الساعة تدقُّ السادسة مساءً يوم الخميس، النافذة مشرعة والستارة على جوانبها تتهادى من نسمات الهواء المسائية، صوت الأولاد في الحي يتعالى وصداه يتردد في الأرجاء.
ماجد ممددٌ على الكنبة الطويلة أمام التلفاز يسند يده على الوسادة ثانيًا ساقيه إلى بطنه يشاهد برنامجًا رياضيًا، تدلف أم ماجد وبيدها صينية بها كوبان من الشاي، تضع الصينية على الطاولة وتجلس بالقرب منه مستهلة حديثها بالقول:
- ها يا ماجد كيف أنت والعمل الجديد عند أبي غانم؟
يهز رأسه بارتياح:
- الحمد لله يا أمي كل شيء تمام، ومرتاح في هذا العمل.
تعطيه كوب شاي وتزيح الآخر أمامها:
- أشعر أنك تريد قول شيء؟
ترفع الكوب وترتشف قليلًا، يجيبها:
- نعم يا أمي أريد بصراحة أن أتزوج، وأريد أن تجدي لي العروس التي تناسبني وتناسب ظروفي.
- أنت تعلم يا ماجد أن راتبك قليل، ويجب أن نختار لك عروسًا تعمل كي تساعدك.
- لا بأس يا أمي، المهم أن تبحثي لي عن عروس أميل لها.
تستفسر:
- وما هي مواصفات تلك العروس التي تريد أن يميل قلبك لها؟
يصمت هنيهة مستطردًا:
- أريد تقاسيمها معتدلة، لا أريد أنفها كبيرًا وفمها صغيرًا، وشعرها ناعم لا يهم قصير أم طويل! بيضاء متوسطة الطول مكتنزة قليلًا.
ترفع حاجبها:
- إن شاء الله، المهم أن تكون صالحة تخاف ربها.
يفتح عينيه باستهجان:
- ما لك يا أمي هل تريدين أن أتزوج فتاة قبيحة؟! كيف سأعيش معها؟!
- من قال تتزوج قبيحة؟! مليحة وصالحة هذا الأهم يا بني...
يتضايق:
- حسنًا حسنًا..
تطمئنه:
- لا تخف منذ يومين تحدثت إلى صويحباتي بشأن زواجك ووعدنني خيرًا...
- حقًا... بارك الله فيك يا غالية.
مضيفة:
- وأيضًا سأفاتح والدك والذي فيه الخير يقدمه الله.
يجيب بلهفة:
- آمين.
في غرفة البنات خلود متربعة على سريرها تحفظ درسًا من مادة الأدب الإنجليزي، هناء تجلس على المقعد أمام الطاولة تكتب بحثًا تتوقف ثم تستدير إلى خلود قائلة:
- هل سمعت يا خلود آخر الأخبار في بيت أبي ماجد المبجل، ماجد طلب من أمي أن تجد له عروسًا وفق مواصفاته الخاصة!
تُدهش:
- متى هذا الكلام؟! وكيف عرفت؟!
تخفض صوتها:
- كنت في المطبخ وسمعت حديثهما!
- آهٍ منك يا هناء أصبحت جاسوسة!
- لستُ جاسوسة ولا نمامة... هذا ما سمعته.
تتهكم:
- تقصدين أن الحديث كان له جناحان طار وحط في أذنيك..
تجاريها:
نعم، بالضبط كما تقولين!
تعقد حاجبيها بامتعاض:
- ما بالك يا خلود أنا جادة فيما أقول.
- هل صدقت يا مغفلة! أنا أمزح معك لا أكثر...
تطرق لوهلة مردفة:
- لا أدري من الواضح أن أمي تريد أن تزوجه كما زوجت خالتي أم فواز ابنها فواز!
أطبقت شفتاها مهمهمة:
- الظاهر أنها مسألة غيرة!
- تقصدين ماجد يغار من فواز!
- مؤكد ولم مستعجل على الخطبة؟!
تستدرك:
- ثم تعالي، أخبريني من أين سيأتي بالمهر ولوازم العرس وتجهيز البيت وغير ذلك!
- هذا عائد إليه... هو من سيتزوج.
- كان الله في عون أبي.
- وهل تعتقدين أن أبي سيساعده في تكاليف الزواج؟!
قلصت شفتيها بحيرة:
- الله أعلم...
- أتصور أن أبي سيواجه مشكلة في موضوع زواج ماجد.
- لا مشكلة ولا هم يحزنون!... ما أكثر الشباب الذين يتزوجون من تعبهم، لا ينتظرون آباءهم يصرفون عليهم!
- صدقت يا خلود...
تصمت فجأة:
- دعينا نلتفت لدروسنا، فلنترك هذه الأمور لأبي وأمي.
- على رأيك ما شأننا!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.