رحالة وتاجر وإمام.. إليك سيرة "حسن الوزان"

هل تعرف شخصًا عبر التاريخ كان رحالة وجغرافيًّا وسفيرًا وعالمًا وسياسيًّا وإمامًا وتاجرًا؟هل تعرف شخصًا في التاريخ، شهد سقوط غرناطة 1492، والاجتياح العثماني  لمصر 1517، وتخريب روما والفاتيكان 1527؟هل سمعت بشخص عرف غرناطة، وفاس، وتمبكتو، ومصر ونجد والحجاز، وروما وفلورنسا، والجزائر وتونس والقسطنطينية؟ وما بين هذه البلدان من مسافات وترحال وتجارب ومغامرات.

إن كنت لم تعرف ولم تسمع فهاك بعض تفاصيل الحكاية.

إنه الحسن الوزان، أو يوحنا، أو ليون الإفريقي، أو الغرناطي، أو ابن الرومية. هو كل هذا معًا.

ولادته ونشأته في غرناطة

وُلد الحسن الوزان في غرناطة في آخر سنوات سيطرة المسلمين عليها، وهناك تبدأ سيرة الرجل. ثم وبعد انهيار الأندلس، تنطلق رحلة الأربعين عامًا من الترحال عبر كل القارات المعروفة آنذاك، فيجرب المغامرات ويقترب من الموت ويعيش السفر والسجن والحب والحرب والسياسة.

تقوده حياته ليقترب من ملوك غرناطة وفاس، ويصبح سفير أحد الملوك هناك ليتَّجه جنوبًا نحو تومبكتو عاصمة الصحراء (شمال مالي اليوم) وهو لم يبلغ بعدُ العشرين من العمر.

ثم بعد عودته تجبره الظروف على الخروج من فاس، فيتجه الوزان نحو مصر، فيدخلها زمن الطاعون، فيصفها لنا ويعرفنا بواقع أهلها وملوكها، وكيف كان الحال هناك.

ثم يصبح للحسن الوزان شأن مع الأمراء المملوكيين فيتزوج أميرة منهم، وتتواصل الرحلة بين مصر وتونس والجزائر وفاس حتى يجد نفسه في مهمة سفيرًا من عروج بربروس إلى السلطان العثماني بالقسطنطينية. فيشهد الرجل الدخول العثماني لمصر وسقوط دولة المماليك، في زمن السلطان سليم الأول، حدث سيغير صورة المنطقة للأبد، وصف الوزان الحدث بتفاصيله وأبطاله.

وتتشابك أحداث حياته أكثر، فحين كان يمني نفسه بالاستقرار في تونس يجد نفسه في روما ومقربًا من البابا نفسه، يُعلِّم ويُترجم، يُدرِّس وتُؤخذ مشورته، هناك في ذلك الزمن في الفاتيكان، حيث كان اللوثريون يهددون عرش الباباوية، وحيث ستتغير أوروبا إلى الأبد، عاش فيها عشرين عامًا.

فهل يملك المرؤ زمام مصيره؟ هل هو الحظ أم المصير؟

لقد عرف الحسن المورسكيين، والفاسيين، والشركس والعثمانيين والباباوات. وقابل وعاشر الملوك والتجار والقراصنة والثوار والخلفاء والكرادلة وثلاثة باباوات، عرفهم فوصفهم، وعاشرهم، فحدثنا عنهم وأعلمنا بما كان من أمرهم.

هو الذي أحب الجارية السوداء، والأميرة الشركسية، وابنة الخال والجارية العربية.

تجربة مثيرة للاهتمام

تجربة وحياة "الحسن بن محمد الوزان" يجب أن يطلع عليها كل من مسَّه الغرام بالتاريخ والجغرافيا وسير الرحالة والمهاجرين الباحثين عن درب وعن مرسى. وتكلم العربية والعبرية والقشتالية والايطالية والتركية والأمازيغية.

تجربة كان لزامًا أن تُكتب، فكتبها كثيرون، لكن الأديب اللبناني أمين معلوف أبدع في صياغتها عبر كتاب يحمل اسم بطلها. وهو كتاب شهير وفيه كثير من تفاصيل تلك المرحلة من تاريخ البشرية.

كتاب وصف أفريقيا

فالحسن الوزان الذي سيصبح مستشار البابا ليون العاشر وسفيره في يوم من الأيام، وسيصبح اسمه ليون الإفريقي هو مثال للرجل الغريب عن كل وطن، الرجل الذي يظل يبحث عن نفسه حتى لا يعود يعرفها من تكون. وربما هي لعنة من ضاع منه وطنه في طفولته، ظلت ترافقه حتى صار شيخًا، فلم يعرف وطنًا.

للحسن الوزان عديد المؤلفات، لكن أشهرها هو كتاب "وصف إفريقيا" وهو كتاب ظل مرجعًا عند الأوروبيين طوال العصر الحديث، وفيه وصف الكاتب إفريقيا مفصلًا مناخها وجغرافيتها وطباع أهلها حسب المناطق، انطلاقًا من معرفة الرجل بتلك التفاصيل بسبب حله وترحاله، ويمكن تحميل الكتاب من هنا.

يقول عن نفسه: «لقد عرفت معصماي على التوالي دغدغات الحرير وإهانات الحرير، ذهب الأمراء وأغلال العبيد، وأزاحت أصابعي آلاف الحجب، ولونت شفتاي بحمرة الخجل آلاف العذارى، وشاهدت عيناي احتضار مدن وفناء إمبراطوريات».

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة