كانت الأرض تبدو وكأنها جزء من صحراء مترامية الأطراف. أما السماء التي كانت في يوم من الأيام زرقاء صافية، فقد أصبحت الآن مشوهة بضباب رمادي كثيف يخنق المدن، ويجعل الحياة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
الأزمة تتكشف
كان العالم الذي عرفته البشرية ذات يوم يوشك أن ينهار على نحو لا مفر منه. لقد أصبحت المحيطات التي كانت تعج بالحياة البحرية التي كانت تمثل مصدرًا أساسيًا للغذاء والنمو البيئي، مجرد مساحات شاسعة من المياه المسمومة الخالية تمامًا من أي حياة.
في حين كانت الغابات، تلك البقاع الخضراء التي كانت تعج بالأشجار والحيوانات، قد تحولت إلى مساحات قاحلة، تبدو وكأنها جزء من صحراء مترامية الأطراف.
أما السماء التي كانت في يوم من الأيام زرقاء صافية، فقد أصبحت الآن مشوهة بضباب رمادي كثيف يخنق المدن ويجعل الحياة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
لم يعد تغير المناخ مجرد مسألة قلق بعيد، بل أصبح حقيقة لا يمكن الهروب منها، حقيقة تدمر النظم البيئية، وتقوض الاقتصادات، وتقضي على أي أمل في المستقبل.
وصلنا إلى نقطة الانهيار البيئي، ومعها جاء الإدراك المخيف أن كوكب الأرض، الذي كان في يوم من الأيام الموطن الوحيد للبشرية، لم يعد قادرًا على دعم الحياة كما كان في السابق. كان الانهيار قد بدأ، وكانت النتائج مرعبة للغاية.
في مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، اجتمع مجموعة من أبرز العقول العلمية في العالم التي قررت أن تتحمل المسؤولية في ظل هذه الكارثة البيئية.
هذا المجتمع السري الذي ضم بعضًا من أكثر العلماء براعة في مجالاتهم، أطلقوا على أنفسهم اسم "مجلس البقاء".
اجتمعوا في عرف سرية، بعيدًا عن الأنظار، بهدف البحث عن حلول، بل وربما البحث عن طريق جديد للبشرية.
كان يقودهم البروفيسور كمال ناجي، عالم فيزياء مشهور عالميًا، والذي ألهمت رؤيته وشخصيته الكاريزمية حتى أكثر العلماء تشاؤمًا لكي يواصلوا العمل على استحداث الحلول.
كانوا يعلمون تمامًا أن مصير البشرية يعتمد على أعمالهم، فعملوا بلا كلل، جمعوا الموارد والمعرفة، حتى أحلام الهروب من الواقع المرير.
اقرأ أيضًا خاطرة "كيف ستُكوِّن مستقبلاً؟".. خواطر وجدانية
نداء من المستقبل أرسله لأحذر البشرية من خطر التغير المناخي
في زمنٍ مضى كان الأمل سائدًا
وفي سماء الأرض، النور كان ساكنًا
لكننا لم نرَ ما كان يخفيه القدر
وكأنَّ الزمن سارقٌ للحلم، مُعتمًا
أهتف من بعيد، من قلب الزمان
أكتب في الهواء حروفًا من الأمان
يا بشر، يا أبناء الأرض الجميلة
حذارِ من المدى المظلم، الحيلة
نعم، الأرض كانت خضراء وسعيدة
لكننا بسوء الحال قد جلبنا الوعيدَ
أيها البشر، هل تسمعون نداءاتي؟
هل تجيبون على صوتي الذي يحمل الشكوى؟
إياكم أن تظنوا أن الوقت لن يفرغ
وأن الزمان لن يدفع ثمن أفعالكم
يا من ترون الأفق خاليًا
أمامي يتداعى كل شيء، ينهار تدريجيًا
الهواء ضاق والماء تلوث
وملامح الأرض أصبحت مدمرة في القلب
اقرأ أيضًا الأدب واستشراف المستقبل.. رؤية واقعية ورؤية محلقة في الخيال
بصيص من الأمل
مرت سنوات من البحث المضني، والتجارب التي لا تُعد ولا تحصى. ومع مرور الوقت، أسفرت تلك الجهود عن اكتشاف مذهل سيغير مصير البشرية إلى الأبد: كوكب بعيد، تم اكتشافه باستخدام تقنية المسح الفضائي المتقدمة التي ابتكرها العلماء.
أطلق عليه اسم "نوفا تيرا"، وهو كوكب يشبه الأرض إلى حد بعيد.
كانت به محيطات شاسعة، وأراضٍ خصبة، وجو يمكنه دعم الحياة البشرية. بدا هذا الاكتشاف وكأنه فرصة ثانية للبشرية التي كانت على وشك الانقراض.
ولكن كانت هناك عقبة هائلة: كان كوكب نوفا تيرا يبعد مئات السنين الضوئية عن الأرض. ومع التكنولوجيا الفضائية التقليدية، كان الوصول إلى هذا الكوكب يعني أن الرحلة ستستغرق آلاف السنين.
وكان الجميع يدركون تمامًا أنهم إذا أرادوا أن ينجوا، عليهم أن يفكروا خارج نطاق حدود الفيزياء التقليدية.
لذا بدأوا في تطوير فكرة مبتكرة: "قوس النجوم"، وهو نظام نظري يمكنه إنشاء ثقب دودي، جسر بين النجوم، يربط الأرض بكوكب نوفا تيرا، ما يجعل السفر عبر الفضاء أمرًا ممكنًا.
لكن لم تكن هذه المساعي خالية من المخاطر. فالتكنولوجيا التي كانت تعتمد عليها فكرة "قوس النجوم" كانت غير مختبرة، وأي خطأ في الحسابات كان يمكن أن يؤدي إلى كارثة لا يمكن تصورها.
كان العلماء يتصارعون مع طموحاتهم، مدركين أنهم يتعاملون مع أداة قد تفتح أفقًا جديدًا للبشرية، لكن في الوقت ذاته، قد تؤدي إلى القضاء عليها تمامًا.
اقرأ أيضًا خوف هائل| المستقبل إلى أين؟
بناء "الملاذ"
على الرغم من المخاوف الأخلاقية التي كانت تحيط بالمشروع، فقد قرر المجلس المضي قدمًا. بعد كثير من النماذج الأولية والاختبارات، تمكنوا أخيرًا من بناء أول مركبة فضائية قادرة على السفر عبر قوس النجوم.
أطلقوا عليها اسم "الملجأ". كانت سفينة ضخمة، تم بناؤها في سرية تامة، ومزودة بكل التقنيات الحديثة التي من شأنها دعم الحياة على كوكب نوفا تيرا.
ومع اقتراب يوم الإطلاق، كان الجميع يستعدون بحماس، ولكن أيضًا بتوتر. كان البروفيسور كمال قد قرر تضمين عينات من الحياة على الأرض في الرحلة -النباتات، والحيوانات، والبذور- لضمان أن نوفا تيرا لن تصبح مجرد موطن للبشر، بل كذلك أرضًا جديدة للحياة المتنوعة.
وكان الأمر يتطلب اختيارًا دقيقًا لعدد قليل من البشر ليقوموا بهذه الرحلة الشاقة.
لذا أنشأ المجلس عملية اختيار صارمة لضمان التنوع، والمعرفة، والمهارات التي ستكون ضرورية لإعادة بناء المجتمع على الكوكب الجديد.
اقرأ أيضًا استكشاف الفضاء من الخيال إلى الحقيقة وأهميته في المستقبل
يوم الرحيل
أتى اليوم المنتظر. كان يوم المغادرة مليئًا بمشاعر متضاربة: الخوف من المجهول، والأمل في المستقبل. كانت السماء حمراء، وكأنها تحيي رحلة تاريخية.
بينما كانت محركات السفينة تعصف بالهواء، كان الركاب المختارون -وهم مزيج من العلماء، والأطباء، والمزارعين، والمهندسين- ينتظرون بفارغ الصبر أن تبدأ الرحلة.
كان الجميع على دراية بأنهم سيتركون خلفهم عائلاتهم، وأصدقاءهم، وحياتهم التي عاشوها على الأرض، دون أن يكون لديهم يقين إذا ما كانوا سيتلقون فرصة للعودة أم لا.
ألقى البروفيسور كمال كلمته الأخيرة قبل صعودهم إلى السفينة. كان صوته يتردد في أنحاء العالم بأسره "نحن لا نغادر مهزومين، بل على أمل.
نحن نذهب إلى نوفا تيرا حاملين حلم الحفاظ على الحياة، والحب، والمعرفة. وسوف نعود ذات يوم". ومع هذا، صعد الجميع على متن السفينة، وانطلقت الرحلة نحو المستقبل.
اقرأ أيضًا شبابنا بين حنين الماضي وغموض المستقبل
كلام في الحاضر
إن القضية التي نواجهها اليوم فيما يتعلق بالتغيرات المناخية تُعد من أكبر التحديات التي قد تواجهها البشرية في تاريخها، وهي ليست مجرد قضية بيئية، بل قضية وجودية تمس حياة كل كائن حي على كوكب الأرض.
والتغيرات المناخية لا تؤثر فقط في درجات الحرارة أو سقوط الأمطار، بل تشمل تدمير الأنظمة البيئية، ارتفاع مستوى البحار، وتغيرات في الأنماط الزراعية التي تهدد الأمن الغذائي والمائي للبشرية.
تحياتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.