تتسمَّر في مكانها وما زالت الأقراص بيدها، تنظر إليها وتشرد بتفكيرها، ينبض قلبها خشية أن تكون تلك الأقراص التي يتداولها الشباب بينهم خلسة ومن دون علم آبائهم وأمهاتهم، يدخل عليّ وهو يمسح وجهه بالفوطة، ينظر إلى الوسادة يقع في نفسه عثور أمه على الأقراص الغريبة التي خبأها تحت وسادته، ترتعد أوصاله ويجف حلقه ويبتلع ريقه بصعوبة وهي ترمقه بحدة:
- ما هذا يا عليّ؟!
تفتح كفها ويفغر فاهه مجيباً بارتباك:
- ما هذا؟ لا شيء.
يبتسم ابتسامة صفراء، تعقد حاجبيها وتعيد عليه السؤال مرة أخرى:
- أسألك ما هذه الأقراص؟! لماذا تخبئها تحت الوسادة؟!
يرفع كتفيه بهدوء لإزالة الشك من قلبها:
- يا أمي! ما بالك؟! هذه أقراص لآلام الرأس!
تحدق به وتفكر لبرهة وتهز رأسها ما بين اليقين والظن:
- حسناً انتبه لنفسك!
يصر على أسنانه مجيباً بنبرة مستكينة لطمأنتها:
- إن شاء الله يا أمي، لا تقلقي.
تدير ظهرها لتغادر، ثم تقف فجأة وتلتفت إليه قائلة:
- صحيح نسيت أن أخبرك، تكلمت منذ يومين مع أم غانم وقريباً ستباشر العمل في شركة زوجها.
يتظاهر بالاهتمام:
- حقاً يا أمي، إن شاء الله خيراً، وستأتيك الأخبار التي تثلج قلبك عني.
ترفع كفيها بالدعاء:
- يا رب يهديك يا ولدي ويرزقك.
يرد بالقول:
- آمين.
تدلفُ خارج الغرفة ويغلق الباب، يلقي بجسده على السرير ويضع كفه على رأسه وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عنه، يمسك الأقراص ويحملق بها ويضحك ضحكات خافتة.
تدخلُ غرفة النوم وتجلس على الكرسي المقابل للسرير، يفتح باب بيت الخلاء أبو ماجد مشمر عن يديه ويجفف وجهه بالفوطة ثم يضعها على حاملة الثياب ناصبا إصبعي السبابة مردداً:
- أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين".
الصمت يخيم على المكان، والوجوم يظهر على ملامح أم ماجد، تتكئ بيدها على مقبض الكرسي ساهمة، يجلس على الكرسي المقابل لها متسائلاً:
- ها.. يا أم ماجد ماذا حدث بالنسبة لموضوع عمل علي عند أبي غانم.
تتنهد بعمق مجيبة:
- وعدتني أم غانم خلال أسبوع إن شاء الله سيكون في عمله.
يومئ برأسه بارتياح:
- على خير إن شاء الله، أسأل الله التوفيق له.
- هل أعد لك كوباً من الشاي.
- يا ليت أكون شاكراً لك.
يصمتُ هنيهة مستفسراً:
- ما بالك يا أم ماجد؟! هل هناك شيء أراك ساهمة تفكرين!
تبتسم ابتسامة ذابلة:
- لا شيء أفكر في الدنيا وهمومها.
يجيبها بنبرة مواسية:
- اتركيها لله، مدبر الأمور كلها.
تجيب بثقة:
- ونعم بالله.
يقف ويتناول سجادة الصلاة ويفرشها على الأرض، يرفع كفيه قائلاً: "الله أكبر".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.