمام النافذة، تنظر إلى السماء وقد لفها السواد، وبريق يتناثر في فضائها هنا أو هناك، تتنفس بهدوء داعية: "يا رب حنن قلب فريال على أمين وسلوى واحفظهما، واجمع شملهما مع أختهما جمانة، آه... ما زالت في رعاية أمها، نخاف أن يصيبها مكروه، فأمها مريضة ولا تقوى على الاعتناء بنفسها، فكيف سترعى طفلة صغيرة! ربي ألطف بحالها".

يغالبها النعاس ويقع بصرها على سعاد ووفاء وقد غطتا في النوم، تغلق النافذة، وتطفئ الأنوار، وتدفع باب الغرفة، وتدلف إلى غرفة أمها، أم ماجد نائمة بعد أن أرهقها انخفاض السكر، تأوي إلى فراشها وتفرد الغطاء على جسدها، تحط رأسها على المخدة، وتروح في سبات عميق.

في اليوم التالي وفي الساعة الرابعة عصرًا وقت الغداء، يشعر أمين بألم شديد في معدته، يداهمه إحساس بالتقيؤ يحاول أن يمنعه، الألم يزداد فيتقيأ على الكنبة في غرفة الضيافة، تشاهده فريال تبسر:

ما هذا؟! لماذا تقيأت هنا؟! أنت لا تفهم! أم لم يعلمك أحد أصول النظافة!

يبرر بانكسار:

بطني كان يؤلمني كثيرًا... ماذا أفعل؟!

تتوعده:

ريثما يعود والدك ستعرف ماذا تفعل؟!

يهلع:

كلا، أرجوك لا تخبري والدي... أرجوك.

يحاول أن يسترضيها، تدفعه بعيدًا عنها:

ابتعد هيا... أنا سألقنك درسًا لن تنساه يا ابن منى!

يأتيه خاطر أن يهرب إلى بيت جدته، يدفع الباب مسرعًا إلى الأعلى، لا يعرف كيف أخذته قدماه، واقفًا أمام الباب يطرقه بشدة، تحضر خلود على عجل:

نعم... نعم من الطارق؟

يجيبها بنبرة خائفة ومرتعشة:

أنا يا عمتي... افتحي الباب بسرعة...

تفتح الباب وتنظر إليه باندهاش:

ما بالك يا أمين لماذا ترتعش؟! ما الذي جرى؟!

ترتجف شفتاه مجيبًا:

أمي تريد إخبار أبي عني.

تستفسر:

ولِمَ؟! هل بدر منك شيء أغضبها؟!

يجيب بخوف:

كلا لم أفعل شيئًا... فقط كانت معدتي تؤلمني فتقيأت على الكنبة في غرفة الضيافة.

تزم شفتيها تعجبًا:

وما المشكلة؟! حسنًا تعال معي سأخبر جدتك.

أم ماجد تمرر حبات السبحة بين أصابعها، تسبح بصوت هامس، تدخل خلود ومن خلفها أمين، ترفع بصرها متسائلة:

من الذي كان يطرق الباب بهذا الشكل يا خلود؟

تلحظ أمين بجانبها:

أمي هذا أمين... تهدده فريال بإخبار علي؛ لأنه تقيأ في غرفة الضيافة.

تفتح عينيها مستفهمة:

ولِمَ فعلت ذلك هداك الله؟!

يجيبها بضيق:

معدتي كانت تؤلمني ولم أستطع مسك نفسي فتقيأت... صدقيني يا جدتي رغمًا عني.

تطمئنه:

حسنًا اجلس هنا بجانبي ولا تخف، سأنزل إلى بيت والدك، حتى أعرف ما الذي حصل بالضبط.

ينظر إليها بعينين زائغتين تملؤهما الدموع:

صدقيني يا جدتي أنا لا أكذب...

تربت على كتفه:

لا تخف يا أمين تريد جدتك أن تهدئ من روع والدك، حتى لا تستفرد فريال بسرديتها عنك!

يفرك كفيه بتوتر:

أخاف أن يضربني... لا تذهبي يا جدتي.

تطبطب عليه:

أمين على رسلك لا تخف لن يؤذيك أحد!

في الطابق الأرضي، تضع فريال السماعة على أذنها وتبكي ويعلو صوتها، علي على الجانب الآخر ينصت لها، وقد بدت عليه أمارات الحنق والعبوس، متوعدًا أمين في ضميره.

في البلدة الجنوبية وفي أحد المخابز، ماجد يرص أكياس الخبز، عاقدًا حاجبية بتذمر محدثًا نفسه:

"أي أم هذه؟! وأي أخوات أولئك؟! يفتعلن المشكلات، ويناصبن أبنائي وبناتي وزوجتي العداء! آخ ليس باليد حيلة"..

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي