رحلة مدريف إلى أستراليا

لطالما شعر مادريف بأنه لا يندمج مع المجتمع، بغض النظر عن مكانه، فقد نشأ في بلدة صغيرة في أوروبا الشرقية، وقضى معظم طفولته يتوق إلى مزيد من المغامرة، ومزيد من الحرية، ومزيد من الحياة خارج الشوارع الضيقة والوجوه المألوفة.

لذا عندما سنحت له فرصة الانتقال إلى أستراليا للحصول على فرصة عمل جديدة، لم يتردد، بدت أستراليا بمناظرها الطبيعية التي لا نهاية لها، والحياة البرية الفريدة، وسمعتها ثقافةً منفتحةً وسهلة الانقياد، المكان المثالي لبداية جديدة.

اقرأ أيضًا رحلة سانتياغو رقم 513.. خيال أم حقيقة؟

الفصل الأول: بداية جديدة

عند وصوله إلى (ملبورن)، صُدم مادريف على الفور بالتناقض، كانت المدينة تنبض بالحياة، ناطحات السحاب المترامية الأطراف، و(الترام) الذي يعج بالحركة في الشوارع المزدحمة، ومزيج من الثقافات لم يرها من قبل، كان الأمر مبهجًا.

استأجر شقة صغيرة في فيتزروي، وهو حي فني مملوء بلوحات جدارية في الشوارع ومقاهٍ مستقلة، إضافة إلى مزيج من الناس من كل ركن من أركان العالم، من نافذته كان بإمكانه رؤية مشهد شارع حيوي في الأسفل.

كان الموسيقيون يعزفون في الزوايا، وكان الناس يتجولون ويضحكون ويعيشون بوتيرة لم يختبرها من قبل، أول مرة يشعر مادريف بأنه كان في المكان الذي من المفترض أن يكون فيه.

لكن الوظيفة التي جاء من أجلها -منصب مؤسسي في شركة تكنولوجيا- تبين أنها أقل إشباعًا مما كان يأمل، في حين أنه كان يستمتع بالأمان، لكن العمل كان يبدو متكررًا، وبدا زملاؤه بعيدين.

في أثناء أوقات الغداء كان يتجول في الحدائق القريبة، ويراقب الحياة البرية التي لم يقرأ عنها إلا في الكتب، أصبحت حيوانات الكنغر والكووالا والببغاوات الملونة جزءًا من واقعه اليومي، وببطء بدأ يدرك أنه يريد مزيدًا من الحياة أكثر من مجرد الجلوس في مكتب.

اقرأ أيضًا أهم الرحلات الفضائية وأكثرها تأثيرًا في التاريخ

الفصل الثاني: نداء المناطق النائية

في إحدى عطلات نهاية الأسبوع، وبدافع من نزوة اشترك مدريف في رحلة إلى المناطق النائية، وهي منطقة شاسعة وعرة بعيدة كل البعد عن حياة مدينة ملبورن.

وانضم إلى مجموعة من المسافرين من بلدان مختلفة، لكل منهم أسبابه الخاصة للبحث عن جمال أستراليا الخام، أخبرهم مرشدهم -وهو رجل محلي طويل القامة أسمر البشرة اسمه بن- قصصًا عن الأرض وشعبها، وشاركهم حكايات عن أساطير السكان الأصليين، وأرواح الأحلام والأراضي المقدسة، فسُحِر مادريف.

كانت الأيام التي قضاها في المشي مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة والنوم تحت غطاء من النجوم من أكثر الأيام إشباعًا في حياته.

تعلم مادريف احترام قسوة المناطق النائية، لكنه اكتشف أيضًا جمالها الخفي، لكنه قوي دائمًا، بدا أن صمت الصحراء يتحدث إليه، ويهدئ جزءًا من روحه التي لم يدرك أنها مضطربة.

في الليلة الأخيرة من الرحلة وجد مدريف نفسه جالسًا بجوار النار إلى جانب بن، شارك الدليل بعضًا من حياته، ووجد مدريف نفسه يشاركه حياته أيضًا، تحدثا إلى وقت متأخر من الليل.

والمرة الأولى من وقت وصوله إلى أستراليا شعر مادريف كأنه وجد شخصًا يفهمه أخبره بن، «أستراليا لديها القدرة على إظهار الناس حقًا، لكن عليك أن تكون منفتحًا على ذلك يا صديقي، إذا كنت متمسكًا جدًّا بمن تعتقد أنه يجب أن تكون فستفتقده».

اقرأ أيضًا قصة"رحلة ممتعة إلى مملكة تايلاند".. قصص قصيرة

الفصل 3: تغيير في الاتجاه

بعد العودة إلى ملبورن، وجد مادريف صعوبة في العودة إلى حياته العادية، شعر بالقلق، لقد أظهرت له المناطق النائية شيئًا ما، كان جزءًا من نفسه لم يكن يريد تجاهله.

بدأ يقضي عطلات نهاية الأسبوع في المشي مسافات طويلة واستكشاف المتنزهات الوطنية حتى التعرف إلى ثقافة السكان الأصليين وتاريخهم، وأصبح صديقًا لبعض السكان المحليين الذين شاركوه حبه للطبيعة والمغامرة، وسرعان ما وجد نفسه يقضي وقتًا أطول في الهواء الطلق من مكتبه.

في أحد الأيام بعد اجتماع شاق وخاص، عرف مادريف أنه حان الوقت لإجراء تغيير، قدم استقالته وقرر السفر إلى أستراليا بدوام كامل مدة من الوقت، كان قد وفر ما يكفي لإعالة نفسه، وشعر برغبة في رؤية مزيد من البلاد، لا سيما الزوايا المخفية التي لم يصل إليها معظم السياح أبدًا.

على مدار الأشهر القليلة التالية سافر مدريف من الغابات المطيرة في كوينزلاند إلى الرمال الحمراء في أولورو.

ومن السواحل البرية في تسمانيا إلى الجبال الوعرة في كيمبرلي، التقى بأشخاص من طبقات مختلفة، لكل منهم قصصه الخاصة وأسبابه الخاصة للانجذاب إلى البرية في أستراليا.

تعلمَ مهارات الحياة البرية من أحد كبار السن من السكان الأصليين، وصيد الأسماك من الصيادين المحليين، وتطوع في محمية للحياة البرية ليعتني بالكنغر والكوالا المصابة.

اقرأ أيضًا قصة "رحلة إلى الشاطئ" وتفاصيل كل حلقة

الفصل الرابع: العثور على المنزل

في النهاية أوصلته رحلات مادريف إلى بلدة ساحلية صغيرة في غرب أستراليا، كانت البلدة هادئة محاطة بشواطئ لم يمسها أحد ومنحدرات وعرة، كان هناك شيء ما في الأمر يبدو صحيحًا، وقرر مادريف البقاء مدة هناك.

وجد عملًا في متجر غوص محلي، فكان يأخذ السياح لرؤية الشعاب المرجانية وتعليمهم الحفاظ على البيئة البحرية، قضى أيامه في الغوص، وإرشاد الناس عبر الجمال تحت الماء، ومشاركة حبه للطبيعة، ثم أصبح المحيط بما فيه من اتساع وغموض حدودَه الجديدة، وجد العزاء في أعماقه وإحساسًا بالرغبة في حمايتها.

رحب به المجتمع بأذرع مفتوحة، على عكس الحياة المؤسسية التي تركها وراءه، هنا عاش الناس ببساطة، واهتموا بعضُهم ببعض، وكوَّن روابط وثيقة مع السكان المحليين، وتعلم منهم وشاركهم تجاربه الخاصة، في هذه المدينة الصغيرة المحاطة بمساحة الطبيعة الشاسعة، شعر مادريف أخيرًا بالسلام.

اقرأ أيضًا مقتطفات من كتاب "ذكريات باريس".. للكاتب زكي مبارك

الفصل الخامس: احتضان المستقبل

مع مرور السنين استمر مدريف في عيش حياة تكونها المناظر الطبيعية الأسترالية، وأصبح مدافعًا عن الحفاظ على البيئة، وتنظيم عمليات تنظيف الشواطئ وتثقيف السياح بالممارسات المستدامة، وتبنى القيم التي تعلمها من تعاليم السكان الأصليين من أهمية احترام الأرض والعيش في وئام مع الطبيعة. 

بالنظر إلى الوراء أدرك مادريف أن أستراليا لم تمنحه حياة جديدة فحسب، بل فهمًا جديدًا لنفسه، لقد تحدته البلاد وكونته، وفي النهاية ساعدته في العثور على مكان يشعر أنه ينتمي إليه.

كانت رحلة مدريف بعيدة كل البعد عما تخيله عندما وصل للمرة الأولى، لقد جاء بحثًا عن المغامرة ووجد شيئًا أعظم بكثير، وجد شعورًا بالهدف ومجتمعًا يهتم به بشدة، وعلى الرغم من أنه لا يزال يحب السفر، لكنه كان يعلم أن أستراليا ستكون موطنه دائمًا.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة