بعد مرور شهر...
ينفخ وجنتيه غيظًا، تنظر إليه أم ماجد باستياء:
ما بالك يا عادل؟! والدك متعب وأنت تطلب أن نخطب بنت أم عثمان لك!
يمتعض:
وما المانع يا أمي! أبي مع استمرار علاجه سيصبح أفضل.
تستهجن:
لا أدري لم العجلة؟! هل ستطير منك!
يحاول إقناعها:
يا أمي والدها أبو عثمان رجل طيب ومحترم، وأمها كذلك، وسبق أن مدحها والدي وأشاد بأخلاقها، عافاه الله وشفاه.
تتنهد:
حسنًا... اصبر سأتحدث مع والدك! لا تستعجل.
بتململ:
أمري إلى الله، سأنتظر، ماذا أفعل؟!
مر أسبوعان...
أبو ماجد يجلس بجانب أبي عثمان، وعادل بجوار أبي ماجد، وعلي وماجد يجلسان بالقرب منهما، وجمع غفير من المدعوين، يتحدثون ويبتسمون، وأمامهم العصائر وقطع الكنافة مرصوصة بأطباقٍ، ودلات القهوة العربية الممزوجة بالهيل والزعفران تتوسط الطاولة الكبيرة والمناضد الجانبية، وقد فاحت رائحة العطور المختلطة برائحة القهوة.
تعالت قهقهات الرجال من ناحية، وأحاديثهم عن هموم الدنيا من ناحية أخرى؛ ما فتح باب النقاش عن أحوال البلد... أصوات الزغاريد تتعالى في دار أبي عثمان...
في الصالة الكبيرة، المزينة بالأشرطة اللامعة والأضواء الباهرة حيث المدعوات مع صغارهن، تجلس بسمة في الصدارة وأشرق وجهها بابتسامة عريضة، وصويحباتها يباركن لها، وتجلس أم ماجد وسعاد ووفاء وهناء وخلود بجانب بعضهن بعضًا، وتزينت نحورهن بالحلي، ولبسن شالات تبرق مختلفة الألوان، بجوارهن أم فواز ثم أم صالح ولفيف من الجيران والأقارب.
أما أم عثمان وبناتها وقريباتها فيجلسن في الجهة المقابلة، أم ماجد تغني وتردد معها بناتها وأم فواز وأم صالح، تصدح الحناجر بالأهازيج الشعبية، أطلقت أم فواز زغرودة طويلة أثنت على بطولات الرجال وحب الوطن، فهاجت بها أشواق وأشجان الحاضرات، وضجت الصالة بالتصفيق وحرارة الغناء، صبايا يوزعن قطع الكنافة على المدعوات وأخريات يوزعن علب العصير، الابتسامة والفرحة علت وجوه الحاضرات، وانبرى الصغار يرقصون ويصفقون.
تعتلي أم ماجد وأم فواز المنصة بجانب بسمة وتلتقط لهما المصورة الشهيرة أنسام الساقي الصور، تمتلئ الصالة بوميض الكاميرا، ما أشعل حماس الحاضرات وعلت أصوات الزعاريد والتصفيق والتهليل، وبدا في الخارج بيت أبي عثمان مزدحمًا بالمركبات وسيارات المدعوين.
انتهت حفلة خطبة عادل وبسمة، خلال مدة الخطبة توعك أبو ماجد واشتد عليه المرض وتوفي، واكتوت العائلة بفقدان كبيرها وعاشوا صدمة رحيله بقسوة.
عقب سبعة أشهر على رحيل أبي ماجد...
في غرفة الجلوس يجلس عادل، وقد بان على وجهه ملامح الضيق مخاطبًا أمه:
يا أمي إلى متى؟! توفي والدي رحمة الله عليه، وأبو عثمان ينتظر أن نحدد موعد الزفاف!
تقطب حاجبيها مستنكرة:
آخ... لم يمض على وفاة والدك سنة، ويريد أن يزوج ابنته! لمَ لا يصبر قليلًا؟ ماذا سيقول عنا الناس؟!
تحملق به وفاء:
نعم كلام أمي صحيح، لمَ العجلة؟ معاشك لا يكفيك! كيف ستفتح بيتًا وتؤمِّن نفقاته؟!
يرد بنبرة حادة:
لا تقولي هذا الكلام يا وفاء... سيدبرها الله، لا تقلقي.
تجيب بسخرية:
كيف ستدبر أمرك يا فطن وراتبك ضعيف؟ والأدهى عندما تأتيك خلفة، ماذا ستفعل، هل ستتسول؟! أنصحك أن تؤجل زفافك، ريثما تجد لك عملًا جديدًا براتب مجزٍ، أو تطلب زيادة على راتبك.
يعترض بغيظ:
ما شاء الله.. إلى متى يا آنسة وفاء؟! حتى أشيخ وتضيع بسمة مني!
تتندر عليه:
تخاف على نفسك أن تصبح عانسًا وأنت رجل... آخر الزمان... الرجال يخشون على أنفسهم من العنوسة... ماذا تقول البنات إذن؟!
ينهرها:
أرجوك لا تتدخلي وانشغلي بحالك.
ترفع صوتها بانزعاج:
نعم؟ ماذا تقول؟ سأتدخل رغمًا عنك... أم تريد أن تمضي حياتك دينًا وسلفًا مني ومن سعاد؟!
يضرب كفيه ببعضهما حنقًا:
لا حول ولا قوة إلا بالله...
يلتفت لأمه:
ها، ما رأيك يا أمي؟ أيروق لك قولها!
ترد بنبرة هادئة مشوبة بالتردد:
حسناً... دعني أفكر وأقلِّب الأمر في رأسي ولا تلح عليَّ بطلبك... هل فهمت؟!
يحدجها بنظرة ثاقبة:
ها... ارتحتِ يا آنسة وفاء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.