رواية «أبراج الظلال».. الجزء الأول

الفصل الأول: الظلال المحيطة بنا

هناك، حيث الضوء لا يصل إلا لقمة تلك الأبراج التي تعلو المدينة، كانت لمى تجلس على شرفة ذلك البرج العتيق كما العادة حين يغزو الظلام المدينة ويعم الهدوء وسط شوارعها، حيث لا تسمع سوى صرير الرياح بين شوارعها الضيقة، شعور غامض يملأ حنايا الصدر، الحياة بين جدران ذلك البرج هي كل ما تعرفه لمى منذ كانت طفلة صغيرة؛ فهي تعلم أن لا شيء يتجاوز حدود هذه الجدران، فهي كل الحياة بالنسبة إلى لمى.

لكن أمرًا ما في قلب لمى لم يكف عن الهدوء، فطالما كان هناك دائمًا سؤال يراودها ويشعل فتيل النار داخلها كلما خمدت، ماذا يوجد وراء هذه الأبراج؟ هل هناك شيء آخر وراء هذه الحدود؟

مرَّت الأيام تلو الأيام وهي تحافظ على القوانين نفسها التي تعلمتها طوال حياتها، لا تتساءل، لا تفكر، لا تتجاوز الحدود المألوفة، الناس هنا يعيشون حياة رتيبة، النوم والأكل والعمل، وهكذا دواليك. كانت حياة الناس كأنها حلقة مفرغة، لكن شعور لمى بأن هناك شيئًا ما مفقودًا لم يعرف الهدوء، شيء عليها معرفته، ومع مرور كل يوم كانت تلك الأسئلة تزداد وتجهل النقطة التي تصل لها.

وبينما هي تسير في أحد ممرات البرج الباردة شعرت بصوت أسفل قدمها، كانت ورقة قديمة بالية كأنما تُركت منذ زمن بعيد لا تكاد كتابتها تظهر، حملتها بيدين مرتجفتين وشرعت تقرأ الكلمات المكتوبة عليها بصعوبة:

"الظلال لا يمكنها أن تخفي الحقيقة وإنما تغطيها ليس إلا". 

رجعت لمى للوراء للحظة، كأنما توقف الزمن بين جدران ذلك البرج، كلمات غير مألوفة دون معنى محدد، كان شيء ما يثير فضول لمى في هذه الكلمات، كيف للظلال أن تخفي الحقيقة؟ وأي حقيقة يقصدونها؟ هل يمكن أن يكون هناك شيء لا نعرفه في هذا العالم؟ وهل هي الوحيدة التي يسير عليها هذا الشعور؟

كان في قلب سارة شيء ما يخبرها أن عليها أن تقصد تلك الأبواب التي يخشى الجميع فتحها، علَّها تكون سبيلًا للوصول إلى الأجوبة، وأن تبدأ في استكشاف تلك الحدود التي أطبقت عليها الأبراج.

ودون سابق إدراك بدأت تمسك بتلك الخيوط المبعثرة التي تلتف حول البرج، ولعل هذا هو السبب في وجودها هنا دائمًا واعتيادها على هذا المكان.

الفصل الثاني: "الأبواب المغلقة" 

وبدأت الأيام في الانقضاء وكأنها تأخذ مدة في سكون سلبي، لكن عقل سارة كان بحوزته تلك الكلمات التي مرت عليه بقليل من التركيز، الجملة التي فعلًا كانت تستيقظ على جانب منها على نحو إجباري "الظلال لا تنفي حقيقة بل تكتنفها". جملة كانت تدور في عقلها على نحو متواصل وتحاول الحصول على تفسير لها.

وفي صباح يوم العمل التالي كان هناك شيء غير عادي يحدث. "كان هناك شعور غير محدد بالنسبة لها: كأن شخصًا ما يراقبها، بدت الأصوات من حولها كأنها بعيدة، كانت أقدامها تقودها بصعوبة نحو ذلك الباب الذي لطالما بقي مغلقًا، كان فضولها أقوى من كل شعور يقتحم قلبها في تلك اللحظة، أعادت تلك الكلمات التردد في ذاكرتها التي راحت تفقد إحساسها على نحو أكثر بديهية، حيث زاد قلقها مع كل خطوة تثبت فيها". 

عند نهاية الممر، كان ظاهر في بعضه كهف، والبقية جبل، كان الباب قديمًا لم يتجرأ أحد على دخوله منذ عقود من الزمن برغم كونه مواربًا، وهي قد وصلت له مئات المرات لكن هذا اليوم بدا مختلفًا عن سابقه.

أمسكت بمقبض الباب بهدوء، وعندما تقدمت إلى الداخل، شعرت بشيء مختلف، "إنه أكثر برودة وأكثر سُمكًا"، فقد كان المكان مظلمًا على نحو يبعث على الإزعاج، كأن الجدران تتنفس ببطء، ما وراء هذا الباب كان مختلفًا عن كل ما عرفته عن الأبراج سابقًا.

كانت تنظر في ثنايا الغرفة لتكتشف بعض النوافذ المغلقة بالكامل، وآثار همجية على الأرض، كأن شخصًا ما مشى هنا منذ وقت طويل. كان المكان مهجورًا على نحو ما، ولكن انعدامه كان مزعجًا لحد ما، ولسبب ما لم تستطع أن تفهمه كان يدفعها نحو التوتر.

كانت هناك طاولة وبعض الكتب وأوراق قديمة ودون ترتيب غريب. فقسم آخر من الجدار كان مخصصًا له بشكل رأس هرم متداخلًا مع دائرة.

على جانب الطاولة كان هناك كتاب صغير الذي -حسب الجميع- بدا قديمًا جدًا. قررت لمى أن تأخذه. قلبت الصفحة الأولى التي كانت تحتوي نص مكتوب بخط غير مألوف:

"من يفتح هذا الكتاب، يفتح بابًا خلفه لا يستطيع إغلاقه أبدًا. تبدأ أسرار هذا العالم عندما تدرك أن الظلال ليست فقط ما تراه، بل ما تخاف أن تراه".

كان قلب لمى ينبض بشدة، وبدأت تتساءل: هل هي مستعدة لخوض هذا؟ هل يمكن أن تكون قد صادفت البداية الحقيقية التي كانت تبحث عنها؟

لكن قبل أن تتمكن من الانغماس في ذلك أكثر، شعرت بشيء آخر. صوت خطوات تقترب من الممر، خطوات ثقيلة، وهي قادمة نحوي بسرعة، كان يجب أن أركض.

لكن هل يمكنك الهروب الآن؟ وهل تجعلني الحقيقة التي بدأت في الكشف عنها محاصرة في هذا المكان؟ كان الباب مفتوحًا خلفها، لكنها كانت تشعر وكأنها دخلت إلى عالم آخر، عالم لا يمكن الخروج منه بسهولة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أشكر جميل ذوقك صديقتي الرائعة شهد، أنتظري الفصل القادم قريبا إن شاء الله، قراءة ممتعة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة