رحلة الإدمان من الجذور إلى التعافي مع د.عماد رشاد

التعددية الموجودة في عصرنا الحالي من ملهيات، وما يعانيه الفرد من ضغوطات، أصبحت هي متنفسه الوحيد وأضفت جزءًا لا يتجزأ من حياته حتى وصلت إلى مرحلة الإدمان. هل نحن حقًّا نعرف المدمن تمام المعرفة؟ هل الإدمان هو عدم القدرة على التحكم في القيام بشيء ما أو تناوله أو استخدامه إلى الحد الذي قد يكون ضارًّا لك؟ هل الإدمان له علاقة مباشرة بالمادة الإدمانية؟ سنتعرَّف على أجوبة هذه الأسئلة في بودكاست مهجة وضيف الحلقة د. عماد رشاد، صاحب الكتاب الأكثر شيوعًا "أبي الذي أكره"، وهو اختصاصي في الصحة النفسية، بعنوان "طريق التعافي: الإدمان بدأ من الولادة".

يُعرِّف د. عماد الإدمان بطريقة أكثر عمقًا. على سبيل المثال، قال: "هناك مدمن لم يتعاطَ قبل"... أي يوضح لنا القابلية الإدمانية وشخصية ما قبل التعاطي، وذلك من المنظور الفلسفي "الفعل والقوة"؛ أي إنه يوجد نوعان من الإدمان بمعنى أدق:

  1. المدمن فعلًا: هو مدمن متحقق فعلًا.
  2. المدمن بالقوة: قابل للإدمان لكن لم يتفعل اتصاله بعد بالمادة الإدمانية.

وتُسمى هذه الشخصية في المفهوم النفسي بـ potentially addict؛ أي إنها شخصية لديها استعداد للإدمان، فهو جاهز لكنه يحتاج فقط للشرارة.

لينتقل بنا د. عماد إلى الخصوصية الإدمانية عندما تمتزج مع خواص المادة الإدمانية وخواص معينة للسلوك الإنساني، لتعطينا بنية المنظومة المعقدة والمركبة، وذلك عن طريق الإحاطة بنا لنغوص في دينامية الإدمان.

الإدمان

دينامية الإدمان

دينامية الإدمان تقوم على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى - قابلية الإدمان:

هي عند الإنسان عميقة للغاية ومتجذرة لأعمق نقطة في وجوده.

الإدمان يقوم على شرخ داخلي عميق جدًّا، ويختصرها د. عماد بتعريف مبسط: "قابلية إدمانية مبنية على شرخ عميق في النفس بسبب صدمة... كانت منها البداية"، سواء كانت الصدمة حقيقية أو متخيلة.

شخصية ما قبل التعاطي:

هذه الشخصية عانت الحرمان والنقص منذ نشأتها.

مثال: غياب الأم الذي يسبب صدمة للطفل فيعوض غيابها باللعب، ومن هنا يبقى فراغ بحاجة لملئه وبهذا نختزل بأن المدمن لا يستطيع تقبل مساحة هذا النقص والحرمان.

شخصية المدمن النشيط:

شخصية تعاني الفقد المستمر، وعدم توفر حاجاته طوال الوقت.

لا يمكنه الانصهار مع العنصر الخارجي، ولم يصل لحالة إشباع تام لاحتياجاته.

يبقى في بحث دائم عن طريقة لسد هذه الفجوة، فيغدو مدمنًا ربما على الكحوليات أو المخدرات أو الإباحيات، إلخ.

لقد سلَّط د. عماد الضوء على نقص الحاجة النفسية أو العاطفية (The Lack) بواسطة الأب ممثل القانون، الذي يمنع فيسبب حالة إحباط للطفل، فيشعر بالضيق والانزعاج، ولن يحصل على إشباع تام، فتخلق لديه الرغبة في اللعب أو التكلم لتوفير الإلهاء، وبذلك يصبح الفرد الناقص ديناميًّا.

بعد ذلك يوضح د. عماد مرحلة الإحباط عند الطفل التي تنقله إلى قدرة التصالح مع الإحباط بقدرته على تحمل الضغط النفسي (Stress tolerance). ومن هنا يتقبل النقص، فيبدأ في السعي لتكملة هذا النقص الذي لا يمكن أن يكتمل مدى الحياة.

الإحباط أدى إلى التقبل، وبعدها تأتي الاستجابة النفسية والعاطفية الحادة نتيجة لتجربة مرهقة أو مؤلمة (Traumatic)، فمن مروره بحرمان طبيعي يمر إلى الحرمان الصدمي، وبذلك تكون الصدمة هي التي تزيد حدة الوضع.

تعريف الإدمان كما ورد في بودكاست د. عماد رشاد:

"الإدمان هو مسرح تمثيلي يمثل فيه المدمن الصدمة الأولى التي لم يستطع التحدث عنها."

"المدمن يسرد سردية بلا جمهور سببها عدم التعبير عن ألمه وتأوهه في صدمته الأولى."

التعافي بالنسبة للمدمن ليس بالنصح والموعظة، وإنما بأن يروي القصة وتُسمع.

أسئلة تتعلق بالتربية

هل فعلًا التربية المثالية تنشئ فردًا غير ناقص؟

  • الفرد المثالي يبحث عن الكمال، وبذلك هو أيضًا فرد ناقص.

