رحل خالو مفيد وأخذ معه ضحكات الطفولة وجزءًا من حياة.. أخذ معه أغاني فيروز التي كان يدندنها لنا في نزهاتنا معه وخرير المياه في عين البحصاصة وصوت الهواء يداعب أشجار الحور فتتمايل على وقع زقزقة العصافير، ونحن نرافقه كجيش صغير مع قائد شجاع لا يهاب شيئًا، فيزرع في قلوبنا الصغيرة مشاعر الأمان والثقة التي بقيت فينا وبقينا نعود إليها كلما غدر بنا الزمن.
ترك خلفه كتابه الذي لم ينهيه وريشته التي عبثت بلوحة ذكرياتنا فلونتها بالرمادي والأسود. هوى أمامنا كجذع شجرة معمّرة جذورها تمد كلّ الأحبة بالأوكسيجين من دون أن يعلموا، وأصبحنا في مهب الرّيح من دون سند نتكئ عليه أو نلجأ إليه...
ربما لم أفهمه كثيراً ولكنني أحببته دائماً، لم يكن من الصعب على من مدّنا بجزء من الأبوبة الهاربة منّا منذ الصغر أن نشعر بمحبته لنا وأن نقدّر حنوه علينا وأن نستكين في ظلّ حمايته..
الشيء الوحيد الذي يشعرنا بالعزاء أنه ترك هذا العالم الذي لم ولن ينتمي إليه يوماً، وذهب ليلاقي الكثير من الأحبة الذين سبقوه والذين أخذ كل منهم قطعة من روحه، حتى أصبحت كل الأجزاء هناك.. إلّا قطعة واحدة احتفظ بها لوقت طويل... وقد حان الوقت ليسلمها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.