هذا هو الجزء الخامس من مقال أدبي فلسفي يتحدث عن الحياة وكيف يراها الإنسان وتتحكم به وسط صعوبات قاسية، ونكمل مما انتهينا منه في الجزء الرابع.
أن تجد طريقك الصحيح
وهكذا نحاول أن نجعل من أقدارنا إما فرصًا، لكي نتمتع بما صادفنا على دروبنا الطويلة، فنتفاعل مع كل أشكال مظاهر الحياة، بما في ذلك مجموع أحوالنا الشخصية وكذا محيطنا الاجتماعي الذي بدوره يؤثر فينا بطريقة مباشرة وغيرها.
حتى لا نعتمد في تقييمنا الذاتي والمعنوي إلا على ما اكتسبناه من كم وكيف منذ نعومة أظفارنا إلى آخر رمق في حياتنا. وإما أننا قد نخلق أجواء جديدة حتى نتمكن من إيجاد مسارنا الذي به سنهتدي يومًا ما إلى ما كنا نصبو إليه بعد جهد جهيد بهذا العالم الذي نسكنه ويسكننا، ونتنفس هواءه شهيقًا وينفث زفيرًا، ونروي من مائه السلسبيل عطشنا مجانًا، ونحتمي تحت ترابه أحياءً وأمواتًا، ونتغذى على خيراته من باطن الأرض وما عليها طوعًا، وكذا نسبح في مائها وجوها ونسافر في أرجائها حسب الاستطاعة، وأن نطير على ظهر أحلامنا بلا حدود، ولو كانت تفوق مؤهلاتنا.
لأن المهم والعبرة هنا ليست بالقدرة على فعل الشيء وحسب، بل إنها إطلاق العنان لفرضية قد تنجح وقد ترسب، أما حتمية النتيجة فلا بد قادمة، ولا محل لليأس هنا، مهما صارت الأمور، ولا بد للأمل أن يستمر ولا بد للخيبة أن تنكسر..
لهذا ارتأيت أن أذكِّر البعض، بأنه قد صار من واجبنا أن نعمل أكثر على الحفاظ على كل مكتسباتنا الإيكولوجية، وكذا الحث على القيام بكل ما في استطاعتنا وإمكانياتنا المعنوية والمادية، لكي نسترجع لأمنا الأرض ما أفقدناه إياها، من بعض عناصر حيوية لمكوناتها الطبيعية كما عهدها أسلافنا الأولون.
علمًا أنه ما زال هناك أناس يعملون في صمت أو علن، على دق ناقوس الخطر القادم كجائحة مثلًا، مستعينين بشتى الوسائل التحسيسية وبطرائق علاجية استباقية، أو بسبل تصحيحية لمنع كل عمليات التخريب أو التلويث، التي قد تصيب بيئتنا في الصميم، على يد بعض المفسدين الطامعين في الاستيلاء على كل خيرات الأرض من أعماق باطنها إلى سطحها...
الإنسان لا يمكنه استيعاب قوانين الكون
وهكذا سيظل قصور إدراكنا للأشياء غير المرئية وغير المكتشفة إلى يومنا هذا، كبرزخ يصعب اختراقه مهما فعلنا ومهما اجتهدنا، في وجود مدخل إلى ما يوجد وراء عالمنا هذا. وعلى هذا معرفة كنه وجود هذا الموجود الذي تعايش به بنو البشر، بجانب باقي المخلوقات الموجودة والسائرة إلى الاندثار أو للانقراض.
ولربما هي عملية خفية عن مجموع حواسنا القاصرة لتفسير أو تحليل كل ما وقع وما يقع وكذلك ما سيقع مستقبلًا. لذلك يصر الإنسان العاقل بأن يثابر جادًّا في بحوثه، ودراساته للكون المحيط به. وذلك ابتداء من محاولة التمكن من فحص جل الأمور التي تمت بصلة للدماغ البشري وغيره، إلى أعقد مسألة تتعلق بالمجال المادي على أكبر مستوى، وكل ما يهم دراسة الكواكب والمجرات بهذا الوجود الشاسع...
وقد يتساءل البعض عن أسباب هذا النشء، أو عن هذا الخلق بهذا الوجود، وقد يتبادر للذهن عديد من الافتراضات وبعض المقترحات، لتبرير أو للإقناع ولو على وجه التقدير، فقد تصيب وقد تخيب في الإدلاء بما يشفي غليل محبي المعرفة. إلا أن هذه الإشكالية القائمة ستبقى ربما مطروحة إلى الأبد، دون جواب منطقي.
لهذا كان من الضروري أن نعتمد على معلومات وبيانات ترتكز على أسس علمية محضة، ولكي تتمكن قدراتنا الذهنية من استيعاب بصفة كافية مدى المساحات اللامتناهية للكون؛ ما يحتم علينا العودة إلى النقطة التي بدأنا منها في أول الأمر، لكي ننطلق من جديد في بحوثنا المجدية بغية اللحاق بركب بناه من قبل أسلافنا من علماء وباحثين في ميادين متنوعة المشارب والأهداف...
ووصفتي هنا ليست بمنزلة حل سحري لكل إشكالية التعايش فيما بين جل الموجودات الحية، أكثر ما هي دعوة خالصة ونابعة من وحي حب ومحبة من قلب مفعم بإحساس مدرك لقيمة وجوده على هذه الأرض المعطاء، بل إني أشفق أكثر على كل المخلوقات: بنو فصيلتي وكل الحيوانات والنباتات وغيرها.
قيمة الإنسان على الأرض
وإني متيقن أن كثيرين سبقوني إلى غايتي هاته، ومع ذلك سمحت لنفسي بأن أدعو كلًّا من الرأي العام ومختلف المنظمات والجمعيات التي تنشط في مجالات الحفاظ على المكتسبات الطبيعية للأرض ومحيطها، لكي يبذل مجهودات أخرى على كل المستويات المعمول بها عالميًّا في سبيل تحسين معاملة الإنسان لحاضنته الحية ألا وهي الأرض التي وهبته كل عناصر وجوده على سطحها دون مقابل مادي، بل فقط تنتظر منه ألا يتلف ما عملت عليه عبر قرون خلت وما زالت تتقلد منصب الأم لكل الكائنات الحية دون استثناء...
إلا أن طريقتي في تبليغ هذه المحاولة، تتجلى في تقديم بعض العمليات التحسيسية على شكل رسائل مبسطة، لمفهوم ماهية الأشياء الأساسية في حياتنا. مع أنني تعمدت سردها بأسلوب تعريفي، لجعلها في مجمل محتواها كمذكرة للاستئناس عند الضرورة، أو كداعم حسي لما قد يشوب مخيلتنا أحيانا من سطو الغرور أو التجاهل في حق مثل هذه الكلمات أو المفردات.
لما تحمل من عبارات ومعانٍ قد تذكر بعضهم بما يوشك أن يلحق بهم، إن هم تعمدوا الإساءة إلى أمهم الأرض، أو في الأقل قد يتحول انتباههم لما تسول لهم أنفسهم لكي يتمادوا أحيانًا، بأفعال هدامة وناسفة بواجبهم الأخلاقي والإنساني، تجاه باقي الموجودات الحية على نطاق أوسع تحت الأرض أو على وجهها...
والأبشع، أنه ما زال يوجد أناس يتجاهلون أو يجهلون أثر أفعالهم غير المسؤولة تجاه محيطهم الاجتماعي والبيئي، وجُل تلك العناصر الحيوية، التي من دونها قد لا ولن يتمكن أي فرد من العيش في سلام، ولو على حساب تحمله أعباء إضافية لبقائه على قيد الحياة، دون هواء نقي أو كمية ماء شرب كافية أو طعام غير ملوث، إلى غير ذلك من الضروريات الأساسية لحياة سليمة ومستديمة.
لكن هذا قد لا يكفي، لأن جل ما حصلنا عليه من تقدم وازدهار كما يبدو لنا ما هو إلا شيء لا يذكر مما نجهله. بل إننا في بداية اكتشافاتنا المهمة، التي لا تعدو أن تجعلنا نفتخر بما أنجزناه، ورغم ذلك ما زلنا بسطاء وغير قادرين على تأمين أنفسنا من كوارث الطبيعة المعروفة التي تذكرنا بضعف طاقاتنا في مواجهتها عند كل ظاهرة أو حدث عرضي كالأعاصير أو الزلازل إلى غيرها من مخاض الأرض ومحيطها. وكذا بعض الأمراض الفتاكة وغيرها...
الأمل سر الحياة
وهكذا نجعل من حياتنا حكايات شبه عادية أو شبه طبيعية، حينما نكون على علم بمصيرنا المجهول، فنتهيأ لإسعافه قبل فوات أوان حصول كارثة ما أو غيرها. ولعل وجودنا ها هنا وسط هذه الأوضاع الحياتية المتباينة يجعل هناك أشياء أخرى نتشبث بها بقوة على الرغْم من هشاشة بنيتها، لكنها في المقابل تمدنا بالأمل في الغد القريب، ومن خلاله تأتي تلك الفسحة التي يوجد بها حلم جميل نود أن نراه ينمو بداخل ذاك العالم الغريب الذي يسمح لنا بالغوص فيه بلا حدود.
فما أبسط الحياة إن أخذناها كما هي، كلٌّ من وجهة نظره أو فلسفته، لكن الأهم أنه يجب أن يضحي من أجلها ليحظى برضاها وعطائها.
ثم إنها تجربة أو مغامرة كل حسب قدراته وأهدافه، لكنها تبقى فرصة متجددة لمن حافظ على نمط معين من العيش، وكذا لمن حاول التمسك بالأمل في الغد لتحقيق أحلامه مهما كانت، المهم أن لا يفقد حبل الأمل، وأن يصمد في وجه أية زوبعة قد تثار ضده عنوة أو على إثر مصادفة، لهذا وجب عليه أن يكون مستعدًا لأية طارئة كيف ما كان نوعها داخل وخارج محيطه، لا لشيء يستدعي الاستغراب أو الهلع، من المستقبل الآتي بما فيه وما قد يجلب من رواسب متنوعة الأوجه، بل إنه مجرد احتياط واقٍ من جل ما قد يحدث كردود أفعال غير متوقعة منه أو من الغير.
حينما نريد أن نغوص في أعماق ما نجهله من عالمنا ونشأته، بكل موضوعية وعناية لفهم ما كان السبب الحقيقي في وجوده، أو بالأحرى لما وجد على هذا النحو والحال؟
غالبًا ما نكتفي بأن نسلم بانتمائنا إلى هذا الكون الهائل، الذي نحتل فيه بدورنا كوننا بشرًا مكانة راقية من بين باقي المخلوقات الحية، على كوكبنا الأرض السابح في فضاء لا حدود له، وتوجد هناك كواكب أخرى في المجرة نفسها، وهذه الأخيرة ما هي إلا واحدة من المجرات التي لا تحصى كذلك. ولا ندري إن كانت مأهولة أم لا، وهذه من بين الأسئلة المحيرة التي لم يستطيع أحد الإجابة عنها على الرغم من مرور قرون خلت.
ستضحى هذه المذكرة كونك ناقدًا صامتًا، أو إشارة "ضوء أحمر" للدفع بكل من أجرم في حق الطبيعة، لأن يهتدي ويتوقف عن التمادي في الإضرار بها، وبذلك أن يعدل عما كان يطمح للفتك به.
وعليه فقد تبدو غايتي هاته تقليدية الأهداف. لكني على يقين بأن صداها قد يحدث تغييرًا إيجابيًا في حقل عقل الإنسان الراشد، فكيف بمهتم نشيط في هذا الميدان الحيوي، والأخلاقي، والتواق للعيش على ما يقدمه له محيطه. وكذا ترك إرثًا ثمينا لبني جلدته، وللآخرين من المخلوقات الحية، كل حسب وضعه الخاص، وكذا حسب قوانين مجتمعه في ذلك.
فحياتنا ها هنا واقع، والواقع قدر إن شئت، والقدر نصيب أو حظ، إن قبلت بهذا كنت بسيطًا، وستعيش على ذلك إن استطعت فتكون سعيدًا، وإن لم تهتم بهذا، كنت ذكيًا، وستعيش على ذلك إن حاولت فقد تكون أقل سعادة من البسيط. أما إن لم تقبل بهذا كنت تعيسًا، وستعيش على ذلك إن أردت فتكون عبرة لمن لم يرضَ بنصيبه.
حتى وإن أهدتك الحياة المال والبنون فلن تسعد، لا لشيء إلا لأن الحياة علمتنا أن كل من تمرد عليها يومًا، أشقته أكثر، وهكذا إلا إن هو تاب ورضي بقسمته، ألا وهي وبكل بساطة، رضاه عن نفسه وقبوله بما أوتي في حقه، فصار كريمًا، ورفعت من شأنه فبات محبوبًا.
رائع.............ي أمير الكلمات
كل عام وأنت بألف خير وسعاده
رمضان مبارك عليكم جميعا 🤲💜
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.