رؤية من زاوية فلسفية للحياة (ج7) والأخير

هذا هو الجزء السابع  والأخير من مقال أدبي فلسفي يتحدث عن الحياة وكيف يراها الإنسان وتتحكم به وسط صعوبات قاسية، ونبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق.

وأخيرًا، ها قد أنجزت مقال الختم الذي تعمدت فيه أن أتطرق باختصار إلى ما يمس الإنسان في حقيقة من يكون، كونه مخلوقًا قاصرًا أمام عظمة الوجود ومكانته به، إن أحسن التصرف فيه بكل ما أوتي من حكمة وحب المعرفة والبحث عن آفاق قد تمكنه من أن يصبح سيد نفسه ومالكًا لكل ما يجعل منه فعلًا خليفة لخالقه في كونه.

حيا على العلماء وحملة شعلة العلم

لربما كان كل ما يدفع ببعض العلماء الزاهدين في بحوثهم إلى جني أكبر حصة من ثمار المعرفة والاطلاع على أسرار الموجودات المحيطة بعالمنا الواقعي المحسوس منه والملموس، أنهم كثيرًا ما كانوا ينغمسون في أعماق المجهول، ما بين الظاهر والباطن من الأشياء، دون أن يدركوا أن خيالهم المرتكز في عالم الصمت والتأمل قد يبعدهم بملايين الأميال عن مواقع أمكنتهم، لكونهم كانوا لا يستطيعون أن يحددوا كيفيًّا سرعة تسرب أفكارهم المصورة، ولا حتى كميًّا لتعيين متوسط عمرها، وكأنها تسبح في فراغ، بحيث كانت تفقد من وزنها كلما ابتعدت أكثر عن مصدرها...

أسرار الوجود بالعلم

وفي أغلب الأحوال، لم يكن بوسعهم أن يصيبوا بأسئلتهم كل الأهداف المحسوسة، لكنهم كانوا أحيانًا يلمسون جزءًا من وجه حقيقة الوجود؛ لهذا فإننا لا ننكر لهم جميلهم لما قدموه لنا من نتائج واكتشافات جليلة، بعد مراجعة لما مضى من حياتنا بصفة ذاتية أو موضوعية.

وفي ظروف خاصة وسليمة التبصر، قد يبشروننا بأنباء ما اكتسبوا من عوالم ميادينهم، فقد ينقشع لنا نور هناك بعيدًا عن الأعين، فجدتنا ننبعث من جديد على مسرح هذه البسيطة، لنحيا ثانية معتمدين في ذلك على ما اكتسبناه من قوة الإرادة ومحصول الفكر المنبثق من قانون المنطق، كونها وسائل إصلاحية موضوعية وسلاحنا الجديد، ليس لأن نصبح يومًا ما أسيادًا لمخلوقات ما، وأبدًا لأن نمسي عبيدًا لأحد.

فجل أسئلتنا غالبًا ما تصب في جدول زمن ومكان عبر أي جزء من فترات وجودنا ها هنا، بصرف النظر عما تحملناه من عثرات ومعاناة من ناحية مشقة الحياة بصفة عامة، وإنا لعلى يقين بأن حالنا قد لا يذكر إن قارناه بحالات غيرنا، كمن يتكبد مرارة ويلات حرب أو وباء أو إعصار أو زلزال أو هول الفيضانات كمظهر من أوجه مظاهر الطبيعة الغاضبة والشاكية من تصرفات الإنسان الجاهل أو الطامع أو الأناني أو المريض نفسيًا، وحالات غير معروفة بعد...

ما ألغاز الحياة؟

وهنا، أود أن أطرح بعض الأسئلة التي فرضت نفسها على الحال والظرف منذ الأزل إلى حدود أيامنا هذه...

فكم من كم طائل ينقصه كيف ضئيل؟

وكم من كيف هائل يلازمه كم زهيد؟

أهي ظواهر الطبيعة تتجادل فيما بينها؟

أم نحن من لم نفهم بعد فلسفتها؟

أو إنه خلاف شائك ما بين تباين الثقافات؟

أم هو عدم اختلاق غاية موحدة للتواصل فيما بيننا؟

قد يكون هذا اللغز المحجوب عن مجموع حواسنا الخمس، موجودًا في أنفسنا أو ربما هو من حولنا لكننا لم ندركه بعد.. من يدري؟

قد نلاحظ أن الفطرة موروثة بداخل المخلوق منا، مهما كان دليله الطبيعي في التعايش مع غيره من الأحياء. وأما المكتسب، فهو مأخوذ من محيطه كيفًا وكمًّا، لهذا فإننا في حاجة ماسة لأن ننتبه إلى باقي المخلوقات الحية، حتى يتسنى لنا الأخذ منها والتعلم منها ما كنا نجهله من قبل، ونعمل على الاستفادة من ذلك، علَّنا نتوصل يومًا ما إلى التعرف على أشياء وأسرار ما كنا لنلمسها لولا أننا واصلنا البحث والتنقيب، وطرح أسئلة وتساؤلات عن كل ما قد يقلق فكرنا وراحتنا، خصوصًا إن كان الموضوع ذاته يهم سر وجودنا ها هنا، فقد ننجح يومًا ما في إدراك ما عشنا نتساءل عنه طويلًا، في حين أن الجواب كان يعيش من حولنا..

فمن كانت حياته تتغذى على ماضيه، لا يجب عليه أن يتخلى عن هوس المغامرة أو سبر أغوار المجهول. ولتكن الرغبة لديه عند كل اكتشاف جديد، كحلم عجيب تحقق مثلًا. ومن المعلوم أن الكل يسعى باحثًا عن أي وسيلة ناجعة للبقاء حيًّا، مهما كلفه الأمر ذلك، فإن العاقل لا ينسى أن عمره محدود ولو طال أمده.

لا تجعل ماضيك يتحكم بحياتك

لهذا وجب على الإنسان أن يعود إلى مهد فطرته، ليكتسب براءة فكره، وليتسلح بسماحة فطرة إيمانه، وذلك ليكون ربما فاعل خير، دون تقصير في حق نفسه عليه، مهما كان وضعه العام في مجتمعه؛ لأن خاصية الإنسانية في حقل عقل الإنسان لا تخلو من شائبة عدوانية حيوانية؛ ولأنه كان وسيظل ابنًا وفيًا لطبيعته، حتى وإن عاق طابعه، وكذلك سيمسي كمن ألَّف من حياته مغامرة شيقة وكأنه حلم قد تحقق، كانت للآخر ليس إلا حكاية عادية، بطلها فلان ابن فلان.

لهذا، عليه أولًا أن يعي قيمة من يكون كونه فردًا داخل مجتمعه، ثم عليه أن يقدّر ما له من كم وكيف معرفي ولو نسبيًا. على الرغم من أن "أناه" قد تعني كل تلك الجزئيات أو الخلايا الحية والمكونة لمادته الظاهرة، فإن العدم هنا يتجلى في صدر الوجود، تمامًا كما تحمل حياة الكائن الحي موته على كاهلها...

ما قيمة الحياة دون وجود الإنسان؟

على الرغم من أننا متيقنون من أننا لن نمكث على هذه الأرض للأبد، فإننا نجد أنفسنا هنا ثم هناك، كعرق نابض بهيكل المكان. الشيء الذي كان وما زال يدفعنا إلى أن نعتقد بأننا حاضرون في الوجود، وليس موجودين في الحاضر. وكأننا نقوم مقام الصفر، ذاك الرقم الفارغ الذي من دونه قد يختلط الحابل بالنابل، ثم إن هذا المؤشر الزمني يمثل لنا بالأساس كل المخلوقات الحية دون استثناء، وهذا واقع محتوم لا يمكن أن يغيره أحد؛ لأننا مخلوقات فانية مهما حاولنا.

ولأننا سواسية تحت ضوء الشمس، وإن اختلفت المواقيت، ولأن حقنا في الحياة على الأرض كذلك فرض، لا محالة، كباقي الكائنات التي ترى النور لحقبة من الزمن فوق سطح الأرض، لتندثر تحتها بعدما تستوفي حقها في الحياة. فأحيانًا، نغتال ثواني أو ساعات كوقت ميت من الزمن الخارجي الأبدي، في حين ينتحر عمر حياتنا الداخلية المحدودة بالتدريج أيضًا، إلى حين لا ندريه. فكنت دومًا أرى الغد سرابًا دون نهاية، لكني اكتشفت أخيرًا، أنه لا توجد نهاية في الأفق دون سراب.

سرقة الزمن

دورك في الحياة أساسي أم ثانوي؟

ففي الحياة أبطال، وعليها مسارح، وبها مشاهد، تُقطف منها قصص لتحكى على مسامع الحاضرين، وحتما ستُروى عبر أجيال، ربما كالأساطير، محتفظة ببعض أسرارها الخارقة التي تتنوع ألوان أوصافها الباهرة عند روايتها الأزلية، الشيء الذي قد يزكي جمالها ويطعم إبداع شكلها، فتسحر السامع بروائع أحداثها، لتشده إليها مسحورًا ومذهولًا بها، إلى أن يسهو أو يغفل على أنه بطل من أبطالها، دون أن يتبادر إلى ذهنه بأنه سوف يقع في متاهة واقعه، وكأنه اختبار له لكي يكتشف حقيقة "أناه"، وكذلك مدى قدراته على التعامل مع محيطه، كيفما استقبله الظرف وحيثما قاده.

فإما وجب عليه أن يصمد من أجل الاحتفال في الأخير بالفوز المظفر على زمنه، وإما أصبح من الذين عصفت بهم ريح العقد النفسية المقيتة التي طالما جعلت من القوي فردًا ذا شخصية ضعيفة، ومعلنة على بعضهم حربًا ضروسًا ضد جل هفواتهم المكروهة، لتفقدهم بعد ذلك السيطرة على أنفسهم، لربما من جراء استلطافهم المفرط للجنس الآخر مثلًا، وهناك آخرون، انتُزع من تحت أقدامهم بساط البساطة، ليسقطوا في فخ الطمع والجشع، كلما تمادت أياديهم إلى حرمة الغير، أو تطاولت أعناقهم ليستبيحوا بذلك الكشف عن سِتر أو أسرار الآخرين.

ولمصادفات الحياة معجزات

كثيرًا ما تتآمر الصدف لكي تنتصر على أهدافنا وإن كانت صغيرة. ومهما واجهنا الظروف، فقد تثقل كاهلنا تخمينات أفكارنا حتى ننحني لها في الأخير، إما إجلالًا وإما إكراهًا؛ لأن مصير حياة كل الكائنات الحية غالبًا ما يأتي بصفة غير ملحوظة أو على شكل حظوظ غير متوقعة كذلك، بحيث تقذف بنا الحياة إلى الخارج، فننمو ثم نعدو وراء أمانينا غاية. فإذا ما وفقنا، قيل: "إننا محظوظون"، وإن فشلنا، قلنا: "بئس هذا حظنا".

تحقيق الأهداف بالصدفة

أما حريتنا، فلها أجنحة ملونة جميلة، بعضهم يهتف بأنه يحافظ عليها في قفص من ذهب، وآخرون يناشدون بأن تمضي طليقة للأبد، والكل ربما لا يعلم بأنها ملاك يلطف من جو سماء ربها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال رائع...👍👍👍
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اشكرك شهد على مواصلة القراءة . و اتمنى لك كل خير و عطاء في مجالك. تحياتي 👍
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أما حريتنا فلها اجنحة ملونة طليقة
وأنا ممن يعشق الحرية الفكرية
ولكن للأسف مازلنا فى هذا القفص
الذهبى رغم جماله؟
صح قلمك وعظيمة هى كلماتك
ي أمير الكلمات دمت مبدع 👏
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

و دمت عاشقة للحرية تلك التي تنقل أحاسيسك من قلبك لقلمك المبدع و الصداح بما يخالج دواخلك...تحياتي يا اميرة القراء 🧡
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة