الساعة السابعة مساءً وقد بدأت الشمس بالتواري خلف الحجب، عليّ ويوسف أمام البحر يجلسان على رمل الشاطئ، يقذف عليّ حجرًا في البحر، يوسف ممد بجانبه عاقدًا يديه خلف رأسه يحدثه بالقول:
- ها يا عليّ منذ فترة لم نسافر، ما رأيك أن نسافر يوم الخميس؟
يأخذ حجرًا بجواره ويرميه في البحر معقبًا:
- أيني من السفر والانبساط.. أمهلني يومين أريد أن أسوي أموري حتى لا يلحظ والدي ويوبخني.
يتساءل بامتعاض:
- لا أعرف هذا والدك لماذا يراقبك ليل نهار ويفسد عليك متعتك؟!
يرد بنبرة مشوبة بحزن وتهكم:
- ماذا أفعل خرجت إلى الدنيا ورأيته والدي!
يستطرد:
- أستغفر الله...
يدلف أبو ماجد إلى البيت وقد تجاوزت الساعة الثانية ظهرًا، يلحظ أم ماجد قاعدة على الصوفة فاردة قماشًا تقيسه بشريط القياس تسجل على ورقة ثم تضعه على رقبتها:
- الله يعطيك العافية جئت مبكرًا على غير المعتاد!
يجلس بالقرب منها ناصبًا ساقه ومسندًا يده على ركبته ثانيًا ساقه الأخرى وأصوات تصادم حبات خرز ستارة الشرفة تسمع من وقت لآخر مجيبًا:
- أخذت إذنًا كي أذهب لمدرسة عادل.
تستدير متسائلة باهتمام:
- وماذا قال لك مدير المدرسة؟
ينظر إليها وهي تعدل أطراف القماش يتكئ بيده على المسند خلف ظهرها:
- لا شيء الحمد لله المسألة بسيطة.
ترفع رأسها واضعة كفها على ركبتها:
- الحمد لله..
تصمت لوهلة مردفة:
- مؤكد أنك جوعان... هل أسكب الغداء.
- يا ليت أم ماجد..
- حسنًا.
يشير بيده:
- صحيح هل حضر الأولاد.
- نعم والحمد لله...
تضع شريط القياس والمقص داخل القماش وتغرز دبوسًا في الورقة، وتطوي القماش وتحطه على المنضدة، وتدلف خارج الغرفة إلى المطبخ، يرجع رأسه إلى الخلف وقد شعر بالنعاس.
في بيت أبو عبد اللطيف، سعاد في غرفتها تنظر إلى عبد اللطيف متسائلة:
- أراك هنا! هل عدت من العمل؟!
يتمدد على السرير عاقدًا رجليه وكفه تحت رأسه:
- لا لم أذهب إلى العمل، أمي كانت متعبة وأخذتها إلى الطبيب!
تفتح عينيها على اتساعهما باندهاش:
- ولماذا لا يأخذها إخوتك فيصل أو نبيل أو حتى سيف؟!
يمط شفتيه مستهجنًا:
- طلبت مني أنا، هل أخذلها ؟!
ترد بنبرة ساخرة:
- لا تخذلني أنا وتقعد لي في البيت! وكل يوم حجة جديدة لعدم الذهاب إلى العمل!
يعدل من جلسته معترضًا بنبرة حادة:
- هيي.. ما بالك هذه أمي؟!
- ماذا دهاك يا رجل.. ماذا قلت ؟!
- حسبت أن لديك مانعًا.
- لا يا سيدي أنا آسفة... أمك على الرأس من فوق.
يغمغم بالقول:
- أوتظنين أني عاق مثل غيري من الناس!
تعقد حاجبيها باستنكار:
- عبد اللطيف أن ترمي إلى ماذا؟ انتبه لكلامك.
يرفع حاجبيه:
- أنت انتبهي لكلامك.. تتحدثين مع زوجك ليس مع ولد صغير.
تضع يديها على وسطها مستنكرة:
- إذن ماذا تقصد بقولك مثل غيري من الناس؟! هل تقصدني أنا وما حدث مع أهلي ؟! ألست أنت من قلت لي هذا مالك وليس لوالدك شأن فيه؟!
- هيي ما بالك لا أقصدك مجرد كلام خرج من فمي.. ثم أنا ميت من الجوع، هيا اذهبي وجهزي الغداء!
- أنا متعبة أيضًا، عندما أرتاح سأجهز لك ما تريد...
تصمت لثوان مستطردة:
- لماذا أمل لم تعد لك الطعام، أم فقط تقعد لجمالها ودلالها!
ينفخ وجديه غيظًا:
- الصبر من عندك يا رب.
يرمي الوسادة على الأرض، يلبس خفه ويخرج.. تعقد يديها وتتنهد بكدر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.