رؤية من زاوية فلسفية للحياة (ج 1)

تتسارع الأيام أمام أعيننا وكأنها شلالات لا تنبض، في حين أننا نلازم أماكننا قسرًا؛ لأننا وحدنا من يجب أن نتحدى أهوال قوتها الطبيعية، طامعين في أن نستطيع يومًا ما ترويضها، ولِمَ لا؟

تسخيرها حسب سجيتنا وطوع أهوائنا هو أمر قد يبدو عسيرًا بلوغه، إن لم نعمل على الاستمرار في المحاولة دون استسلام تام؛ لأنه غالبًا ما سيستعصي علينا، وعلى هذا تحقيق أدنى أمنياتنا مهما كانت صغيرة. إن لم نضحِ كذلك ببعض ما نمتلك من وقت، قد نحكم عليها بأنها ضائعة ما بين جنة الأحلام وأهواء الواقع الجاف أحيانًا.

ما بين الماضي والحاضر

أما الآن، حينما استفاقت ضمائرنا التائبة على وقع ما كانت عليه نياتنا التائهة، وتحت رحمة ما تبقى من ذكرياتنا القليلة، تلك التي تتأرجح ما بين اللحاق بأشواق الماضي البعيد وذاك الزمن الجميل عند بعضهم، وبين التحكم في عقارب زمننا الحاضر الذي ما انفك يعدو بعيدًا عن آمالنا ورغباتنا غير المتناهية.

ما بين الماضي والحاضر

فكأننا نسبح في فضاء لا جاذبية فيه، وذلك لأننا أصبحنا لا نتذوق عطر الحياة، ولا حتى نتمتع بسماع ألحان سمفونية فصول السنة، وأيضًا قد لا نلاحظ مدى انسجام ألوان طيف الطبيعة المحيطة بنا، فصرنا غرباء في محيط خلق من أجلنا، وأصبحنا نفضل عوالم افتراضية دون البحث عن أرضية خصبة وواقعية، إذ وجب أن نتشبث بكل ما يذكرنا بخصوصيتنا وبإنسانيتنا وأحوال واقعنا، حتى لا نتوه أو نبتعد مرة أخرى عما خلقنا من أجله.

وكذا، لنعي بما يلزم لكي نحافظ على تحقيق ولو بعضًا من أهدافنا المنشودة في عالم يعمه الإحساس بمسؤوليتنا، تحت سقف التعايش فيما بيننا وبين باقي المخلوقات الحية الأخرى، حتى لا نضيع شأن امتيازنا بصفتنا بشرًا. وكذا جدارة حقنا في العيش مهما كان صنف جنسنا أو حجم قاماتنا أو لون بشرتنا أو اختلاف معتقداتنا كذلك، فلا فرق بين هذا وذاك إلا بما أوتي من حكمة ومعرفة.

وهناك من الأسفار ما يخول الإنسان، بأن يجول داخل عوالم ساحرة بأماكنها وبأجوائها وبجمال ألوان طبيعتها وكرم أهاليها وهدوء فضاءاتها. وكأن الزمن عاد بنا إلى عهد عاش به أسلافنا آنفًا.

وجودك في الحياة ليس صدفة

في يوم من الأيام، سوف يُحتسب عدد أعمارنا بما ركمناه من تجارب، ومواقف عشناها بكل ما تحمله من آمال في الغد القريب الذي قد نرى فيه ذاك الفرج التالي محمولًا وسط موكب جميل، فيملأ حياتنا الجديدة بمظاهر الفرح والأمان، بعيدًا عن أرض الشر التي كادت أن تبتلع أحلامنا وأمانينا، فحمدًا للخالق الذي نثر علينا من نوره طيفًا لطيفًا، وساقنا إلى ما لنا فيه خير، وهذا لنكون من أصحاب النعيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

قد يعتقد بعضنا بأن وجوده ها هنا من محض صدفة وحسب، وكأنه قُذِفَ به إلى حيث يوجد دون أي سبب ممكن في تغيير مسار درب للآخر، وهو لا يعلم، فقد يكتمل بحضوره "الزمكاني" أقدار أنام دون أن يدري كذلك، وغير ذلك من مواقف عدة، كتلك التي يتبيَّن فيها مدى ارتباط مصائرنا بعضها ببعض، وكأنها أُلِّفت أو اختُلقت فقط ليمتد شريط وجودنا ها هنا كما عهدنا أنفسنا عليه.

فأكثرنا أو جلنا لا نعي بعد بأن مدة بقائنا أحياء ليست أمرًا اعتباطيًّا، أو أنه وليد صدفة عابرة أو كما يتراءى لبعضهم، بأنه ليس إلا حيوانًا عاقلًا وأن تفاعله مع محيطه بكل تلك السلاسة، ناتج بالأساس عن إرادة المخلوق كيفما كان صنفه على سلم الخلق، أو أنه مجرد تحصيل حاصل، لكونه نتاجًا حيًّا أوتي به إلى هذا الكوكب فقط من أجل التكاثر فقط كباقي المخلوقات الأخرى.

في حين قد يغفل كثير عن أنه حامل لرسالة ربانية مدمجة في لب مخيلته بداخل جهازه المسيَّر له، ألا وهو "الدماغ" وأعوانه، وأما الجسد فما هو إلا امتداد لملكية صاحبه ليكون مخلوقًا مستقلًا بذاته حسب إمكانياته وقدراته إلى حين.

سبب وجود الإنسان

طبعًا لا يستوي أهل معرفة وفاقديها، وليس كل فرد له نفس الإرادة أو الرغبة، ولو تشابه بعضهم في شتى المدركات والعوالم حتى الأهداف؛ لأن إشكالية الخلق والإبداع لا محال تختلف من شخص لآخر، والحكمة هنا أن الأوصاف ليست كالصفات، فلكل شكل مضمون وليس بالضرورة أن يكون لكل مضمون شكل، وهكذا على سبيل المثال، إذ نجد من البشر آية في الكمال الجسماني أو جميل الطليعة، لكنه فارغ من إنسانيته الفطرية، بل قد يكون شقيق الشيطان في أفعاله وصفاته، والعكس صحيح كذلك.

وعلى أي حال، لا يمكن أن نعمم الرؤى أو الآراء لأن الاستثناء ليس بقاعدة مطلقة لهذا، فلكل فرد خصوصيته اللازمة.

كيف تهذب نفسك؟

ونجد آخرين لا مبدأ لهم ولا هم تعساء، ومنهم من يحمل قوقعته الفارغة معه أينما حل أو ارتحل دون أية معاناة، أو تأفف، بل قد تجده على ما يرام. وكثيرهم لا يجعل لحريته حدودًا بل منهم من يرى أنه على صواب ولو مس الآخر بنوع من الإزعاج، وغير ذلك من سوء الفهم للآخر وأحيانًا عن قصد.

ونجد حالات تُعد فلا تُحصى من مواقف تتمثل في مجموع ردود أفعال أصحابها، وغالبًا ما تكون غير مسؤولة ولا إرادية طبعًا، حسب الشخص بعينه وتلك المؤثرات الحسية الحركية الأخرى.

وقد يكون من الطبيعي أن يتعامل الفرد في هكذا مواقف وظروف خاصة عن إرادة ورغبة؛ أي إنه قد يتصرف على سجيته إلى درجة يغلب فيها الطبع على التطبع؛ لأنه إذا جُبِل إنسان على حال من الأحوال، صار طبعه، وأما إن تكلَّف أو اختار شأنًا وصار عليه فذاك تطبع.

تحكم في نفسك

والمعنى، أنه حبذا لو حاول الفرد منا أن يغير من أحواله لما فيه الخير له ولغيره بإرادته، ولا ينساق وراء هفواته كما لو أنها فطرة حيوانية، لا يمكنه أن يتحكم في نفسه ونزواتها البشعة أحيانًا.

وهنا مربط الفرس، فلدى بعضهم من الأمور كنزوات وكأنهم أشقاء لحيوانات أليفة وأخرى أفظع من المفترسة منها، من باب النرجسية وحب امتلاك الغير لشخصه بل حتى ما لديه دون حق أو تراضٍ، وقد يفعل ذلك بكل جرأة وجسارة، وكأنه مجرد شيء وليس شخصًا ذا كيان وروح.

والملاحظ، أن أصنافًا عدة من البشر موجودة حيث وجدوا، حسب تركيباتهم السيكولوجية وتعاملهم مع بعضهم بعضًا. وهنا لا جدوى أن نتكلم عن تلك الحالات المرضية النفسية منها، والعصبية المعروفة لدى المتخصصين في ميدان الصحة العقلية حصريًّا.

لا يختلف اثنان على أنها سنة الحياة، وأنه ليس لنا إلا أن نمتثل لما سنواجه من ظروف وعثرات دنيوية، وأنه من البديهي أن نجابه كل ما يعثر أو يعكر صفو جو أهدافنا مهما كانت وكيفما حلت.

أكيد أن هذا ما يجب أن يسلكه أي إنسان عاقل ومسؤول لأنه مصيره قبل أن يكون اختيارًا، له أن يقبل به أو يرفضه، وستبقى دائمًا أسئلة عالقة ومنتظرة الكشف عن ردود مقنعة لم يجد العلم لها حلًا شافيًا إلى يومنا هذا، أو بالأحرى أجوبة لا غبار عليها، لعلة تلك الحيرة التي تجعل كل باحث عن حقيقة الوجود منهمكًا في سبر أغوار المجهول، من عوالم محيطه وخارجه، عله يكتشف أو يخترع أدوات أخرى لكي يحقق بها ما يصبو إليه، وذلك من أجل تلبية ما يراوده من فكر وتأمل إلى ما لا نهاية، وذلك بسبب أنه ما زال يجهل من أين أتى ولا حتى لماذا وجد.

قديمًا، تقاطعت افتراضات عدة لدى مفكري تلك العصور الغابرة، وإلى يومنا هذا ما زلنا لم نستطع أن نغوص أكثر في هذا المجال المحير، ألا وهو معرفة ولو نسبيًا بعضًا من الحقيقة المفقودة، فمعرفة ماهية الأشياء نسبيًا، خير من دوام جهلنا لها أليس كذلك؟

مع أنه من المعروف أن كمثل هذه الأسئلة صعب حلحلتها، ولكن يبقى الأمل في التوصل إلى الاهتداء إلى فك هذا اللغز حاضرًا؛ لأنها غاية جليلة، تتشوق كل البشرية لمعرفتها، ولأن حبنا للانتماء لا ينتهي بالاطلاع على سر وجودنا ها هنا وكفى، بل يتعدى ذلك، لما بداخلنا لكسب معلومات جديدة وواقعية لما نحن عليه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا شهد على هذا التعليق المشجع و لطف منك 👍
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ايه التجديد الرائع دا نهج جديد
واسلوب جميل بالتوفيق والنجاح دوما
ياامير الكلمات 🌷💗
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا يا اميرة القراء على كلماتك الطيبة و دمت لي سند في الآتي ان شاء الله. تحياتي الخالصة ❤❤
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

استاذ محمد كم هي جميلة منشوراتك واطروحاتك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

الشكر لك سيدي على هذا التشجيع البارز شكرا مرة أخرى 👍
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.