رحلة إلى حافة الحياة.. ما الذي ينتظرنا بعد الموت؟

لطالما كانت فكرة الموت لغزًا محيرًا، يقف الإنسان أمامه مشدوهًا، عاجزًا عن فهم ما ينتظره بعد أن يُغلق الباب الأخير الذي يزيد اللغز تعقيدًا أنه لم يعد أحد من الموت ليخبرنا بما يحدث هناك.

فما الذي يحدث عندما يتوقف القلب عن النبض؟ هل ننتقل إلى عالم آخر أم ينتهي كل شيء كما ينطفئ مصباح معطوب؟ أسئلة تفوق حدود التصور، لكنها لا تكفّ عن ملاحقة كل عقل مفكر وكل قلب نابض.

تجارب الاقتراب من الموت

سر البشرية الأعظم؛ تجارب الاقتراب من الموت، بين الحقيقة والأسطورة!

ماذا لو قلت لك إن أحدهم يدّعي أنه زار العالم الآخر، ثم عاد ليخبرنا بما شاهده هناك؟ نعم، هذا هو الموضوع الذي طالما أثار عقول العلماء وقلوب العامة، تجارب الاقتراب من الموت أو ما يُعرف بـ(NDEs /Near-Death Experiences).

ما إن تُذكر تجارب الاقتراب من الموت حتى تتزاحم الصور الغريبة، نفقٌ مظلم يضيئه نور في نهايته، إحساسٌ بالسكون والسلام، لقاء بأحباء رحلوا، أليست هذه المشاهد تبدو كأنها خرجت من فيلم خيال علمي؟

 لكنها ليست خيالًا، بل روايات حقيقية سردها أشخاص عادوا من الموت بأعجوبة.

لغز الموت الأعظم

البداية: ضوء في نهاية النفق

لنبدأ بأشهر قصة تقريبًا لكل من يروي تجربته مع الموت: «رأيت ضوءًا في نهاية نفق مظلم»، هذه العبارة ليست مجرد جملة عابرة، فأغلبهم يحكيها بعد تعرضه إلى حادث أو ما شابه ذلك، فبعد دخولهم في غيبوبة شعروا بأنفسهم يخرجون من جسدهم المادي، يطيرون، ثم يظهر نفق يدخلونه، ليروا داخله ضوءًا، يسيرون نحو هذا الضوء، لكن في آخر لحظة يفيقوا، أو يظهر أحدهم ليقول لهم: ارجعوا، ثم يفيقون.

كأن هذا النفق هو الفاصل بين الحياة والموت، من يجتازه ينتقل إلى العالم الآخر، ومن رآه وعاد، هو بالكاد اقترب من الموت، ولم يحن أوانه بعد.

لكن هل هو نور فعلًا أم مجرد هلوسة دماغية؟ البعض يرى أنها إشارة لحياة ما بعد الموت، فيما يعتقد آخرون أنها نتيجة طبيعية لفقدان الأوكسجين في الدماغ، ما يسبب تأثيرات بصرية مدهشة؛ لكن هل هي هلوسة جماعية؟ هل يعقل؟

في عام 1975 نشر الطبيب الأمريكي ريموند مودي كتابه الشهير (الحياة بعد الحياة) جمع فيه أكثر من مئة شهادة لأشخاص مرّوا بتجارب الاقتراب من الموت، وذكر عدد منهم رؤى عن أمكنة مشرقة، وشخصيات غامضة، وأصوات موسيقى ساحرة، يعلق مودي ساخرًا: «ربما نحتاج إلى فرقة موسيقية احتياطية، في حال كانت الموسيقى سببًا للعودة!».

قصص مشوقة لا تُنسى

دعني أروي لك قصة (جورجيا)، سيدة أمريكية تقول إنها حين كانت على وشك الموت، رأت نفسها تسبح فوق جسدها على طاولة العمليات، تصف الأمر قائلة: «كانت تجربة عجيبة، رأيت الأطباء وهم يتصرفون كأنني شريحة لحم على صينية! لحسن الحظ، عدت قبل أن يرموني في الفريزر!».

والغريب أن جورجيا استطاعت وصف أدق تفاصيل الغرفة حتى أحاديث الأطباء مع بعضهم بعضًا، على الرغم من أنها كانت ميتة سريريًا حينها، هذه القصة وغيرها تجعلنا نتساءل: هل يمكن للوعي أن ينفصل عن الجسد؟

تفسيرات علمية أم مجرد قصص خيالية؟

لنكن واضحين، العلم لا يحب الأمور الغامضة، علماء الأعصاب مثلًا يعتقدون أن تجارب الاقتراب من الموت ما هي إلا نتيجة مزيج من الكيمياء العصبية والظروف الفسيولوجية، فحين يتعرض الدماغ إلى الضغط أو نقص الأوكسجين، قد يبدأ بإنتاج مواد كيميائية تؤدي إلى تجارب حسية غريبة.

حينها يظهر الرأي الطبي: كل ما تراه أو تشعر به في تجربة الاقتراب من الموت هو نتيجة نشاط غير طبيعي في الدماغ، أشبه بما يحدث حين نمر بحلم قوي أو هلوسة، كأن الموت هو مجرد عرض مؤقت قبل أن يعود العقل للعمل مجددًا.

الاقتراب من الموت

هل تفسرُ هذه التجاربُ سر البشرية الأعظم؟

يأتي السؤال الكبير: هل هذه التجارب تدل على وجود حياة أخرى أم أنها مجرد هلوسات مؤقتة؟ الرأي العلمي يميل نحو التفسير الأخير، لكن قصص الناجين من الموت وتجاربهم تجعلنا نتساءل بصدق عن الأسرار التي قد تكون خلف الحياة.

يقول لنا العلم إن الموت مجرد توقف فيزيولوجي للأعضاء، لكن أليس في هذه الفكرة اختزالٌ مملٌ لما يمكن أن يكون (الحدث الأعظم) في حياة الإنسان؟ الفلاسفة والأنبياء والروائيون، كلهم حاولوا تفسير هذا السرّ، ووسط كل هذه النظريات تطفو قصص واقعية تُثير الدهشة؛ تجارب الاقتراب من الموت (NDEs).

شواهد تؤيد صدق تجارب الاقتراب من الموت

كان إيبن ألكساندر جراح الأعصاب المشكك في الحياة بعد الموت، يعيش حياته محاطًا بمختبرات العلم، لكن إصابته بالتهاب نادر في الدماغ أدخلته في غيبوبة عميقة، ليشهد خلالها تجربة غيّرت حياته، وصف لقاءه بكيانات غامضة وشعوره بالانتماء إلى كون أكبر، عاد إيبن ليكتب كتابه (Proof of Heaven) مؤكدًا وجود ما بعد الحياة.

الدكتور (سام بارنيا) الرائد في بحوث الإنعاش القلبي، قاد دراساتٍ ضخمة عن هذا الموضوع، إحدى أبرز دراساته المعروفة بدراسة (AWARE) حاولت فهم الظاهرة علميًا، وكانت النتائج أن تجارب الاقتراب من الموت ليست هلوسات، بل تبدو كأنها تجربة واعية منفصلة عن الجسد، لكن هل هذا دليل قاطع على الحياة بعد الموت؟ الإجابة تظل لغزًا.

السخرية السوداء: هل الموت هو أعظم خدعة؟

تخيل أن كل ما نعرفه عن الموت مجرد خدعة، وأننا نموت لنستيقظ في محطة انتظار كونية حيث يُعرض فيلم حياتنا، هذه الفكرة تبدو كأنها خرجت من سلسلة (بلاك ميرور)، لكنها تستحق التأمل، في النهاية أليس الموت هو أعظم لغز لم يُحل؟

على كلٍ يبقى الموت سرًا عصيًا على الفهم، لكنه ربما ليس النهاية، وقد تكون حياتنا كلها مجرد مقدمة لما هو أعظم، فهل تُغلق عينيك يومًا وأنت تُفكر: هل هذا هو كل شيء أم ستواجه الموت كأنك ذاهب إلى حفلة مفاجآت؟

سؤال العلم والفلسفة: لماذا نخاف الموت؟

هل نخاف من الموت لأنه النهاية أم لأننا لا نعرف ماذا ينتظرنا خلف الكواليس؟ الفيلسوف (مارتن هايدغر) يقول إن وعي الإنسان بالموت هو ما يمنحه معنًى لحياته، في حين سقراط كان يرى أن الموت مجرد انتقال، أما العلم فيقول لنا: كل ما نخافه هو المجهول.

حوار تخيلي مع الموت بلا رد

يا موت، أرجوك، تعالَ وأخبرني: هل أنت حقًا موجود، أم أنك مجرد وهم؟ هل بك ينتهي كل شيء؟ أفنى وأذهب للعدم؟ أنتهي للأبد أم أنك مجرد محطة انتقال إلى حياة أخرى مجهولة؟

لن تجيبني؟ حسنًا، أنا آتٍ إليك لا محالة يومًا، وسأفهم حينها كل شيء.

الخاتمة: لا تقترب من الموت لتعرف الإجابة

بين الحقيقة والأسطورة تظل تجارب الاقتراب من الموت غامضة ومثيرة ومرعبة في الوقت نفسه، قد تكون خيالًا، وقد تكون رؤية لما بعد الحياة، النصيحة هنا: لا تجرب الموت بنفسك لمعرفة الإجابة؛ لأنك قد لا تحصل على تذكرة عودة كما حدث مع (جورجيا) وغيرها.

في النهاية قد نظل نبحث عن إجابة سر البشرية الأعظم، لكن حتى ذلك الحين نُرحب بمزيد من القصص المشوقة لمن قرروا الاقتراب من الموت والعودة لينقلوا إلينا ما شاهدوه.

ملحوظة: هذا المقال يتناول فكرة الموت من منظور واقعي علمي فلسفي، بعيدًا عن أي معتقدات دينية. 

المصادر

.  مودي، ريموند، الحياة بعد الحياة، 1975.

. تجارب الاقتراب من الموت: نظرة علمية، مقالة نشرت في مجلة نيويورك تايمز، 2018.

. ظواهر الاقتراب من الموت: دراسة في علم الأعصاب، مجلة نيورولوجي توداي، 2020.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة