رهاب الإنسان (الأنثروبوفوبيا).. الأسباب والأعراض والعلاج

الرهاب (Phobia) نوع من اضطرابات القلق (Anxiety) المعقدة، لأن الفرد يتملكه خوف شديد وغير عقلاني من مواقف أو أشياء لا تمثل تهديدًا حقيقيًا في الغالب، لكنها تعيق حياته اليومية جدًّا. من بين هذه الأنواع، يبرز (رهاب الإنسان) أو ما يُعرف علميًا بالأنثروبوفوبيا (Anthropophobia)، وهو خوف مرضي وعام من الناس والتفاعلات البشرية.

يستكشف هذا المقال طبيعة هذا الرهاب المعقد، ويوضح الفارق الجوهري بين الرهاب وبين الرهاب الاجتماعي (Social anxiety disorder)، ويتعمق في مسببات الرهاب المحتملة، وأعراضه الجسدية والنفسية، ويقدم إرشادات عملية للتعامل مع الرهاب، مع التأكيد على أهمية طلب المساعدة المتخصصة، إن فهم هذا الاضطراب هو الخطوة الأولى نحو التغلب عليه واستعادة جودة الحياة.

ما رهاب الإنسان؟

عند التحدث عن الرهاب، فإنه حالة من القلق والخوف الشديد من خطر غير واقعي أو مبالغ فيه، يصدر عن موقف أو شيء معين، وغالبًا ما تكون هذه المخاوف غير مبررة منطقيًّا، لكنها تؤثر بدرجة كبيرة في حياة المصاب.

الرهاب حالة من القلق والخوف الشديد من خطر غير  واقعي أو مبالغ فيه يصدر عن موقف أو شيء معين

وبناءً على هذا المفهوم، يمكننا النظر إلى رهاب الإنسان على أنه نوع خاص من الرهاب، يتمثل في خوف وقلق شديد من التفاعل مع الآخرين أو التواجد بينهم، حتى في المواقف العادية، وغالبًا ما يُعد هذا النوع شكلًا متطرفًا من الرهاب الاجتماعي، لكنه يمتد ليشمل الخوف من البشر عمومًا، وليس فقط من المواقف الاجتماعية المعروفة.

الفرق بين رهاب الإنسان والرهاب الاجتماعي

نعم، يوجد فرق واضح بين الرهاب الاجتماعي ورهاب الإنسان، على الرغم من أن بعض الأشخاص قد يخلط بينهما.

  • الرهاب الاجتماعي (Social Phobia): نوع من القلق المرتبط بمواقف اجتماعية معينة، مثل التحدث أمام جمهور أو مقابلة أشخاص للمرة الأولى، أو الوجود في مناسبات اجتماعية، حيث يشعر الشخص المصاب بالرهاب الاجتماعي غالبًا بالخوف من التقييم أو النقد، ما يجعله يشعر بالتوتر في مواقف معينة فقط، وليس في كل الأوقات.
  • أما رهاب الإنسان، أو ما يُعرف علميًّا بـ(الأنثروبوفوبيا) (Anthropophobia): فهو حالة أعمق وأكثر شدة، الشخص الذي يعاني من هذه الحالة يشعر بخوف عام من التعامل مع الناس، سواء كان يعرفهم أو لا، سواء كانوا في تجمعات كبيرة أو حتى في لقاءات فردية، والخوف هنا ليس مرتبطًا بموقف معين، بل هو خوف دائم من التواصل البشري نفسه.

الفرق الجوهري بين الحالتين هو أن المصاب بالرهاب الاجتماعي قد يشعر بالراحة وسط أشخاص لا يعرفهم، في حين المصاب برهاب الإنسان يشعر بالقلق والخوف من أي تفاعل بشري، مهما كان بسيطًا، وهذا الخوف تصاحبه أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب أو التعرق أو الرجفة أو حتى صعوبة في التنفس.

مدى انتشار رهاب الإنسان.. نظرة على الإحصائيات المتاحة

ظهرت مجموعة من الإحصائيات في هذا الأمر، والتي أظهرت أن 1 من كل 5 مراهقين يعاني نوعًا من أنواع الرهاب، ومن بينها رهاب الإنسان، أما البالغون فإن 1 من كل 10 يعانون أحد أنواع الرهاب، ولا يُشترط أن يستمر هذا الرهاب طوال حياة المصاب، فقد يكون له تأثير كبير في تفكير الشخص ومشاعره في مرحلة معينة من حياته، ومع ذلك، فإن الإرادة القوية، والعلاج المناسب، واتباع نمط حياة صحي، قد يمكِّن الشخص من التغلب على هذا الرهاب والعيش بطريقة طبيعية.

