«رماد في القلب.. ونور على أربع».. قصة قصيرة

في أحد أحياء الهند الصناعية، يلتقي رجل محطم بكلب هارب من الجحيم، في ولادة صداقة تغيِّر حياة الاثنين... حتى بعد الفقد.

قد يخرج النور من جسدٍ مريض، وقد تُبنى الجنة من عواءٍ واحد... المهم ألا نغلق أبواب الرحمة حتى بعد الحزن.

كان اسمه «رافين»، يعيش في مدينة «أودايبور» الهندية، يعمل في مصنع للنسيج، يتنفس البخار والضجيج بدل الهواء، يخرج من دوامه مغبرًّا، منكسر الروح، ليجلس على رصيفٍ أمام مسكنه، لا يتحدث، لا يبتسم، لا يفعل سوى التدخين… سيجارة وراء الأخرى، كأنه بها يحاول حرق الحزن العالق داخله.

فقد والديه في حادث قطار، وعاش وحيدًا بين آلات المصنع وضوضاء الشوارع، لم يكن له قريب، ولا صديق. كان كل ما يملكه: شرفة صغيرة وعلبة سجائر.

وفي أحد الأيام، وبينما كان الليل يتسلل إلى المدينة، سمع صوت أنين غريب… كأنه صوت مكسور لكنه لا يزال يقاوم.

خرج رافين ليرى كلبًا هزيلًا، ملطخًا بالطين والدم، أحد أذنيه مقطوعة، وجراح في ظهره، وعيناه تحدِّقان فيه برجاءٍ صامت.

لم يتحرك رافين في البداية… لكنه لم يعد قادرًا على تجاهل ذلك الصوت الذي بدا وكأنه يئن من الجرح نفسه الذي في قلبه.

أخذه إلى شرفته، غسله، لفَّه ببطانية قديمة، وقدَّم له بعض الحليب، على الرغم من أنه لم يكن يملك غير القليل.

أطلق عليه اسم «موكي»، أي الصامت بلغة الهند. لم يكن الكلب ينبح، لم يصدر صوتًا، فقط ينظر… بنظرة من عاش في الجحيم.

وبعد أيام من العناية، بدأ موكي يمشي، يهز ذيله قليلًا، وبدأ رافين يبتسم للمرة الأولى منذ سنوات.

أصبحا لا يفترقان، حتى إن سكان الحيِّ بدأوا يتحدثون: «رافين لم يعد يدخن كثيرًا، لقد صار يضحك!».

«الكلب أخرج الرجل من قبره!».

ولكن خلف موكي سرٌٌ كبير.

ففي أحد الأيام، جاء طفل إلى رافين وقال له: «هذا الكلب هرب من مزرعة التعذيب القريبة، لقد رأيناه هناك! المزرعة أُغلقت بعد بلاغات كثيرة، وكان موكي من أكثر الكلاب التي عُذبت هناك… رأيته مربوطًا في الشمس أيامًا، كنا نبكي عليه».

تجمَّدت عروق رافين… ثم احتضن موكي بقوة، كأنما يقول له: «أنا أعلم الآن… ولهذا عيناك لا تتكلمان».

لكن الفرح لم يدم طويلًا.

بعد شهور من الصداقة، بدأ موكي يضعف، يسعل، يتعب من الجري، لا يأكل كثيرًا.

أخذه رافين إلى طبيب بيطري، فأخبره أن الكلب مصاب بمرض تنفسي حاد بسبب ما تعرض له في المزرعة، وأنه لن يعيش أكثر من أسابيع.

في تلك الليلة، جلس رافين بجوار موكي، يدخِّن بصمت، ثم فجأة، أطفأ السيجارة، وقال:

«لن أموت مثلك ببطء يا موكي… لن أدع الحزن يخنقني كما فعل بك البشر».

وفي صباح يومٍ ممطر، مات موكي بين ذراعيه… لكن شيئًا جديدًا كان يولد.

باع رافين كل ما يملك، ترك المصنع، وتوجه إلى أرض ريفية خارج المدينة، وأطلق مشروعًا سماه: «مزرعة موكي – للرحمة».

بدأ يجمع الكلاب الشاردة، والقطط المصابة، والدجاج المعاق، والحمير المتروكة. وكان يعمل ليل نهار، لا يتوقف، كأن روح موكي تقوده.

نشر أحد الصحفيين قصته، وانتشرت على وسائل التواصل في الهند، وبدأ الناس يتبرعون، ويزورون، ويساعدون.

وأصبح «رافين» رمزًا للتغيير، رمزًا لرجل انتشله كلب من الموت، فأنشأ له مملكة للحياة.

وعلى بوابة المزرعة، نقش هذه الكلمات: «أنقذني حين كان الجميع يراني شبحًا… فأردت أن أكون حياة لكل من صاروا أشباحًا».

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم طارق السيد متولى
بقلم محمد احمد الهواري
بقلم محمد احمد الهواري
بقلم محمد حلمى عطيه
بقلم هناء عادل عبدالله