رحلة إلى الأعماق.. إذا اخترقنا الأرض ماذا سنجد على الجانب الآخر؟

من منا لم يراوده هذا السؤال من قبل؟ لا سيما في طفولتنا؛ ماذا لو صنعنا حفرة عميقة جدًّا استطعنا من طريقها اختراق جميع طبقات الأرض والخروج من الجانب المقابل؟ ماذا سنجد هناك؟ سؤال قد يبدو طفوليًّا نوعًا ما، لكن في مضمونه عمق فلسفي وعلمي كبير، ولربما لم يطرأ على ذهنك الإجابة التي ستخرج بها من هذا المقال. خذ مشروبك الجميل، وأعرني انتباهك؛ لأن الأمر يحتاج إلى تركيز.

ماذا يوجد تحت الأرض؟

من المحتمل أنك حاولت الوصول إلى إجابة هذا السؤال ولم تصل إلى شيء، أو توصلت إلى أنه ما دام فوق الأرض فضاء، فتحت الأرض فضاء أيضًا، ولو استطعنا اختراق الأرض والمرور منها إلى الجانب الآخر، سنسقط لا محالة في فضاء لا نهائي. دعني أخبرك أن هذا غير صحيح بالمرة، تابع معي حتى النهاية لكي تعرف الجواب الصحيح.

الأساطير والعلم

توجد نظريتان رئيستان عن الأرض نذكرهما في ما يلي:

نظرية قرون الثور

يبدو أن هذا السؤال قد راود الإنسان منذ القدم، فضول الإنسان القديم قاده إلى هذا التساؤل أيضًا، لكن أوصلهم ذلك إلى خرافات حاولوا بها تفسير الأمر، أشهرها أن الأرض محمولة على قرن ثور عظيم يسبح في محيط من المياه اللا نهائية، وفسروا الزلزال بأن الثور متعب أو تململ، فينقل حمله من قرن لآخر.

من الأساطير أن الأرض محمولة على قرن ثور عظيم يسبح  في محيط من المياه اللا نهائية

فكرة بالطبع أبعد ما تكون عن العلم والمنطق، لكنها تكشف ولع الإنسان الدائم بالبحث عن المجهول، حتى لو اضطر إلى التأليف لإشباع فضوله عندما لا تتوفر له المعلومات الكافية.

نظرية الأرض الهائلة

تقول هذه النظرية إن الأرض عظيمة الكبر، ممتدة إلى ما لا نهاية، ولو حاولنا اختراقها لن نستطيع، وسنظل نحفر إلى يوم الميعاد.

لكن ماذا عن العلم؟

أخبرني، لقد أثرت فضولي! ماذا قال في إجابة هذا السؤال؟ أتعبتني!

حسنًا، سوف أجيبك حالًا، تمهل.

الرحلة المرعبة عبر 4 طبقات.. ماذا قال العلم؟

تريد معرفة ماذا يوجد تحت الأرض على الجانب الآخر؟ تعال معي في هذه الرحلة الممتعة بين الصخور والمعادن كي تعرف الإجابة.

رحلة إلى باطن الأرض

سنغوص معًا إلى أعماق الأرض للبحث في طبقات الأرض ونرى ماذا هناك.

الطبقة الأولى: القشرة

بدأنا فعلًا بحفر تلك الحفرة المجنونة. في بداية الحفر، الأمر مألوف، لا نزال في القشرة الخارجية الصلبة التي نعيش عليها التي يتراوح سمكها بين 5 - 70 كم. لا يوجد جديد، نغوص أكثر.

تتكون قشرة الأرض من الصخور الجرانيتية والبازلتية والمعادن مثل: السيليكون والألمنيوم والحديد

هذه القشرة مملوءة بالصخور الجرانيتية والبازلتية، والمعادن مثلالسيليكون، والألمنيوم، والحديد، والمغنيسيوم، وتتراوح درجة الحرارة فيها بين 0 - 1000°C.

الطبقة الثانية: الوشاح

نغوص أكثر.. الآن انتهينا من القشرة ودخلنا في الطبقة الثانية، وتسمى الوشاح. وهي الطبقة الفاصلة بين القشرة الخارجية واللب الداخلي (مركز الأرض)، وتتكون من معادن غنية بالمغنيسيوم والسيليكات، وهي مسؤولة عن حركات الحمل الحراري التي تؤدي إلى تحركات القارات والبراكين. الجزء العلوي منها منصهر تقريبًا، والجزء السفلي صلب بفعل الضغط.

هل تعلم كم هي درجة الحرارة هناك؟ وكم يبلغ سمك تلك الطبقة؟

الحرارةمن 1000 - 3700°C.

السمك: نحو 2900 كم.

تريد أن نغوص أكثر؟ لا عليك، تعال معي!

الطبقة الثالثة: اللب الخارجي

والآن وصلنا إلى الطبقة الثالثةاللب الخارجي، وهي طبقة سائلة تحيط باللب الداخلي، ويبلغ سمكها نحو 2200 كم.

وماذا عن الحرارة؟ تتراوح بين 3700 - 4500°C.

تتكون أساسًا من الحديد والنيكل المنصهرين، وهي مسؤولة عن المجال المغناطيسي للأرض بسبب التيارات الكهربائية المتولدة من حركتها.

رحلتنا إلى باطن الأرض تشبه الغوص في أعماق المحيط، كلما تعمقنا؛ زادت المفاجآت! التي لم تنتهِ بعد، فلنكمل الإبحار في باطن الأرض أكثر.

الطبقة الرابعة: اللب الداخلي

وهذه هي الطبقة الأخيرةالنواة الصلبة في مركز الأرض.

تصل حرارة النواة الصلبة في مركز الأرض إلى 6000 درجة مئوية وهي تقارب حرارة سطح الشمس

السمك: نحو 1200 كم.

الحرارةقد تصل إلى 6000°C، وهي تقارب حرارة سطح الشمس! تخيل!

لكنها صلبة على الرغْم الحرارة العالية، بسبب الضغط الهائل. تتكون من الحديد والنيكل، مع بعض العناصر الثقيلة مثل الذهب والبلاتين.

ماذا بعد اللب الداخلي (النواة)؟

لكن دعنا نتخيل أننا، بمعجزة ما، استطعنا تجاوز ذلك كله، واستطعنا اختراق اللب الداخلي... فماذا بعده يا عزيزي؟

لو استطعت تجاوز النواة (بمعجزة!)… ستجد نفسك تحفر للأعلى!

لماذا؟

لأن الجاذبية تنقلب رأسًا على عقب بعد مركز الأرض! كأنك تسقط من سقف كهف… ثم تبدأ بالتسلق نحو السطح المقابل!

الجانب الآخر

النظرية تقول: إنك إذا حفرت نفقًا يخترق الأرض، فستخرج في الجانب المقابل تمامًا، لأن الأرض كروية. يعني أنك لو اخترقت الأرض، فستخرج من الناحية الأخرى، تمامًا كما لو ثقبت كرة من جانب بإبرة طويلة، فستخرج من الجانب المقابل بمنتهى البساطة.

تقول إحدى النظريات إذا حفرت نفقًا يخترق الأرض فستخرج في الجانب المقابل تمامًا لأن الأرض كروية

هذا يعني أنك لن تسقط في الفضاء كما تخيلت، بل ستجد نفسك على سطح الأرض مرة ثانية، ولكن في مكان آخر من العالم، فلو صنعت حفرة في مصر، وكان المقابل لمكان تلك الحفرة على الجانب الآخر من الأرض هو أمريكا، فسوف تجد نفسك في أمريكا!

الأمر غريب، أعلم، لكن تلك هي الحقيقة. فكر في الأمر قليلًا وستستوعب ما قلته.

الخلاصة

بعد اختراق النواة، سنعيد الكرَّة مرة أخرى، ولكن بالعكس! فبعد اختراق اللب الداخلي، سننتقل إلى اللب الخارجي، وبعده الوشاح، ثم القشرة، وأخيرًا سنخرج إلى سطح الأرض، ولكن من الجانب المقابل (الجهة الأخرى).

هل يمكننا فعل ذلك؟

الأمر - بالإمكانات العلمية المتاحةمستحيل التحقيق لأسباب كثيرة، أهمها:

6 أسباب تجعل هذه الفكرة "مستحيلة" (حاليًا!):

  1. درجات الحرارة الهائلة التي يمكنها صهر أي معدن في ثوانٍ.
  2. الضغط الهائل الكفيل بتحطيم أي شيء، فقد يعادل 3.6 مليون ضعف الضغط تحت سطح البحر!
  3. صلابة اللب التي تجعل من المستحيل اختراقه بالإمكانات المتاحة.
  4. الجاذبية؛ فعند اللب يتركز المجال المغناطيسي كله، فبعد اختراقه -إذا حدث- ستبدأ بالحفر بعكس الجاذبية، وكأنك تحفر للأعلى، بعكس ما كان قبل اختراق اللب الداخلي.
  5. المسافة الكبيرة التي نحتاج لحفرها؛ فسمك تلك الطبقات مجتمعة للوصول للجانب الآخر يقارب 12,700 كم، تخيل كم المجهود والوقت الذي نحتاجه للانتهاء من هذا، فضلًا على التكلفة المادية الباهظة للمشروعلو كلف الحفر 1 دولار لكل متر… فستحتاج 12.7 مليار دولار!
  6. اختلال دوران الأرض؛ العلماء يحذرون من أنه إذا تم فعل هذا، فقد يتسبب ذلك في كوارث لا يحمد عقباها، مثلاختلال في محور الأرض ودورانها حول نفسها، وقد يتأثر المجال المغناطيسي أيضًا؛ لذلك لا أنصحك بفعل ذلك، فقد تدمر الكوكب وأنت لا تدري، أيها المتحمس!

هل حاول البشر فعل ذلك؟

قد تتساءلهل حاول البشر يومًا حفر حفرة تصل إلى أعماق الأرض؟ الإجابةنعم، لكن النتيجة لم تكن كما توقع البعض!

في سباق البحث العلمي، قرر السوفييت في ستينيات القرن الماضي تنفيذ مشروع طموح لحفر أعمق حفرة في العالم، وأطلقوا عليها اسم بئر كولا العميقة، وهي تقع في روسيا.

الهدف؟ استكشاف أعماق القشرة الأرضية وفهم تركيبها، وربما -ببعض الأمل- الاقتراب قليلًا من معرفة أسرار باطن الأرض.

بدأ السوفييت حفر القشرة الأرضية عام 1970 حتى وصلوا إلى عمق 12,262 مترًا ثم توقفوا بسبب الحرارة

لكن، ماذا حدث؟

بدأت عمليات الحفر عام 1970، واستمرت سنوات، حتى وصلت الحفرة إلى عمق 12,262 مترًا (نحو 12 كيلومترًا). كان هذا رقمًا قياسيًا، لكنه لم يكن قريبًا حتى من اختراق الأرضوالسبب؟

الحرارة!

عند هذا العمق، بلغت الحرارة 180 درجة مئوية، وهو أكثر بكثير مما توقعه العلماءالمعدات لم تحتمل، واضطر الفريق إلى إيقاف المشروع في عام 1994.

تخيل أن هذا كله كان مجرد خدش بسيط لسطح الأرض مقارنة بعمقها الحقيقي الذي يتجاوز 6,300 كيلومتر حتى مركزها!

ما الذي اكتشفه العلماء خلال الحفر؟

وجدوا كائنات مجهرية متحجرة في الصخور العميقة، عمرها أكثر من ملياري سنة!

اكتشفوا أن القشرة الأرضية لم تكن كما توقعوا، فبعض الطبقات لم تتطابق مع النماذج الجيولوجية المرسومة مسبقًا.

والأهم... سمعوا أصواتًا غريبة تخرج من الأعماق، ما أثار موجة من نظريات المؤامرة حول "أصوات الجحيم"! (لكن العلماء فسروها بأنها أصوات الصخور المتصدعة تحت الضغط الهائل).

وجد العلماء  خلال الحفر كائنات مجهرية متحجرة في الصخور العميقة عمرها أكثر من ملياري سنة

إذن، هل نجحنا في حفر نفق يخترق الأرض؟

بالطبع لا! أعمق حفرة صنعها البشر لم تتجاوز 0.2% فقط من نصف قطر الكرة الأرضية. لكن هذا لا يعني أن الفكرة مستحيلة، فربما في المستقبل، مع تقنيات متطورة، يصبح بالإمكان الغوص أعمق، وربما -مجرد ربما- نجد شيئًا لا يخطر على بال!

لكن إذا فعلناها... تخيل معي:

إذا تجاوزنا كل تلك الصعوبات، وفعلنا هذه الفكرة الجنونية، وتلافينا المخاطر المحتملة؛ تخيل معي، أصبح لدينا نفق يخترق الأرض، ندخل من جانب لنخرج في مكان آخر. فكرة مدهشة، أليس كذلك؟

قد تتغير مع هذا مفاهيم السفر للأبد؛ بدلًا من السفر بالطائرات في السماء، نغوص بمصاعد عملاقة إلى جوف الأرض.

قد تصنع نفقًا من داخل منزلك في قرية صغيرة بريف مصر، لتخرج منه إلى بيت صديق لك في ألاسكا، أو تنعطف قليلًا لتخرج في تركيا.

تخيل معيمصاعد فائقة السرعة تنقلك من القاهرة إلى الأرجنتين في 40 دقيقة!

تخيل إن صنعنا هذا النفق، سيصبح كوكبنا جديرًا حقًّا بلقب: "الكوكب المثقوب"!

معلومة من أجلك

لو حفرت من القاهرة… ستخرج في نيوزيلندا! (هل تعرف لماذا؟ لأنها النقطة المقابلة جغرافيًّا تمامًا للقاهرة!)

والآن دورك

ابحث عن النقطة المقابلة لمدينتك على الخريطة؛ لكي تعرف إذا حفرت هذا النفق، في أي مكان ستخرج؟ فقد تكون تعيس الحظ، والجهة المقابلة لك هي القطب الجنوبي!

ماذا يحمل لنا المستقبل؟

أسمعك تقولهل جنَّ هذا؟ هل هذا من الممكن مناقشته أصلًا؟

في الوقت الحالي، لا يُعد تطبيق ذلك سوى محض خيال، لكن كم من خيال في الماضي أصبح جزءًا من واقعنا الآن؟ ففي رأيك، هل يمكن تطبيق هذه الفكرة في المستقبل؟

ماذا لو وجدنا طريقة للحفر دون تأثير الجاذبية والحرارة فهل يعني ذلك وسيلة جديدة للسفر بين الدول؟

"فإذا كنا اليوم نعد هذا الأمر مستحيلًا، فهل يبقى كذلك في المستقبل؟ ماذا لو وجدنا طريقة للحفر دون أن تؤثر علينا الجاذبية والحرارة؟ هل يمكن أن يصبح هذا يومًا ما وسيلة جديدة للسفر بين الدول؟".

المصادر

بنية الأرض: مقالة على ويكيبيديا توضح التركيب الداخلي للأرض، بما في ذلك القشرة، الوشاح، واللب بنوعيه الخارجي والداخلي.

ماذا يكمن في أعماق مركز الكرة الأرضية؟: تقرير من BBC News عربي يناقش مكونات اللب الداخلي للأرض وخصائصه.

كوكب داخل الكوكب... ماذا يوجد في اللب الداخلي للأرض؟: مقال من إندبندنت عربية يستعرض اكتشافات حديثة حول بنية اللب الداخلي للأرض.

ماذا يوجد في أعماق الأرض؟: تقرير من RT Arabic يتناول مكونات باطن الأرض وطبقاته المختلفة.

ماذا يوجد في باطن الأرض؟! | وكشف أسرار لم تكن تعرفها: فيديو على يوتيوب يشرح تركيب باطن الأرض وطبقاته.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة