رضوى عاشور .. معلومات تعرفها لأول مرة عنها ككاتبة وأستاذة وأم !

 

كانت في أحد أيام مايو، تحديدًا في اليوم السادس و العشرين 1946م، صرخات الوضع تنبعث من الطابق الثاني في بيت بسيط بمنطقة المنيل مطلًا علي النيل، بينما يجلس في الطابق الأول رجلان أحدهما كهل، الأصغر سنًا يتحدث معه محاولةً في تهدئة توتره، يشغله بالتفكير عن اسم للمولود الجديد.

في لحظة أثناء انبعاث صرخات آلام الوضع، صدر صوت صرخة واهنة، أخذا يهرعان للمولود الذي أتي توًا للحياة، لقد كانت فتاة، تلك الكائن الرقيق الذي يشبه الملائكة، قطع ذلك التأمل صوت الجد عندما قال:"فلنسمّها رضوي"، نسبة إلي جبل يقع بالقرب من المدينة المنورة، يضرب به العرب مثالًا في الرسوخ و الشموخ فيُقال "أثقل من رضوى".

نشأة رضوى عاشور

تشربت رضوي حب الأدب من عائلتها، فقد كان والدها المحامي مصطفي عاشور صيتًا في الأدب، ووالدتها الشاعرة الفنانة مي عزام، فتعرفت علي القراءة و الأدب في سن مبكرة.

دائمًا ما كانت تقف رضوي أمام باب منزلها، حيث يوجد لوحتان رسمتهما والدتها قبل سن العشرين، كانت تقف تتأمل فيهما في إعجاب ثم تذهب تتصفح كتب والدها، ساعد ذلك تلك الطفلة الموهوبة في رحلتها، حتي صنعت سيرتها العظيمة في هذا العالم المظلم.

كانت مكتبة البيت حافلة بالعديد من كتب الأدب العربي و العالمي ليس فقط بسبب والديها، بل أيضًا كان لجدها دورًا هامًا في تكوين الحس الأدبي لديها منذ الصغر، لقد كان جدها عبد الوهاب عزامواحدًا من أهم المترجمين الذي عملوا علي ترجمة العديد من الأعمال الأدبية الكبيرة، وكان دبلوماسيًا و أستاذًا للدراسات والآداب الشرقية في جامعة القاهرة، وهو أول من ترجمكتاب الملوك الفارسي (شاناما)إلى اللغة العربية، فضلا عن كلاسيكيات شرقية أخرى.

تلك التفاصيل الصغيرة من اللوحات الفنية و الكتب الأدبية، كانت بمثابة منشطات لتقوية موهبة تلك الطفلة في سن مبكرة، وكانت شهادتها الدراسية تؤكد أنها طالبة نجيبة، لكن دائما ما كانت تُلحق بملاحظة أنها ''مطيورة'' تنسى أشيائها في المدرسة، تصطدم أثناء سيرها بباب أو حائط أو شجرة.

تقول رضوى عاشور إنها وقعت ذات يوم في فناء المدرسة، وعندما سُئلت ماذا حدث قالت ''اتكعبلت في نفسي''، هذا لم يعيق الطفلة عن التفوق في دراستها حتى التحقت بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وحصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن 1972م، ومن ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستشبأطروحة حول الأدب الأفريقي الأمريكي 1975م، ثم عادت إلى القاهرة، إلى جامعة عين شمس ، حيث درست في ظروف غالبا ما كانت صعبة داخليا وخارجيا.

تفوقها الأكاديمي

أظهرت رضوى تفانيا هائلا طوال حياتها المهنية، لتصبح أستاذا للغة الإنجليزية والأدب المقارن في 1986، ولتشغل منصب رئيس قسم اللغة الإنجليزية والأدب في الفترة من 1990 إلى 1993. 

بدأت بنشر أعمالها الأكاديمية في العام 1977، وتضمنت (مع فريال غزول وآخرين)، وهو مرجع مؤلف من أربعة مجلدات حول الكاتبات العربيات (نشر باللغة الإنجليزية في مجلد واحد مختصر العام 2008.) وبحلول الثمانينيات، انتقلت رضوي عاشور إلى شكل وبيئة خاصة من كتابات الخيال.

بحسب موقع أراجيك ، فإنه لطالما كانت رضوى عاشور صوتا قويا بين الكتّاب المصريين في جيل ما بعد الحرب وعرفت بكونها كاتبة شجاعة واستثنائية. تقاطعت أعمالها باستمرار مع تاريخ بلدها وانعكست بشغف تجاهه.

قالت في مقال لمختارات “الرؤية من الداخل” 1994م: ( لأنني أشعر بالخوف من الموت الذي يتربص وما أعنيه هنا ليس الموت في نهاية المطاف فحسب، ولكنني أعني أيضا الموت بأقنعته العديدة. أعني الوأد. أنا امرأة عربية ومواطنة من العالم الثالث وتراثي في الحالتين تراث الموءودة، أعي هذه الحقيقة حتى العظم مني وأخافها إلى حد الكتابة عن نفسي وعن آخرين أشعر أنني مثلهم أو أنهم مثلي).

رضوي عاشور وزجها مريد البرغوثي

لم تتوقف يومًا عن الحياة، كانت رضوي عاشور تحب الحياة بما اتسع له قلبها الكبير، فاستطاعت أن تضم إليها حب الفلسطيني مريد البرغوثي' يتبعه سؤاله الوجودي عن أرضه، يتراص بجوار واجبها تجاه مصر، فهي الأستاذة الجامعية التي شهدت جدران كلية الآداب بجامعة عين شمس، على دأبها وسعيها الدائم، صوتها الدافئ يبوح بحبها للمادة الإنجليزية التي ظلت برحابها طيلة عمرها، هي المادة التي درستها وعلمتها لأجيال.

التقت رضوى عاشور بزوجها الشاعر مريد البرغوثي عندما كانا طالبين في جامعة القاهرة، وتزوجا في العام 1970. ولد ابنهم تميم البرغوثي، في العام 1977. وفي العام نفسه، تم ترحيل البرغوثي مع العديد من الفلسطينيين الآخرين من مصر في الفترة التي سبقت زيارة السادات إلى القدس بعد عقد تفاقية كامب ديفيد لم يتمكن من العودة إلى مصر إلا بعد 17 عاما، ما أجبر الأسرة على تباعد أفرادها. وقد عمل في نهاية المطاف في الإدارة الإعلامية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بودابست المجر، ومن أبرزأعماله رأيت رام الله..

مريد زميل رضوى عاشور بكلية الآداب الذي أحبته، ظلوا عمرًا كاملًا يحاربان طواحين الهواء معًا، لم يملوا، حُب ولّف بقلوبهم رغم البعد، ولدت تميم وهو بالمنفى، ظلت تحمله إليه على جناح طيارة ترسلهما للمجر، وتميم بعمر شهور، تربى الولد على العناد والعنفوان، ليصبح شاعرًا يبث قوته خلال كلماته.

و مما يجب ذكره أن صحيفة اليوم السابع المصرية، نشرت اقتباسًا عن رضوى تروي في قصة أول لقاء لها بالشاعر مريد البرغوثى، فتقول: كان أول لقاء لنا على سلم جامعة القاهرة، حيث كان يلقى على أصدقائه إحدى قصائده، فانتبهت له وشعرت بكلماته تخترقنى، وكنت أكتب الشعر أيامها، ولكن بعد أن سمعت قصائد مريد، تركت الشعر لأن الشعر أحق بأهله وذويه.

مرض رضوى عاشور

مرضت رضوى عاشور بورم في الدماغ، ذلك الورم الذي عافرت معه كما كانت تعاند كل شئ أمامها، لكنه هزمها فلجأت لمحاربته بالعمليات الجراحية، أخذ منها عدد من العمليات بأمريكا أثناء الثورة المصرية، كانت رضوى تخرج من عملية لتدخل أخرى، وبين ايفاقاتها القليلة كانت تسأل ''مريد'' ''العيال انضربوا ؟''، تقصد شباب الثورة.

الأمل كان إحدى قضاياها الكبرى التي حاربت لأجلها، خبرته مع أمور الحياة ليصبح رفيقها الدائم، مهما انقلبت الموازين كانت تحكي دومًا عنه ''أقول لنفسي: لا يصح أو يجوز لأنني من حزب النمل، من حزب قشة الغريق، أتشبث بها، ولا أفلتها من يدي أبدًا، من حزب الشاطرة تغزل برجل حمارة''.

ألفت كتاب ''أثقل من رضوى'' لتحكي فيه عن معركتها مع الورم والاستبداد، غيبها المرض أيام الثورة الأولى، حتى رحت عن عمرٍ يناهز الثامنة والستين، لتظهر كنجمة لامعة ترشدنا كلماتها للأمل والحياة والحرية، ولتسكن في قبر لا وحشة فيها كما وصفت من قبل قَبر بطلتها مريمة في "ثلاثية غرناطة".

وكما قال رفيق عمرها الشاعر مريد البرغوثي: ( ابتسامتها رأي، وموضع خطوتها رأي، وعناد قلبها رأي، وعزلتها عن ثقافة السوق رأي، رضوي جمال رأيها ورأيها جمالها ).

وتعبيرًا عن مشاعر حبه لها قام بتجميع مقالاتها و كتاباتها في كتاب "لكل المقهورين أجنحة" تخليدًا لذكري وفاتها الخامسة.

.. 

 

 

رضوى محمد- مدونة مصرية

حساب مصري معني بالشأن الثقافي والكتابة الإبداعية بكل أشكالها والجوائز الأدبية في مختلف فروع الإبداع الكتابي..

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 5, 2023, 6:42 ص - إسلام عبد الكريم السنوسي
ديسمبر 4, 2023, 8:39 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 23, 2023, 11:48 ص - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 15, 2023, 12:02 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 14, 2023, 4:49 م - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 14, 2023, 1:04 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 14, 2023, 12:46 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 12, 2023, 4:51 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 12, 2023, 9:22 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 11, 2023, 1:33 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 10, 2023, 12:05 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 8, 2023, 9:53 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 12:21 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 6, 2023, 11:03 ص - بدر سالم
نوفمبر 5, 2023, 3:42 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 5, 2023, 11:23 ص - عبدالرحمن خليل النمر
نوفمبر 5, 2023, 10:20 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 4, 2023, 1:15 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 1, 2023, 11:31 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 31, 2023, 12:27 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 30, 2023, 4:53 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 30, 2023, 9:07 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 28, 2023, 12:47 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 28, 2023, 8:08 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 25, 2023, 1:12 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 25, 2023, 11:32 ص - إياد عبدالله علي احمد
أكتوبر 25, 2023, 8:30 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 23, 2023, 12:42 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 22, 2023, 12:26 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 21, 2023, 4:39 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 21, 2023, 2:22 م - اسماعيل السيد
أكتوبر 21, 2023, 9:07 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 19, 2023, 1:11 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 19, 2023, 6:59 ص - علي عزام
أكتوبر 18, 2023, 6:39 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 18, 2023, 12:15 م - التجاني حمد احمد محمد
أكتوبر 17, 2023, 2:18 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 16, 2023, 11:45 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 15, 2023, 5:11 م - وليد فتح الله صادق احمد
أكتوبر 15, 2023, 12:20 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 15, 2023, 11:18 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 15, 2023, 7:55 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 14, 2023, 2:24 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 11, 2023, 12:47 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 11, 2023, 12:13 م - عبير احمد الرمحي
أكتوبر 10, 2023, 6:50 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 10, 2023, 5:41 م - معتز سيف النصر محمد الحسن
أكتوبر 10, 2023, 10:05 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 9, 2023, 3:15 م - سعاد عبدالحفيظ أحمدين
أكتوبر 8, 2023, 1:00 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 8, 2023, 7:24 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 7, 2023, 12:01 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 7, 2023, 6:19 ص - وليد فتح الله صادق احمد
أكتوبر 6, 2023, 7:22 م - mona nasser
أكتوبر 6, 2023, 7:12 م - mona nasser
أكتوبر 5, 2023, 4:20 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 3, 2023, 7:16 ص - ريم بدر الدين بزال
أكتوبر 2, 2023, 5:54 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 2, 2023, 6:29 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
أكتوبر 1, 2023, 9:15 ص - سومر محمد زرقا
أكتوبر 1, 2023, 6:21 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 30, 2023, 7:48 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 30, 2023, 6:56 ص - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 30, 2023, 6:35 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 27, 2023, 11:27 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 27, 2023, 11:17 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 25, 2023, 2:42 م - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 24, 2023, 8:33 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 23, 2023, 8:37 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 23, 2023, 6:46 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 21, 2023, 12:47 م - إياس فرحان الخطيب
سبتمبر 19, 2023, 10:26 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 19, 2023, 7:53 ص - تامر عز الدين سعيد
سبتمبر 18, 2023, 12:30 م - إيمان عبدالباري قائد
سبتمبر 18, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 14, 2023, 3:38 م - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 14, 2023, 10:15 ص - سادين عمار يوسف
سبتمبر 14, 2023, 9:55 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نبذة عن الكاتب

حساب مصري معني بالشأن الثقافي والكتابة الإبداعية بكل أشكالها والجوائز الأدبية في مختلف فروع الإبداع الكتابي..