يتحملق ماجد وعياله حول طعام الغداء، يتنهد بغيض:
كلوا يا أولادي... كلوا... لا أعرف هذا البيت لا يوجد به شيء!
تأخذ ملعقة أرز وقليلًا من يخنة الفاصولياء البيضاء مجيبة:
احمد الله ودعنا نأكل المقسوم من الطعام.
يعترض:
هل هذا منطق؟! أين اللحم والدجاج؟! ألم يتعهدوا قبل مجيئنا بتوفير ما نحتاجه والتكفل بكل مصاريفنا؟!
ماذا نفعل يا ماجد؟! عندما يفرجها الله وتحصل على عمل جيد، ساعتها تشتري لنا كل ما نريد ونحتاج.
يرد بتذمر:
الكلام سابق لأوانه، إن شاء الله، يرزقني الله رزقة طيبة.
يقطب حاجبيه ويتأفف:
لا تظلي ترددي على مسامعي سردية العمل... أفهمتِ؟!
يحدجها بنظرة حادة...
تزم شفتيها بعدم اكتراث...
علي في طريقه إلى البيت عائدًا من العمل، تطن في أذنيه كلمات ماجد: "آه يا علي أنت لا تعرف أخواتك! الواحدة منهن كالأفعى لا تعلم متى تلدغك! كان الله بعونك وعون عادل... إياك تسمح لواحدة منهن بالتدخل في شؤون حياتك الزوجية! وإلا ستخرب بيتك وتجلب لك المشكلات وتندم أشد الندم... اسمع مني يا أخي ابتعد عنهن واتقِ شرهن".
يصل إلى البيت ويصف سيارته مقابل سور البيت، يلحظ ركوب سعاد مركبة المشفى، يلتقط بعض الأشياء التي اشتراها، يفتح الباب، تلتقي عيناه مع سائق مركبة المشفى، يرفع يده يحييه، تتحرك المركبة.
في أثناء خروجه من السيارة، يدلف إلى البيت، تجلس سعاد في المقعد الخلفي، ترفع ستارة نافذة المركبة وعيناها ترقبان دخول علي إلى داره، تسرح بفكرها: "رحمة الله عليك يا والدي لو كنت حيًّا ما تجرَّأ ماجد وافتعل المشكلات مع أمي وخلود، ولما تطاول بهذه الطريقة علينا وقلل من قدرنا أمام زوجته وعياله!"
هناء في غرفة الضيافة تجلس مع حماتها أم صالح، تتبادلان الأحاديث، وأمامهما على الطاولة فنجاني القهوة، تباغتها مستفهمة:
يا هناء يا ابنتي يوجد سؤال يحيرني أود أن أسألك إياه!
تضع فنجان القهوة على الطاولة:
تفضلي يا عمتي اسألي.
يا ابنتي لا أدري لماذا أخواتكِ قاعدات من غير زواج!
تطرق لثوانٍ مردفة:
ما رأيكِ أن أبحث لهن عن أزواج صالحين يسترون عليهن؟
توافقها:
لا بأس يا عمتي، هل يوجد أحد لا يريد السترة لبناته.
تضيف:
عندي جارتي أم فريد خطابة ماهرة، وكثير من البنات العازبات تزوجن بإرادة ثم بحنكتها على يديها، سأطلب منها البحث عن عرسان لأخواتكِ أولاد حلال جلابين قرش.
تتحمس بهدوء:
حسنًا يا عمتي، لكن على شرط أن يكونوا رجالًا صالحين يخافون الله من عائلات محترمة، أنتِ تعرفين لا نريد تكرار تجربة سعاد القاسية!
تهز رأسها بثقة:
لا عليك من عيني هذه قبل هذه، فمعزتهن كبيرة، وهن من دور بناتي، وأمك صحبة قديمة، لطالما افتخرت بمعرفتي بها.
أمام صورة والدها الموضوعة على المنضدة بإطار أبيض لامع، تمسكها وتقربها إليها تسقط دمعة سخية على وجنتيها، فجأة تسمع طنينًا في أذنيها، تضع كفيها على أذنيها تدعي: "ذكر الله من ذكرني بخير"، تشعر أن أحدًا يأتي سيرتها!
على السرير تشاهد نادية مسلسلًا تلفزيونيًّا اجتماعيًّا، في حين ماجد يقرأ الصحيفة، تقطع صمتهما سائلة إياه:
ماجد أحب أن أسألك؟ لماذا أخواتك لم يتزوجن بعد؟
يرد بلا مبالاة:
وما أدراني؟! لم يأتِ نصيبهن أو لا يردن الزواج... لا أعلم.
تستعجب:
ماذا دهاك؟! سعاد دخلت بعمر الخامسة والثلاثين ولم تتزوج!
يقلب الصفحة الأخرى من الصحيفة:
أنتِ تعرفين ظروف سعاد وما حصل لها مع زوجها النصاب عبد اللطيف.
تصمت هنيهة ثم تستدرك:
ماجد...
يرد بتململ:
يا نعم..
تتابع بتفلسف:
أقول لك أخواتك يبدو أنهن طموحات جدًّا!
يرفع بصره مخاطبًا:
ماذا تقصدين بطموحات؟!
تتذاكى:
يعني ينظرن لفوق، يظنن أنهن شيء كبير لا مثيل لهن بين بنات حواء!
يطوي الجريدة ويضعها على المنضدة، معلقًا رجلًا فوق الأخرى مصوبًا نظره عليها شابكًا أصابع يديه:
حسنًا، ولماذا يشغلك موضوع زواجهن من عدمه؟!
ترد بمكر:
كلا، فقط أحببت أن أعرف لا أكثر ولا أقل!
ينظر إليها نظرة حادة:
هل عَرفتِ الآن؟ إذن دعيني أكمل قراءة الصحيفة.
تضم رجليها إلى صدرها سابغة ثوبها عليهما، ساندة رأسها إلى الخلف، سارحةً وعيناها تركزان على المسلسل في شاشة التلفاز.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.