رحلة إلى أعماق الروح.. ماذا لو كنت مجرد وهم؟

عزيزي القارئ، لا يوجد وقت، تجهَّز.. سنخوض الآن رحلة إلى حيث لا تصل المجاهر، ولا تلمسها المشارط، ولا تفسِّرها أعقد المعادلات الفيزيائية. سنبحث عن "الروح". نعم، هذه الكتلة العجيبة غير المرئية التي تعطيك إحساسك بالحياة، وتجعلك أنتَ أنتَ، ولكن أين هي؟ وما حقيقتها؟ ولماذا لا نجدها حين نموت؟ هل هي محلُّ الوعي والإدراك؟ أم أن العقل هو المسؤول؟ السؤال الأهم: هل الروح موجودة أصلًا؟

المشرط الذي لم يعثر على شيء!

في يوم من الأيام، قرر جرَّاح عبقري أن يفتِّش عن الروح في جسد الإنسان. أمسك بالمشرط، فتح الجمجمة، استخرج الدماغ، قلَّبه بين يديه... فلم يجد شيئًا! قال في نفسه: "قد تسكن في القلب". شقَّ الصدر، رفع العضلة النابضة، فتَّش داخلها... فلم يجد شيئًا! أصابه الإحباط، فانتقل إلى الرئتين، ثم إلى الكبد، ثم إلى أصغر شريان وأدق خلية، لكنه لم يعثر على أي كيان يمكن أن يسميه "روحًا".

أوقف المشرط، نزع القفازات، ونظر إلى الجثة أمامه. كان الشخص حيًّا منذ دقائق، يتحدث، ويضحك، ويخاف، ويحلم... والآن؟ جسده هو ذاته، لم يُنقص منه شيء، فلماذا توقف عن كونه كيانًا واعيًا؟ أين ذهب الشيء الذي كان يمنحهُ الحياة؟

حينئذ أدرك الجراح الحقيقة الصادمة: الروح ليست عضوًا يمكن الإمساك به، بل هي شيء آخر، شيء لا يمكن قياسه بالأدوات المادية التي نعرفها.

قرر جرَّاح عبقري أن يفتِّش عن الروح في جسد الإنسان لكنه أدرك أن الروح ليست عضوًا يمكن الإمساك به

تخيَّل معي هذا المشهد...

شاب جالس في غرفته، عيونه على شاشة الهاتف، يقرأ عن نظرية غريبة: هل الروح شيء مادي أم طاقة؟

يتوقف لحظة، يحدِّق في يديه، يحرِّك أصابعه، "أنا موجود"، يهمس لنفسه. لكن لماذا يشعر أحيانًا أنه ليس موجودًا؟ لماذا عندما يغيب عن الوعي يشعر كأنه انقطع عن العالم تمامًا؟

ينتقل إلى فيديو لعالم أعصاب شهير، يقول فيه: "كل ما نشعر به هو نتيجة نشاط الدماغ، لكن هل هناك شيء خارج الدماغ؟"

الشاب يغمض عينيه، ويتذكر قصصًا عن أناس خرجوا من أجسادهم خلال الموت السريري، شاهدوا غرف العمليات من الأعلى، سمعوا الأطباء وهم يحاولون إنقاذهم، ثم عادوا إلى أجسادهم عندما عاد قلوبهم للنبض.

إذا كان الدماغ متوقفًا في أثناء التجربة، فمن أين جاءت هذه الإدراكات؟!

العلم يطرق الباب.. ويتوقف عند العتبة!

لنكن واضحين: العلم لم يحدد بعد ما إذا كانت الروح موجودة أم لا، لكن توجد تجارب غريبة جدًّا.

تجربة "21 جرامًا"

الطبيب دنكان ماكدوجال في أوائل القرن العشرين وضع مرضى في المراحل الأخيرة من حياتهم على ميزان دقيق، وعندما ماتوا، لاحظ أن وزنهم انخفض بمقدار 21 جرامًا فور الوفاة! هل هذا وزن الروح؟ أم مجرد تلاعب بالأرقام؟

الوعي خارج الجسد

مئات القصص عن أشخاص مروا بتجارب الاقتراب من الموت (NDE)، رأوا أشياء لم يكن من الممكن لهم رؤيتها بأعينهم المغلقة، مثل أدوات الجراحة التي لم يسبق لهم رؤيتها، أو محادثات جرت في غرف مجاورة أثناء وفاتهم المؤقتة، لكن كيف؟

الذاكرة في القلب؟!

حالات غريبة لمرضى زراعة الأعضاء، إذ يكتسب بعضهم ميولًا وعادات جديدة غريبة، تتطابق مع شخصيات المتبرعين الذين لم يلتقوا بهم قط! كأن جزءًا من "الروح" انتقل مع العضو المزروع!

لكن.. أين تسكن الروح؟

يرى بعض العلماء أن الروح طاقة كونية لا نملك التقنية لقياسها بعد

إذا لم تكن الروح في الدماغ، ولا في القلب، فأين هي؟

  • الفلاسفة قالوا إنها في "عالم آخر" متصل بجسدك.
  • بعض العلماء يقترحون أنها طاقة كونية لا نملك التقنية لقياسها بعد.
  • الأديان تؤمن بأنها شيء منفصل تمامًا عن الجسد، تغادره عند الموت وتنتقل إلى عالم آخر.

هل لاحظت أنك لا تشعر بأعضائك الداخلية إلا عند المرض؟ كأن وعيك ليس داخل جسدك بالكامل، بل يتركَّز في مكان ما.. لكن أين؟

الموت.. اللغز الأكبر الذي لا إجابة له!

هل فكرت يومًا كيف نموت؟ أعني.. ليس فقط توقف القلب أو الدماغ، بل تلك اللحظة الغامضة التي يتحول فيها الجسد من كيان ينبض بالحياة إلى مادة هامدة بلا حراك؟ ما الذي يخرج منا؟ وأين يذهب؟

تخيَّل أنك تمسك بمصباح كهربائي، يضيء بقوة. ثم فجأة.. ينطفئ. المصباح نفسه لم يتغير، الأسلاك كما هي، ولكن الطاقة التي جعلته مضيئًا اختفت!

هل الموت مجرد انقطاع التيار عن "آلة" الجسد؟ أم أن وراءه سرًّا أعمق؟

هل نموت دفعة واحدة؟ أم على مراحل؟

العلم يخبرنا أن الجسد لا يموت في لحظة واحدة، بل في سلسلة من التوقفات التدريجية. القلب قد يتوقف، لكن بعض خلايا الدماغ تظل نشطة دقائق، وأحيانًا ساعات! بل توجد حالات لأشخاص أعلن الأطباء وفاتهم، فعادوا إلى الحياة فجأة، كأن شيئًا لم يكن.

في عام 2017، نشر علماء من جامعة ويسترن أونتاريو دراسة مذهلة: بعد توقف القلب والدماغ تمامًا، استمرت بعض الخلايا العصبية في إرسال إشارات لأكثر من عشر دقائق! كَأنَّ الوعي يقاتل للبقاء! هل يمكن أن يكون الموت أبطأ مما نتصور؟

الشرارة الغامضة التي تجعلنا أحياء!

يوجد شيء فينا.. شيء غير ملموس، لكنه يجعلنا نتحرك، نفكر، نشعر. شيء إذا اختفى، صار الجسد جثة بلا معنى. الأديان تسميه "الروح"، العلماء يسمونه "الوعي"، الفلاسفة يرونه "جوهر الإنسان"... لكن ما هو حقًّا؟

الأديان تسميه

إلى أين تذهب الحياة عندما تموت؟

المصباح الكهربائي عندما ينطفئ، نعلم أن الكهرباء لم تختفِ، بل تحولت إلى شكل آخر. فهل يحدث الشيء نفسه مع "طاقة الحياة"؟

نظريات كثيرة ظهرت، بعضها يرى أن الوعي يستمر في بُعدٍ آخر، وبعضها يعتقد أن الدماغ ينتج الوعي مثلما تُنتج الكبد العصارة الصفراوية، وعند موته.. ينتهي كل شيء!

لكن.. ماذا لو كان وعينا موجودًا في مكان آخر، والجسد ليس إلا "جهاز استقبال"؟

هل يمكننا خداع الموت؟

الخيال العلمي يتحدث عن تحميل الوعي على أجهزة كمبيوتر، أو تجميد الأجساد حتى يجد الطب علاجًا للموت، لكن هل يبقى الإنسان ذاته؟ أم سيكون مجرد نسخة ميتة من وعيه السابق؟

على كلٍ، يبقى الموت أعظم أسرار الحياة. نراه كل يوم، لكنه لا يزال عصيًا على الفهم. ربما هو النهاية، وربما بداية جديدة.. لكن حتى نصل إلى هناك، سيظل هذا السؤال بلا إجابة:

ماذا يحدث عندما نموت؟

لقد تطرَّقت للأديان والعلم والفلسفة، لكن ماذا عن معتقدات الشعوب القديمة؟

  • قدماء المصريين آمنوا بأن الروح تتكوَّن من أجزاء متعددة مثل "الكا" و"البا"، وأنها تعود للحياة في العالم الآخر.
  • البوذيون يرون أن الوعي ينتقل عبر دورات التناسخ، تموت فتنتقل روحك إلى جسد آخر وهكذا. نظرية مثيرة للاهتمام، ربما نتناولها في مقال منفصل.
  • بعض القبائل الإفريقية تؤمن بأن الروح يمكنها مغادرة الجسد مؤقتًا في أثناء النوم أو الشعائر الروحية.
  • يتبنى بعض علماء المسلمين نظرية تقول إنَّ الروح عند النوم تخرج خروجًا مؤقتًا وتعود، وعند الموت تخرج بلا عودة.

المصريون القدماء آمنوا بأن الروح تتكوَّن من أجزاء متعددة تعود للحياة في العالم الآخر

صدمة أخيرة.. ربما أنت لست داخل جسدك أصلًا!

تجربة غريبة نفذها علماء النفس: شخص يجلس أمام مرآة، في حين يُلمس أنفه بريشة، وفي الوقت نفسه تُلمس يد اصطناعية أمامه بالطريقة نفسها. بعد مدة، يبدأ الشخص بالشعور أن اليد الاصطناعية هي جزء منه!

إذا كان دماغك يستطيع خداعك بشأن موقع جسدك، فمن يضمن أنك أصلًا "داخل" جسدك؟ ربما وعيك موجود في مكان آخر تمامًا، لكنك فقط "تعتقد" أنك داخل هذا الجسد!

هل أنت هو أنت؟

"تخيل للحظة أنك تستيقظ غدًا... لكنك لست أنت. لديك ذكريات مختلفة، واسم مختلف، وجسد آخر، ووعي جديد؛ هل تُدرك هذا التحول؟ أم أن هويتك مجرد وهم صنعه دماغك، تذهب مع ذهاب الوعي؟

ولماذا لا يكون قد حدث ذلك معك فعلًا، وأُلغي وعيك القديم، وأُضيف إليك وعيٌ جديد، وأنت لا تدري؟

بلا شك لن تستطيع الملاحظة لأن الوعي بُدل بالكامل، فالشخص القديم قد حذف من ذاكرتك، بل ذاكرتك نفسها قد اُستبدلت!"

الخاتمة؟ لا توجد خاتمة!

لم نحل اللغز، فالروح، هذا الشيء الغامض، لا تزال أعظمَ لغزٍ يحيِّر العلم والدين والفلسفة. هل هي مجردُ نشاطٍ دماغيٍّ؟ أم كيانٌ مستقلٌّ لا نراه؟ أين تسكن؟ في القلب؟ في الدماغ؟ أم في بُعد آخر لا ندركه؟

ربما لن نعرف حقيقة الروح حتى ننتقل إلى الضفة الأخرى ونصبح نحن أنفسنا جزءًا من اللغز

"ربما نحن أصلًا في حلم طويل، وعندما نموت.. نستيقظ".

لكن هل نعرف يومًا الإجابة؟ ربما.. وربما لن نعرف حتى تحين لحظة الحقيقة الأخيرة، عندما ننتقل إلى الضفة الأخرى، ونصبح نحن أنفسنا جزءًا من اللغز!

والآن...

"أغمض عينيك... انسَ اسمك، انسَ من أنت...

هل ما زلت تشعر أنك موجود؟ أم أن وعيك يتلاشى مع اختفاء ذاكرتك؟"

مصادر ومراجع

Duncan MacDougall’s 21 Grams Experiment – Journal of the American Society for Psychical Research.

Near-Death Experiences and Consciousness Studies – Dr. Pim van Lommel, The Lancet.

Neurological Basis of Out-of-Body Experiences – Nature Neuroscience.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال روعة احسنت النشر
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة