رحلة ماري ملكة إسكتلندا من العرش إلى الإعدام

ماري ملكة إسكتلندا: حياة مملوءة بالإثارة والرومانسية، والتحول الدرامي من المجد إلى المأساة.. لعلَّ قلة من النساء لم يتهيأ لهن تاريخ أحفل بالإثارة والرومانسية مما تهيأ لـ"ماري" ملكة إسكتلندا. لقد كانت هذه الفتاة الأبية الجميلة في وقت من الأوقات ملكة لإسكتلندا وفرنسا، تفردت شخصيتها الأخاذة الساحرة بمزيجٍ من السحر والعاطفة المشبوبة، إلى جانب الخشونة المنبوذة.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. سيرمافو باندرانيكا أول امرأة حاكمة في العصر الحديث

مولد ماري ورحلتها إلى العرش

وُلِدت ماري في ديسمبر عام 1542 في لنلشجو، وكانت ابنة جيمس الخامس ملك إسكتلندا وماري أميرة اللورين. ولم تكد تبلغ من العمر أيامًا قليلة حتى توفي والدها وأصبحت ملكة لإسكتلندا وفقًا لقانون البلاط الملكي.

وطبقًا لما جرى عليه العرف مع كل ملكة من ملكات القرن السادس عشر، فإن مستشاريها وجهوا اهتمامهم إلى البحث عن زوج صالح لها. ولم تسفر خطبتها لإدوارد الطفل ابن هنري الثامن عن شيء، ولكنها خُطبت عام 1548 إلى الدوفين، أي ولي عهد فرنسا المسمى فرنسيس. وهكذا أبحرت إلى فرنسا ولم تتجاوز الخامسة من عمرها.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. حتشبسوت أشهر ملكات مصر الفرعونية

صراع العروش والحروب الأهلية

وصلت ماري إلى الشاطئ الفرنسي في الخامس عشر من شهر أغسطس، وبعد عشر سنوات سعيدة قضتها في كنف أسرة جيز العظيمة، تم زواجها في أبريل عام 1558.

وفي العام التالي أصبحت إليزابيث ملكة لإنجلترا، ولكن الطوائف المذهبية كانوا يعدونها غير شرعية؛ لذا اعترفوا بماري ملكة بدلًا منها. ونجم عن ذلك أن نشبت حرب أهلية في إسكتلندا بين طائفة (تتزعمهم الوصية على العرش ماري أوف لورين) وطائفة أخرى. وقد انتهت الحرب بانتصار الطائفة الموالية للملكة إليزابيث.

بدء القلاقل في أروقة البلاط الفرنسي

لم تلبث ماري أن أصبحت ملكة لفرنسا، ولكن كان مقدرًا أن تظل كذلك بضعة أشهر فقط، لأن ماري المتهورة في حياتها، والرائعة في مماتها، بدأت السير في الطريق إلى الإعدام. كيف ولماذا يا تُرَى؟

في الخامس من ديسمبر عام 1560 توفي زوج ماري، وفي أغسطس التالي وصلت ماري إلى إسكتلندا لكي تتقلد زمام السلطة في المملكة الجدباء. وهي لا تكاد تعرفها، وليس بينها وبين شعبها سوى روابط قليلة مشتركة.

ومع ذلك، فما لبث سحرها وشجاعتها ولباقتها أن أكسبتها محبين وأنصارًا في كافة أرجاء إسكتلندا، فيما عدا جون نوكس المروع، الذي تكلم عن (عقلها المتأبِّي، ولباقتها الخادعة، وقلبها المتحجر في حق من حولها). ولكن ماري أظهرت في أوائل أعوامها في إسكتلندا صفات تدل على الاقتدار في إدارة شؤون الدولة.

زواج ماري والاضطرابات الداخلية

وقد كان من المحتمل أن يجري كل شيء رخاءً لولا طبيعتها المشبوبة، فقد أقدمت على الاقتران بابن عمها اللورد هنري، متحدية بذلك الملكة إليزابيث.

وما لبث شعب إسكتلندا إلا وساءهم هذا الزواج، الذي عزز دعوى ماري في المطالبة بعرش إنجلترا، تأكيدًا لمطالب دارنلي ذاته، الذي كانت أمه تعود بنسبها إلى مرجريت تيودور (وريثة عرش إنجلترا بعد ماري). وقد أسفر الزواج، الذي احتفل به في التاسع والعشرين من شهر يوليو عام 1565، عن حرب أهلية.

غيرة هنري والهجوم على القصر

بعد انطفاء شعلة الحرب الأهلية، خرج مؤيدو ماري منتصرين. ولم يطل الأمر بماري حتى سئمت زوجها الجديد وأبت عليه لقب الملك. وكان هو بدوره غيورًا بسبب صداقتها مع سكرتيرها دافيد ريزيو.

وما لبث الزوج هنري أن نظَّم في التاسع من شهر مارس، هجومًا على قصر هولي رود، وقع ريزيو خلاله في الأسر وذُبح ذبحًا أمام أنظار الملكة المرتاعة. وبرغم هذه الوحشية، فقد تم الصلح بين ماري وزوجها، وأنجبا ولدًا هو جيمس في التاسع عشر من شهر يونيو عام 1566.

قصة حب جديدة ونفي الزوج هنري عليلًا بالمرض

لم يكن حادث الهجوم على القصر كافيًا بالنسبة للمملكة ماري حتى تقلع عن المغامرات العاطفية. ووقعت مجددًا في حب جيمس هيببورن القوي النفوذ. وفي الثامن والعشرين من شهر يناير عام 1567، عملت ماري على نقل زوجها الذي أصابه المرض، إلى بيت منعزل في جلاسجو يعرف باسم كيرك أوف فيلد.

وقد زارته ماري في التاسع من شهر فبراير، وفي تلك الليلة وقع انفجار هائل أدى إلى تدمير بيت دارنلي، ووجدت جثته في الصباح على مقربة من البيت، وقد توفي خنقًا في أثناء محاولته الإفلات.

اعتقال الملكة ماري على يد الملكة إليزابيث والمصير نحو الإعدام

اعتقلت الملكة إليزابيث ماري اعتقالًا محكمًا، على سبيل تلك الإرهاصات والإخفاقات الماضية، ولكن مع توفير أسباب الراحة لها. ومن ثم، بدأت ماري تحيك الدسائس، ووافقت على خطة للطلاق من بوثويل والاقتران بدوق نورفولك، وهو أحد النبلاء البارزين. وقد أسفر هذا عن زج نورفولك في سجن (البرج)، ثم أُميط اللثام بعد ذلك عن مؤامرة من جانبها لوقوع غزو من قبل الإسبان. وطالب البرلمان في مايو عام 1572 بإعدامها.

عارضت الملكة إليزابيث القرار وأمرت بإعدام نورفولك. وتعاقبت بعد ذلك أعوام من مفاوضات ملتوية، ولكن لم يكن أحد متلهفًا لعودة ماري إلى عرش إسكتلندا:

لا الإسكتلنديون أنفسهم، ولا الملكة إليزابيث، ولا ابن ماري جيمس السادس. وفي خلال ذلك، كشف النقاب عن مؤامرات جديدة، ووقعت بعض مراسلات ماري الدالة على خيانتها مع الإسبان في يد "فرنسيس والسنغهام"، عضو مجلس شورى إليزابيث المقتدر.

في النهاية، تورطت ماري عام 1585 في مؤامرة أنتوني بابنجتون لاغتيال الملكة إليزابيث. فقبض عليها، وبعد تحقيق ومحاكمة طويلين، أعدمت في الثامن من شهر فبراير عام 1587.

كانت ماري رائعة في مماتها؛ فمسلكها طوال محاكمتها كان مطبوعًا بالهدوء والعظمة والجلال. وقد راحت وهي في قاعة الإعدام تستمع إلى الحكم عليها وهي أقرب إلى الابتهاج، وأقبلت على الدعاء من أجل ولدها، ومن أجل الملكة إليزابيث، ومن أجل أعدائها جميعًا. ثم وضعت رأسها فوق منصة الإعدام، وعلى هذه الصورة كان ختام حياة غريبة شاذة ولكن فريدة في سماتها البطولية.

عزيزي القارئ، إلى هنا ينتهي مقال اليوم، ونلتقي في المقال القادم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة