رجال من وراء التاريخ

أحيانا ينسى التّاريخ رجالًا، أحيانًا لم يكن التّاريخ عادلًا، فلن نعرف أو نسمع عن أشخاص فعلوا فقط إنجازات أو أثّروا فينا تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر، وإنّما نحن نستفيد بما عملوا، نحن وأبناؤنا وأحفادنا وأحيانًا آباؤنا.

عبد الرّحيم باشا الدمرداش رجل عصاميّ استطاع أن يكوّن ثروته بنفسه دون الاعتماد على أحد.

وكان مثل غيره من المصريين في فترة الثلاثينات والأربعينات مهموم بأمر بلاده والحركة الوطنية ومجلس الشورى والنّواب.

كانت الريدانية منطقة نائية بعيدة عن السكان وعن الزّحام لذلك جاءت الفكرة، فكرة مستشفى خيريّ، مجانًا للنّاس الفقراء البسطاء ويتمّ فيها جزء ماديّ ليصرف على الجزء المجانيّ. 

ورحّبت بالفكرة قوت القلوب ابنة عبد الرّحيم باشا التي كانت مفتونة بالأدب الفرنسيّ وتكتب فيه مقالات عديدة.

كانت ثروة عبد الرّحيم باشا نصف مليون جنيه وتمّ تكلفة المستشفى 100 ألف جنيه فقط.

والجديد الذي تمّ التّفكير به من جانب الابنة قوت القلوب هو عمل مدرسة للطّبّ يتعلّم الطّبيب لمعالجة البسطاء لتصبح ثالث كلية طبّ في مصر بعد طبّ القاهرة وطبّ الإسكندرية.

وتستغلّ الابنة كتابتها ومقالاتها للنشر عن المشفى الجديد في صحيفة التيم البريطانية وجريدة الأهرام المصرية.

ثمّ يطلب عبد الرّحيم باشا عمل ضريح له في المشفى وتمثالًا لكي يعرف فقط النّاس أنه يوجد رجلًا لديه نقود أعطى لمن لا لديه نقود.

إلى الآن، توجد مستشفى الدمرداش في منطقة العباسية أو الريدانية سابقًا، مكان يكتظّ بالنّاس والزّحام وتعرف المنطقة التي بها المستشفى باسم الدمرداش وليس فحسب بالمشفى نفسه يكتظّ بالزّحام وأشخاص من كلّ مكان للعالج مجانًا بما يحتوي المكان على إمكانيات متوسطة وأطبّاء على قدر عالٍ من العلم.

وما زالت الجامعة تخرّج كل عام أطبّاء وأستاذة في الطّبّ على جودة عالية من التّعليم برغم كل السّلبيات الأخرى المتواجدة في المكان.

وعندما يلتحق ابن أو ابنة من الطّبقات المصرية المختلفة بالكلية يفتخر الأهل أنه تمّ التحاقه بطبّ عين شمس أو طبّ الدمرداش للتّأكد أنك في منظومة علمية يفتخر بها.

عندما تزور المكان ترى بعينيك صرحًا طبيًا وعلميًا بما تحتويه الكلمة من معنى.

وكانت البداية من رجل اقتصاديّ بمعنى الكلمة يضع نقوده وثروته في مكان للتّعليم والخير وعلاج الفقراء؛ ليبقى هو تحت التراب وحتى الآن وبعد كل هذه السّنوات يصل إليه كل حسنة لعالج أيّ شخص يتمّ عالجه في المستشفى وكلّ طبيب يتعلم مهنة الطّبّ في الجامعة. 

الدمرداش باشا كان بالمعنى الحاليّ رجل أعمال كوّن ثروته بالجهد والتّعب وعندما أنفق نقوده أنفقها في الخير وللخير حتّى الجزء الذي يتمّ فيه دفع النقود يذهب للحساب المجانيّ وليس لمنتجع سياحيّ وليس لكمبوند سكنيّ وليس لمهرجان فنيّ.

وفي النّهاية إنّه رجل أعمال يهتمّ بالاقتصاد والسّياسية وشؤون البسطاء، ألسنا بحاحة لهذا الوعي الآن!

فإذا كانت البدايات صحيحة فانتظروا جمال وحسنات النّهايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.