ما الفرق بين التربية غير السوية والتربية المثالية؟

  • التربية غير السوية: تتمثل في عدم تخصيص الوقت الكافي للفرد، مع الغياب والتعنيف، إلخ.
  • التربية المثالية: هي ادعاء بعدم وجود حرمان، تنشئ هذه التربية فردًا لا يتقبل النقص، وهذا مخالف لقانون الكون.

"لا توجد علاقة بالحياة لا تنطوي على قدر من الحرمان."

الإنسان والإدمان العاطفي

الإنسان في سعي متواصل للبحث عن بيئة يشعر فيها بالأمان والراحة (Safe Haven)؛ أي إن يوجد شخص يوفر له الأمان العاطفي ويمثل Secure Base ليشعر بأنه مستند.

عند المدمن، يكون الوضع مختلفًا؛ عندما يختل هذا الميزان، يبحث عن نموذج موضوعي وديمومة داخلية، ليعبر طريق التعلق غير الآمن (Insecure Attachment).

مثال: عند غياب الأم، تصبح الدمية رمزًا للحضن والدفء، فتكتسب دلالة عاطفية ورمزية.

أشكال التعلق غير الآمن

إذَا لا يوجد مدمن لديه تعلق أمن سيكتشف وهو خائف دائما يلتفت، أو سيحصل معه:

  • Dismissive: رابطة عاطفية يظهر فيها الفرد تفاعلات متجاهلة تجاه الاحتياجات العاطفية. يرفض الارتباط لتجنب الألم.
  • Avoidant: شخص يميل إلى تجنب القرب العاطفي، ويكف أحيانًا عن اتباع رغبته في الحياة، فيفقد الأمل.
  • Anxious: شخص ذو مشاعر غير آمنة ومستقرة داخل العلاقات. تراه تارة يقترب وتارة يبتعد، ويبقى الفراغ سيد الموقف، وبهذا يحتاج للملء.

تمعن عزيزي القارئ جيدًا في هذه العبارة: "وكأن الإدمان إرث العائلة لا ينبغي أن يضيع."

لنأتي بمثال: أب معروف بالتعددية في العلاقة الزوجية، ورغم وجود خلل، لكن الطفل يتوق لهيبة والده عندما يحضر، فيصبح الولد وارث الأب المهاب

أي يمر في مرحلتين:

المرحلة الأولى - الفضولليعرف ذلك الشعور.

المرحلة الثانية - عالم الكبارسيحصل على امتياز ليعرف ذلك الشعور.

أي كأنها عملية تفاعلية نفسية يقوم فيها الفرد بتقليد خصائص شخص آخر على نفسه (Identification)، كأن يخون وليس بالضرورة أن يتزوج كوالده.

مرورًا بإدمان الأكل وما يسببه من تعبير عميق في طريقة التفكير أو الشعور (Trans) عن طريق ذلك المذاق وتلك الرائحة، كمحاولة لاستحضار اللاواعي لهذه الحالة لتقول: "فليصمت هذا العالم، ويكفي ضجيجه. في هذه النشوة، أنا آمن." وهذا ليس إلا محاولة للهروب من الرفض والحرمان.

تعريف الإدمان على ثلاث مستويات

المستوى الوظيفي:

المدمن متعثر في حياته.

لا يعرف اتخاذ القرار في أشياء معينة.

لا يعرف كيفية التعامل مع مشاعره.

لديه إشكالية كبيرة في العلاقات.

المستوى الوصفي:

كيفية التعامل مع الإدمان... اللهفة، وأعراض الانسحاب.

المستوى التكويني:

الجزء الأعمق في الإنسان، بمعنى شخصية ما قبل التعاطي؛ أي القابلية الإدمانية بأصولها وجذورها.

كيف نبدأ مرحلة التعافي؟

أولًا: معرفة النقص الحاد الذي سبب الفراغ.

ثانيًا: الرغبة الملحة في إشباع هذا النقص.

ثالثًا: تحديد الموضوع المعبر الذي اخترناه لاستحضار الأمان، هل هي دمية أو وشاح أو قلم أو عطر؟

رابعًا: معرفة ما الذي يدفع الإنسان للاستكشاف.

كيفية علاج المدمن بواسطة المستويات الثلاثة:

المستوى الوظيفي:

  • بحاجة إلى تعلم مهارات جديدة، مثل كيفية التعامل مع المشاعر.

المستوى الوصفي:

  • بحاجة لفهم كيفية التعامل مع أعراض الانسحاب والبحث عن البهجة.

المستوى التكويني:

  • بحاجة إلى عادة جديدة.

سأختم هذه المقالة بالقول إن القطعة الناقصة هي حقيقة وجودية نعيشها جميعًا، هناك من يختار أن يكمل وهو ناجٍ، والآخر يختار طريق الإدمان لإشباع رغبة ناقصة، ليقتات بجرعة تتفاوت بين شخص وآخر.

الديمومة التي يبحث عنها الإنسان هي مجرد وهم، فهو أيضًا مخلوق غير خالد.

كل الشكر لفريق عمل مهجة، وأيضًا شكر خاص لد. عماد رشاد.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

عمل جميل نجوى المهندس
المزيد من العطاء
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لك بحجم السماء والكون عزيزتي 🌹🌹🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

الحديث عن موضوع الإدمان أمر مهم ... وشرح أبعاده على الفرد والمجتمع في غاية الضرورة
مشكورة على المعلومات المفيدة
ومبدعة صديقتي نجوى
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لمرورك الراقي يا صديقتي سعدت بك جدا 🌹❤️❤️❤️
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة