تنظر لها بعدم الرضا، وسلوى وجمانة تقفان بجانبها وتكتفان يديهما، مخاطِبة بنبرة لوم وانفعال:
ما هذا؟! لماذا تقسين على أمين؟! ألا تخشين الله؟!
تجيب بحدة:
أخاف الله... ولكن قولي له أن يحترم نفسه ولا يطول لسانه عليَّ!
تؤيدها:
نعم يا جدتي، أمين طويل اللسان. أنتِ لا تعرفينه، نحن نعرفه أكثر منكِ.
توافقها:
نعم، كلام أمي فريال صحيح... أمين لا يحترمها.
تَجْحَرُ بهما مستنكرة:
اسكتا أنتما، هذا أخوكما وليس بغريب.
ترد بنبرة متحدية:
لن نسكت... أمين يفتعل المشكلات ولا يعجبه شيء!
توافقها:
ودائمًا يستهزئ بي ويصيح بوجهي.
تهز رأسها بأسف:
عوضنا عليك يا رب... الآن صار أمين سيئ الخلق، وأنتما الملائكة؟!
تتنهد:
لا تزعلي يا عمتي... دعكِ من أمين ونوادره وتفضلي اجلسي نشرب الشاي ونتسامر بعيدًا عن المشكلات.
تنظر إليها باشمئزاز وتدير وجهها عنها، وتدفع الباب وتصعد إلى دارها.
تلوي بوزها بامتعاض، مركزة بصرها عليهما:
ما بالها جدتكما؟! هل إلى هذه الدرجة تصدق أمين؟!
ترفعان كتفيهما استغرابًا، مردفة:
آه يا أمين، إلى أين ستوصلنا؟!
في غرفة النوم، علي متمدد على السرير يشاهد الأخبار على التلفاز. تحدثه بنبرة مستاءة:
يا علي، لقد مللت العيش في هذه الدار! لِمَ لا ننتقل إلى بيت آخر؟
يندهش ويلتفت إليها:
ماذا تقولين يا فريال؟! هذا بيتنا، أيعقل أن نستأجر بيتًا آخر وندفع إيجاره وعندنا بيت ملك!
تنفعل:
ألا ترى تدخل أمك وأخواتك في كل صغيرة وكبيرة بيننا؟ صراحة، أنا لم أعد أحتمل هذا الوضع الصعب أبدًا... أرجوك، جد لي حلًا يريحني من المشاحنات معهن!
ينفخ وجنتيه متذمرًا:
لا حول ولا قوة إلا بالله...
بعد مرور أسبوع...
الساعة الثانية ما بعد منتصف الليل، السكون يلف البيت إلا من أصوات كلاب تنبح يتردد صداها في أرجاء الحي، وفجأة تُسمع صرخات وأنات تخرج من غرفة أم ماجد!
في صباح اليوم التالي، سعاد ووفاء تجلسان على المقعد الطويل، وأم ماجد تجلس أمام الطبيب يسألها وقد بدا عليها الشرود والسرحان.
تقترب الساعة من السابعة مساءً، هناء تضع كفها على وجنتها مهمومة. يخاطبها:
ها يا هناء، ماذا قال الطبيب لكن عن عمتي؟
تجيبه بنبرة حزينة:
ماذا أقول لك يا صالح؟! أخبرنا الطبيب أن أمي مصابة بالخرف.
يفغر فاهه باندهاش:
كيف ذلك؟ لا أصدق ما أسمعه!
نعم يا صالح، يقول الطبيب إن أمي تعرضت منذ مدة بعيدة لجلطة في الدماغ، لم تؤثر عليها في حينها، لكنها مع مرور الوقت وتفاقم مرض السكري، أتلفت أعصاب الدماغ واختل نظام النواقل العصبية، فأثر ذلك على ذاكرتها.
يضرب كفًا بكف:
لا حول ولا قوة إلا بالله... الله يشفيكِ يا عمتي.
تستسلم:
هذه مشيئة الله يا صالح، والحمد لله على كل حال، ليس بأيدينا شيء نقدمه لها سوى الرضا بما قسمه الله، والدعاء لها بالشفاء والعافية.
يسحب نفسًا عميقًا:
ونعم بالله.
تومئ برأسها كدرًا وحسرة، وهي تنظر إلى أمها المستغرقة في النوم وأنفاسها تتصاعد بسرعة. نسمات شهر أيلول تدخل بهدوء، تصوب نظرها نحو النافذة المشرعة، وسواد عم السماء إلا من بقع صغيرة لامعة تتلألأ من بعيد. تتمتم في سرها: "ماذا حدث لكِ يا أمي؟! كنتِ حاضرة الذهن، تقويننا وتبثين فينا الإيمان والصبر، ما الذي أصابكِ؟! يا رب اشفِ أمي وأعدها لنا كما كانت؛ أمي التي أعرفها، تحدثنا وتزيح عنا هموم الدنيا."
صوت أذان الفجر يصدح في أنحاء الحي، تشعر بسكينة تسري في جسدها، تنهض وتغلق النافذة وتطفئ الأنوار، تتجه إلى بيت الخلاء لتتوضأ، وقع قدميها يتردد صداه في البيت.
تلمح نورًا خافتًا يأتي من غرفة سعاد ووفاء، محدثة نفسها بطمأنينة: "يبدو أن سعاد ووفاء قد استيقظتا للصلاة... يا رب ثبتهما." تترقرق دمعات في عينيها، تمسحهما بطرف كمها وتدلف إلى بيت الخلاء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.