تشير دراسات إلى أن نحو 12% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي في مرحلة ما من حياتهم

تشير الدراسات إلى أن اضطرابات القلق، بما فيها الرهاب الاجتماعي، واسعة الانتشار. على سبيل المثال، يُقدر أن نحو 12% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي في مرحلة ما من حياتهم، ما يجعله أحد أكثر اضطرابات الصحة النفسية شيوعًا، وفقا للمعهد الوطني للصحة النفسية (NIMH).

ما الأسباب التي تؤدي إلى رهاب الإنسان؟

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى رهاب الإنسان، وهي في الغالب ترتبط بالبيئة والظروف التي نشأ فيها الفرد، ومن بين هذه الأسباب ما قد يكون له تأثير مباشر في تطور هذا النوع من الرهاب، وفي ما يلي بعض الأسباب التي قد تسهم في ظهور "الأنثروبوفوبيا" (رهاب الإنسان):

  • التعرض للخيانة من أقرب الأشخاص أو التعرض لعملية خداع صادمة، ما يؤدي إلى فقدان الثقة في الآخرين عمومًا.
  • وجود تاريخ عائلي، حيث يعاني أحد أفراد العائلة أو مجموعة من الأشخاص في العائلة نفسها من اضطرابات القلق الاجتماعي، ما قد يسهم في انتقال القلق إلى الأجيال التالية.
  • اختلال في الغدد المسؤولة عن إفراز الهرمونات في الجسم، مثل اضطرابات الغدة الدرقية التي يمكن أن تؤثر على المزاج ومستويات القلق.
  • اضطراب في الغدد التي تفرز هرمون التوتر (مثل الكورتيزول) (الغدد الكظرية)، ما يؤدي إلى زيادة القلق والشعور بالتوتر المستمر.
  • تجارب الطفولة السلبية مثل التنمر الشديد، أو الإهمال، أو الاعتداء، يمكن أن تترك بصمات عميقة تؤدي إلى الخوف من الناس لاحقًا في الحياة.
  • عوامل متعلقة بسمات الشخصية مثل الخجل المفرط أو الميل إلى الانطواء الشديد قد تزيد من احتمالية تطور هذا الرهاب.

أبرز الأعراض الجسدية والنفسية لاضطراب رهاب الإنسان

يعاني الشخص المصاب برهاب الإنسان قلقًا شديدًا ومتواصلًا، إذ يشعر بتوتر مفرط حيال مواقف قد لا تكون مهددة في الواقع، لكنه يتخيل حدوث أمر سيئ بمجرد مقابلة أي شخص أو الوجود في تجمع بشري، على سبيل المثال، قد يشعر الشخص الذي يوجد في مكان مزدحم مثل مصلحة حكومية بحالة من القلق المفرط والخوف الشديد، حتى يصل الأمر إلى شعوره بتهديد من أي شخص يمر بجواره، ومن أبرز الأعراض التي يشعر بها المصاب بهذا الرهاب ما يلي:

أعراض نفسية وسلوكية

  • الشعور بأن الآخرين يراقبونه باستمرار، ويصدرون أحكامًا على تصرفاته وشخصيته.
  • صعوبة في التواصل البصري مع الآخرين، خاصة إذا كان التواصل طويلًا.
  • تجنب المواقف التي تتطلب التفاعل مع الناس قدر الإمكان، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية
  • الخوف من أن يلاحظ الآخرون قلقه أو ارتباكه.
  • الشعور بالدونية أو عدم الكفاءة في المواقف الاجتماعية.

من أبرز الأعراض النفسية لاضطراب رهاب الإنسان شعور المصاب بأن الآخرين يراقبونه باستمرار

أعراض جسدية (استجابة القلق الحادة)

  • صعوبة في التنفس والشعور بضيق في الصدر.
  • احمرار الوجه والتعرق الزائد.
  • الشعور بالغثيان أو الرغبة في التقيؤ.
  • تسارع ضربات القلب مع الخفقان والشعور بالإرهاق الجسدي.
  • ارتعاش الأطراف بطريقة غير إرادية.
  • جفاف الفم.
  • الشعور بالدوار أو الإغماء.

استراتيجيات ونصائح للتعايش مع رهاب الإنسان

إذا تم تشخيص حالتك من قبل الطبيب النفسي على أنها اضطراب رهاب الإنسان، فتوجد بعض النصائح التي قد تخفف حدة هذا الاضطراب، ولكن يجب أن تدرك أن هذه النصائح وحدها ليست كافية، بل يجب أن تتبع بروتوكولًا علاجيًّا يناسب حالتك ودرجة شدتها:

  • تذكر أنك لست وحدك: يوجد كثير من الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب، فلا تشعر بالعزلة.
  • التعامل مع الأحداث الكبرى: إذا كان ظهور الاضطراب مرتبطًا بحدث صادم في حياتك، تذكر أنك لست الشخص الوحيد الذي مر بتجربة مماثلة. من المفيد أن تبحث عن شخص آخر مر بالتجربة نفسها؛ فقد يساعدكم ذلك في دعم بعضكما بعضًا والتعافي.
  • التحدث مع المقربين: تحدث إلى شخص من المقربين إليك، ممن تشعر بالراحة في التحدث معه وتثق في سرّيته، لأن التعبير عن مشاعرك وأسرارك يسهم في نجاح العلاج وتخفيف أعراض الاضطراب.
  • مشاركة التجارب مع الآخرين: حاول أن تبحث عن مجموعة من الأشخاص الذين يعانون الاضطراب نفسه أو الاضطرابات الاجتماعية الأخرى، حيث يمكنكم تبادل تجاربكم مع بعضكم، كنوع من الدعم المتبادل والعلاج الفعّال.
  • تمارين التنفس العميق: من المفيد ممارسة تمارين التنفس العميق، التي تساعد في تحقيق حالة من التأمل والتركيز، ما يؤدي إلى وصول الذهن إلى درجات عالية من الصفاء الداخلي.
  • لا تقارن نفسك بالآخرين: تجنب مقارنة نفسك بالآخرين، واعلم أن كل شخص لديه تجربته الخاصة وأسلوبه في التعامل مع التحديات.
  • التعرض التدريجي والمتحكم فيه: تحت إشراف معالج، يمكن أن يساعد التعرض التدريجي للمواقف التي تثير الخوف في تقليل حدة الرهاب بمرور الوقت (جزء من العلاج السلوكي المعرفي).
  • العناية بالصحة العامة: اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يساعد في تحسين المزاج العام وتقليل مستويات القلق.

من المفيد ممارسة تمارين التنفس العميق التي تساعد في تحقيق حالة من التأمل والتركيز

أهمية التشخيص والعلاج المتخصص لاضطراب الأنثروبوفوبيا

من الضروري التأكيد على أن النصائح المذكورة أعلاه هي داعمة ومساعدة، ولكنها لا تغني عن التشخيص الدقيق والعلاج المتخصص من قبل طبيب نفسي أو أخصائي نفسي مؤهل. قد يشمل العلاج المتخصص ما يلي:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): وهو من أكثر العلاجات فعالية لاضطرابات القلق والرهاب، ويركز على تغيير أنماط التفكير والسلوكيات السلبية المرتبطة بالخوف.
  • العلاج بالتعرض (Exposure Therapy): وهو جزء من العلاج السلوكي المعرفي، ويتضمن التعرض التدريجي والممنهج لمصدر الخوف في بيئة آمنة. بدءًا بالمواقف الأقل إثارة للقلق وصولاً إلى الأكثر. الهدف هو تقليل استجابة الخوف بمرور الوقت وإعادة برمجة الدماغ ل perceives هذه المواقف على أنها غير مهددة. مثال: قد يبدأ بالتواجد في نفس الغرفة مع شخص مألوف، ثم شخص غير مألوف، ثم مجموعات صغيرة، وهكذا.
  • العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يصف الطبيب بعض الأدوية للمساعدة في التحكم في أعراض القلق الشديدة، مثل مضادات الاكتئاب (خاصة مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية - SSRIs) أو مضادات القلق، وعادة ما يكون ذلك بالتزامن مع العلاج النفسي.

ختامًا، يمثل رهاب الإنسان أو الأنثروبوفوبيا تحديًا حقيقيًا قد يلقي بظلاله على حياة المصاب به، محولًا أبسط التفاعلات اليومية إلى مصدر قلق وخوف. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذا الاضطراب قابل للعلاج، وأن طلب المساعدة المتخصصة هو الخطوة الأكثر شجاعة وفعالية نحو التعافي، بفهم أعمق لأسباب هذا الرهاب وأعراضه، وتبني إستراتيجيات المواجهة الصحية، والالتزام بخطة علاجية مناسبة يشرف عليها خبراء الصحة النفسية، يمكن للفرد أن يتجاوز هذه المخاوف تدريجيًا ويستعيد قدرته على التواصل والتفاعل مع العالم من حوله.

إن رحلة التعافي قد تتطلب وقتًا وصبرًا، ولكن الأمل في حياة أكثر حرية وانفتاحًا يظل دائمًا ممكنًا بالإرادة والدعم الصحيحين، لا تدع الخوف من الناس يمنعك من عيش حياتك، فالمساعدة موجودة، والشفاء ممكن.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة