رحلة هاتف بلاك بيري من القمة إلى القاع

إنه عام ألفين وثمانية.. الأجواء بالولايات المتحدة مضطربة للغاية، والوكالات الأمنية هناك تتابع إجراءات انتقال السلطة من جورج بوش إلى بارك أوباما.

اقرأ أيضاً كل ما تريد معرفته عن شركة آبل

النجاح الهائل لهواتف بلاك بيري في البداية 

وسط هذا الحال المشحون، يأتي الرئيس المنتخب أوباما بطلب لم يكن سهلا على الإطلاق بالنسبة لوكالة الأمن القومي، التي تعمل على حماية حياة الرئيس من أي تهديد أو اختراق محتمل.

على كل حال منحته الوكالة جهازا لم يكن ذكيا بالدرجة التي تتوقعها.. هاتف غير قادر على التقاط الصور أو تشغيل ملفات الموسيقى، أو حتى يتيح لأوباما أن يتسلى بلعبة "أنجري بيرد".

كان هذا الهاتف يدعى "بلاك بيري"، وحظي بما لم يحظ به أي جهاز في وقته، لكن كل ذلك تغير في غضون سنوات قليلة، ليعلن عام ألفين واثنين وعشرين النهاية الأبدية لهاتف الأثرياء.

السؤال الآن لماذا كان بلاك بيري هاتف الرؤساء والمشاهير؟ ولماذا لم يعد أحد يرغب في اقتنائه؟ وهل ما حدث له لاحقا قد يحدث معك أنت؟ إليك ما جرى..

اقرأ أيضاً ما جديد شركة أبل لعام 2022؟

بداية شركة "ريسيرش إن موشين" صاحبة هاتف بلاك بيري 

تبدأ الحكاية من عام ألف وتسعمئة وأربعة وثمانين، حينما يقرر طالبا الهندسة الكنديان مايك لازاريديس ودوجلاس فريجين إنشاء شركة تحت اسم Research In Motion "ريسيرش إن موشين"، كانت تعرف اختصارا ب RIM "ريم".

عملت الشركة في مجال تطوير تقنيات الاتصالات والشبكات اللاسلكية.. في هذا الوقت لم يكن في نية هذين الشابين الدخول في عالم صناعة الهواتف الذكية.

لكن هذا الحال لم يدم طويلا، فحينما جاء عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، كان نقطة التحول الهائلة التي قلبت حياتهم رأسا على عقب، فتعاقدت شركتهم "ريم" مع شركة كندية أخرى تدعى روجرز، لتطوير نظام التراسل بين المستخدمين بها.

حينها كانت الاختراعات تخرج من شركة "ريم" كالمطر، وفي الوقت نفسه كانت الأسواق ترحب بظهور أجهزة جديدة تعمل على التنبيه لأي اتصال قادم من طرف آخر تسمى "بيجر" pager.

وحينئذ تقرر شركة "ريم" تطوير جهاز بيجر التقليدي إلى جهاز تراسل فوري، مع تزويده بشاشة ملونة ولوحة مفاتيح كاملة وتصفح للإنترنت، ليأتي عام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين، وتتوج إنجازات الشركة بتقديم جهازها الثوري الأول "أكتف بيجر 900" "ناين هاندرد"، لتكون بذلك أول مطور لتكنولوجيا الاتصالات في أمريكا الشمالية.

اقرأ أيضاً شركة أبل

تطورات ومميزات هاتف بلاك بيري 

إنه عام ألفين.. شركة ريم تعلن أنها جاهزة لاقتحام سوق الهواتف المحمولة رسميا، بطرح هاتفها الأول بلاك بيري تسعمئة وسبعة وخمسين BlackBerry 957 مع لوحة مفاتيح كبيرة وشاشة، ولم لا وهي المطور التكنولوجي الأول بأمريكا.

دعني أخبرك شيئا.. لم تكن شركة "ريم" وحدها تغزو الأسواق، فكانت نوكيا الفنلندية هي الأخرى حاضرة في سوق الهواتف المحمولة، لكن ظهر لها منافس آخر وهي شركة إريكسون السويدية وموتورولا الفرنسية، مع ظهور خجول من شركة سامسونج الكورية وسوني اليابانية.

في هذا الوقت، صنعت شركة ريم ما لم يصنعه هؤلاء المنافسون، فقدمت هاتفا محمولا يحظى بشاشة جيدة ولوحة مفاتيح كاملة، والأهم من ذلك عملت على تفعيل ميزات خاصة، بداية من تأمين مشفر رائع إلى قدرة على استقبال الإيميلات الإلكترونية.

ليصبح هاتف بلاك بيري الخيار الأول للسياسيين والفنانين ورجال الأعمال.. كان من بينهم أوباما وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وكيم كارداشيان أيقونة التلفزيون الأمريكي.

كل هذا جعل شركة "ريم" تصنف بأنها الأسرع في سوق الأعمال العالمي، وفي عام ألفين وتسعة استطاعت شركة "ريم "حجز مقعدها بين الشركات الكبرى الأسرع نموا، في وقت كانت فيه شركة أبل في المركز التاسع والثلاثين وجوجل في الثاني والستين.

وحققت معدل نمو أرباح بنسبة أربعة وثمانين في المئة على مدى ثلاث سنوات فقط، وحقق متجر "بلاك بيري وورلد" نموا بمعدل سنوي خمسمئة في المئة. 

مع مرور الوقت أحب العامة امتلاك هاتف مماثل لبلاك بيري، لتقرر "ريم" تحسين هواتفها، فمنحتها خدمة التراسل الفوري حصريا، ومن بعدها انتشرت كالنار في الهشيم بين مستخدميها..

لك أن تتخيل أن يتحول اسم بلاك بيري في سوق الهواتف إلى كراك بيري، في إشارة إلى إدمان هاتف بلاك بيري كالإدمان على مادة كراك المخدرة.

اقرأ أيضاً هل أندرويد أفضل من آيفون؟

هواتف أبل تقتل هواتف بلاك بيري

الآن حان الوقت لتغيير كل ذلك، بلاك بيري تلفظ أنفاسها الأخيرة بدخول لاعب جديد يزلزل الأرض تحت أقدام الشركات الكبرى، من بينها طبعا "ريم".

إنه عام ألفين وسبعة.. وقف عبقري أبل ستيف جوبز أمام الجميع، وبدأ على شاشة عرض في قاعة الاجتماعات، بعرض أربعة نماذج لهواتف محمولة هي نوكيا وPalm وموتورولا، وبلاك بيري.

أوضح جوبز أن هذه الهواتف جيدة لاشتراكها في لوحة مفاتيح ضخمة وشاشة أصغر، ثم عرض هاتفه أبل الأول، وقتها كانت به شاشة عملاقة، يمكن التعامل معها باللمس مباشرة.. كان يتيح للمستخدمين القدرة على العمل المكتبي، ويتمتع بمظهر جذاب.. رغم ذلك كان بلاك بيري متفوقا على أبل.

لكن مع مرور الأيام ارتكبت بلاك بيري خطأ كتب لها النهاية، فبقيت في منطقة الراحة ولم تبال لمنافسها الأول أبل، الذي زود هواتفه بمميزات جعلته في نهاية المطاف يسحب البساط من تحت شركة "ريم".. رغم ذلك حاولت العودة بجهاز يدعى BlackBerry Storm لكنه بالطبع لم ينجح.

كل هذا أسهم في تراجع قدرة بلاك بيري على الابتكار نهائيا، ليأتي عام ألفين وستة عشر، وتكون الحصة السوقية لبلاك بيري نحو صفر في المئة، ووصل الحال بمصيرها إلى أن تستحوذ شركة TCL الصينية للإلكترونيات عليها.

الأمر من ذلك جاء عام ألفين واثنين وعشرين، وأعلنت الشركة أنها ستتوقف تماما عن دعم أجهزتها القديمة، وبذلك وضعت نقطة الختام على الهاتف الذهبي بلاك بيري.

تراجع هواتف بلاك بيري 

قد تظن أن ما حدث لهاتف بلاك بيري لا يمكن أن يحدث لنا نحن البشر، لكن الحقيقة هي أن الركون في المنطقة المريحة، يوقف الإنسان عن التطور سواء كان وظيفيا أم معرفيا، فيأتي آخرون بأفكار فيسبقونه وتغيب شخصيته مثلما غابت مكانة بلاك بيري، بعد أن أتى محلها آيفون أبل.

الآن، برأيك هل قتل ستيف جوبز بلاك بيري؟ أم أن غباء الشركة أسهم في حفر قبرها بيديها؟