سعاد في المناوبة الليلة في غرفة إحدى المريضات تلف ضمادة على يدها، سامية ترتب فراش سرير مريضة أخرى، تحدق بسعاد باستهزاء وترتسم ابتسامة صفراء على وجهها، تستدير سعاد وتنتبه إليها، ترمقها بنظرة قوية:
- أنت... احترامي نفسك! وإلا علمتك كيف تحترمينها!
تجلس على طرف السرير وتعقد ساقيها وتشير بإصبعها باستصغار:
- أنت تعلمينني كيف أحترم نفسي؟!
تضع يدها على وسطها بتحدٍ:
- نعم أنا، هل لديك مانع يا آنسة سامية.
تقترب منها وتقف أمامها وجها لوجه باستخفاف:
- أنت... ما هذا الزمان، أولًا علمي نفسك كيف تحترمين أهلك... يا عاقة!
تقف وتغادر الغرفة.
تتسارع نبضات قلبها وتتسمر مكانها، تشعر أن جسدها ارتفعت حرارته، ربط لسانها دون أن تفه بكلمة، تشفي غليلها وترد على إهانتها لها.
تنظر إليهما المريضة بتعجب وأسف، تبادر بالقول:
- لا عليك يا ابنتي، أنت إنسانة طيبة وسيفرجها الله عليك ويصلح ما انكسر بينك وبين أهلك... واعلمي أن أهلك لن يفرطوا بك أبدًا...
تضع يديها على وجهها وتبكي بحرقة:
- أعلم ذلك يا خالة، لكن لا أعرف ما الذي أصابني، أشعر أن الدنيا تضيق بي...
تهون عليها:
- كلنا مررنا بهذه التجربة، وكنا صغارًا لا نفهم من الحياة شيئًا.
- تعبت كثيرًا زوجي يضغط علي لأقاطعهم وأهله لا يفتؤون الحط من قدري!
تنصحها:
- استعيني بالله يا بنتي، وحاولي أن تتصالحي مع أهلك ولا تلتفتي لكلام الآخرين، وإذا كان زوجك رجلًا صالحًا سيساعدك في ذلك.
تهز رأسها وتجفف دموعها.
في الشقة يجلس عليّ ويوسف، وقد بدا على عليّ الهم والكدر، يبادر يوسف بسؤاله:
- ما رأيك يا علي أن نسافر.
ينظر إليه باستغراب:
- نسافر أين؟!
يبتسم ويرتشف قليلًا من العصير:
- إلى المكان الذي ينسيك همومك وينقلك إلى عالم آخر!
يغمض عينيه ويسرح هنيهة:
- ياه... يا ليت يا يوسف على الأقل أنسى خلافنا مع أختي وزوجها.
يرد:
- لا عليك سأجعلك أسعد إنسان على وجه الأرض.
يضحكان ويرتشفان العصير بنهم.
في الصباح وفي الساعة السابعة وعند قرب انتهاء مناوبة سعاد الليلية، تجلس على المقعد ساهمة توسد خدها بكفها، تمر إيمان بالصدفة تلحظها، ثم تتجه ناحيتها وتجلس بجانبها متسائلة:
- صباح الخير يا سعاد، ما بك أراك مهمومة، هل حدث معك شيء؟!
ترد بحيرة:
- لا أعرف يا إيمان أشعر أنني ضائعة مشوشة، أسأل نفسي هل فعلت الصواب أم لا.
تربت على كتفها مجيبة بنبرة هادئة:
- هدئي من روعك، وادع الله أن يهديك إلى الصواب، ويجب عليك أن تدركي مهما حصل بينك وبين أهلك، فمردك إليهم، لأنهم هم أحن الناس عليك، حتى من زوجك نفسه.
تنظر إليها وتزدري ريقها وتلوذ بالصمت.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.