يدلف إلى البيت وقد شارفت الساعة على الثانية والنصف صباحًا، تضاء الأنوار فجأة أبو ماجد جالسًا على الكنبة بينما عليّ يتسلل بهدوء ليصعد إلى غرفته، يوقفه ويسأله بنبرة غاضبة، يتسمر في مكانه وينظر إليه بطرف عينه:
- أين كنت؟! لماذا لمْ تداوم في عملك؟
يرد بارتباك وخفوت:
- كلا يا أبي، لقد ذهبت إلى عملي.
تتصاعد الشرارة من عينيه يصفعه على وجهه ويدفعه على الكنبة، ويكيل له اللكمات، ويركله برجله صارخًا بحنق:
- أنت كاذب... كاذب.
يضع يديه على وجهه:
- لا يا أبي... لا يا أبي.
يمسكه من قبة قميصه ويهزه بقوة:
- ما هذه الرائحة يا مجرم؟! ما هذه قل لي؟ تشرب يا فاشل... تشرب.
يضربه على وجهه بانفعال:
- أنت قذر... لا أريدك في هذا البيت... هيا أخرج... ارجع من حيث أتيت يا حقير.
تهرول أم ماجد مسرعة ويتبعها ماجد وعادل وهناء وخلود، توسد خديها بيديها فاغرة فمها بفزع:
- أذكر الله يا أبا ماجد... أذكر الله.
- وهل هذا المجرم يجعل أحدًا يفكر في عقله!
يمسك ماجد يد والده بوجل:
- لا يا أبي... لا يا أبي اصبر عليه سينصلح حاله إن شاء الله.
يرميه بمسند الكنبة:
- أي صبر هذا... من أين آتي بالصبر قولوا لي... نفد صبري مع هذا الولد... آخ... آخ.
- اذهب يا علي هيا... اصعد إلى غرفتك...
يلقي بنفسه على الكنبة ويضع كفيه على ركبتيه منكس الرأس معقبًا بامتعاض:
- ليتني لم أنجبك... ليتني لم أنجبك... ليتك مت ولم أرك!
- اذكر الله يا أبا ماجد... اذكر الله.
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك من ولد..
يضربه على كتفه مزمجرًا:
- أغرب عن وجهي... هيا أغرب...
يصعد إلى غرفته بعجل واضعًا كفه على خده.
تجلس بجانبه مهدئة:
- اهدأ يا سالم اهدأ... صلِّ على النبي.
- عليه الصلاة والسلام...
يتسمر ماجد وهناء وخلود وعادل في أماكنهم...
في الغرفة يجلس على الكرسي مطأطئًا رأسه بأسى، تضع فنجان القهوة أمامه، يرفع رأسه ويسنده للخلف معقبًا بهم:
- أرأيت يا أم ماجد هذا عليّ ابنك وهذه أفعاله المخزية، يضرب بنصائحي وخوفي عليه عرض الحائط!
تعقد حاجبيها مجيبة بنبرة هادئة:
- لا عليك ما زال صغيرًا لا يفهم.
يبسر في وجهها ويرفع صوته بغضب:
- متى سيكبر؟! متى سيكبر؟! لا تدافعي عنه كفى... كفى.
تضم شفتيها وتنظر إليه مواسية:
- ليس بيدنا حيلة... ماذا نفعل هذا ولدنا ولا نستطيع التبرؤ منه!
- أنا متعب أريد أن أرتاح... كل هموم الدنيا تجمعت فوق رأسي... ارحموني... في كل مكان مشكلات... في العمل وفي البيت...وذاك التافه لا يشعر بمعاناتي!
تخفض بصرها مجيبة بحزن:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.