في عالم يسعى للشمولية، يواجه أبطالنا من ذوي الهمم رحلة حياة فريدة مملوءة بالتحديات، بقلوب صامدة وعزيمة قوية، يسعون للانخراط الكامل في مجتمعات قد لا تكون دائمًا مهيأة لاحتياجاتهم، قد لا ترى صوته في الزحام، ولا يصرخ إن انكسر قلبه، لكنه يُحارب كل يوم في صمت، ذوو الاحتياجات الخاصة ليسوا فئة مهمشة، بل هم أبطال يواجهون تحديات مضاعفة في مجتمعات غير مهيأة لاحتوائهم. هذا المقال المتعمق يلقي الضوء على أبرز التحديات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقدم حلولًا عملية وإستراتيجيات فعالة لبناء مجتمع أكثر وعيًا ودمجًا وداعمًا لهذه الفئة المهمة.
ذوو الاحتياجات الخاصة والتحديات التي يواجهونها وكيفية مساعدتهم
تجده شخصًا هادئًا، يجلس في ركن منفرد في معظم التجمعات، لا يمكنه التآلف سوى مع مجموعة صغيرة جدًّا من الأشخاص، وهم العائلة أو الأصدقاء المقربون منه للغاية. إنه واحد من الأبطال الذين قُدِّر لهم مواجهة الحياة على نحو غير عادي.
بلا شك يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة كثيرًا من التحديات في ظل مجتمعات مشغولة بكثير من الأمور سواء عن قصد أو غير قصد، فلا يجد هؤلاء من يعينهم على كثير من أمورهم التي يحتاجون فيها إلى غيرهم، بل لا يتم إعداد أمكنة من أجل مساعدتهم إلا فيما ندر.
من المقصود بذوي الاحتياجات الخاصة؟
يشير مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يُفضل استخدام مصطلح (ذوي الهمم) لما يحمله من دلالات إيجابية وقوة إلى فئة من المجتمع، تختلف على نحو واضح عن كل فئات المجتمع الأخرى، فهي تختلف عنهم جسمانيًّا أو عقليًّا أو حسيًّا.
فنجد مثلًا مجموعة من الأشخاص ممن لديهم إعاقة في القدم أو اليد، وتمنعهم هذه الإعاقة عن ممارسة الأنشطة الطبيعية الذي يتمكن منها الشخص العادي، مثل الذين يتحركون بالمقاعد ذات العجلات، أو الذين لديهم يد أقصر من الأخرى، أو بهم عيب خلقي معين في النمو.
ومنهم من يعانون متلازمة داون، وهي اضطراب جيني يؤثر في النمو العقلي والجسدي، فيكون لديهم اضطراب ما في طريقة كلامهم عن الأشخاص العاديين.
وقد توجد هذه الاختلافات نتيجة جينات وراثية، أو قد تنتج عن حادثة أصابت الشخص بإصابة مزمنة في جسده، مثل إصابات الحبل الشوكي أو إصابات الدماغ، يشمل هذا المصطلح أيضًا الأشخاص الذين يعانون صعوبات التعلم، واضطرابات طيف التوحد، والإعاقات البصرية والسمعية، وغيرها من الحالات التي تتطلب دعمًا خاصًا.
ذوو الاحتياجات الخاصة والتحديات التي يواجهونها
تواجه هذه الفئة من المجتمع كثيرًا من التحديات، فقد يجدون أنفسهم غير متكيفين مع الوضع الحالي، ويتسمون بشيء من الحساسية تجاه مواقف معينة تصدر من بعض الناس قد تكون عن غير قصد. فهيا نتعرف على أهم التحديات التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة.
نظرة المجتمع السلبية والتنمر
قد تُزعجهم نظرة المجتمع لهم، فيمكن أن يتعرضوا للتنمر أو التحرش البصري أو اللفظي أو الجسدي من قبل بعض الأفراد غير الواعين المنتشرين في جنبات المجتمع، وقد يعانون من نظرة الشفقة التي تقلل من قدراتهم والمعاملة التي تحمل المعنى نفسه، فذلك يصيبهم في عزة أنفسهم، وتشير الدراسات إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر عرضة للتنمر والإساءة مقارنة بأقرانهم من غير ذوي الإعاقة.
التمييز في فرص العمل
أشرنا في النقطة السابقة إلى التنمر، ويمكن أن نعده نوعًا من أنواع التمييز بسبب انتمائهم إلى فئة معينة، وبسببه يُحرمون من كثير من الفرص الوظيفية على الرغْم من استطاعتهم شغلها دون تعطيل مصلحة العمل، بل قد يمتلكون مهارات وقدرات فريدة تؤهلهم للتميز في بعض المجالات، وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات البطالة بين ذوي الاحتياجات الخاصة.
صعوبات الزواج وتكوين الأسر
يُرفض ذوو الاحتياجات الخاصة عندما يتقدمون لخطبة فتاة من الأشخاص العاديين؛ وذلك لأن الأهالي لا يريدون خوض تجربة التحديات التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة في حياتهم اليومية بسبب نقص الوعي.
الخوف من المجتمع
على ذكر الخوف من الرفض، فعندما يقدمون على فكرة الزواج، فهم يخافون أيضًا من الرفض في كثير من المواقف، ما يضيِّع عليهم كثيرًا من الفرص التي يمكن أن تطور حياتهم وتنقلها إلى مكان أفضل. ويجب أن تبدأ ثقافة التقبل والاحتواء من داخل الأسرة، بتقديم الدعم العاطفي والمعنوي اللازم وتمكينهم من تحقيق طموحاتهم في الزواج وتكوين الأسر.
محاربة التمييز العنصري الممارس ضدهم في بيئة العمل أو في البيئة التعليمية
من ضمن ما يعانيه ذوو الاحتياجات الخاصة والتحديات التي يواجهونها صعوبة ركوب المواصلات العامة؛ لأنها غير مهيأة لحالاتهم، وهذا بخلاف زحامها الشديد، ويجب سن قوانين وتشريعات صارمة تجرم التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع جوانب الحياة، وتفعيل آليات إنفاذ هذه القوانين لضمان حقوقهم.
تهيئة بيئات العمل والبيئات التعليمية لكي تتناسب مع ظروفهم
تتطلب تهيئة البيئات توافر تسهيلات الوصول المادي والرقمي، وتكييف المناهج وطرق التدريس لتلبية احتياجاتهم المتنوعة، وتقديم الدعم الفردي اللازم لضمان مشاركتهم الكاملة.
أهم الحلول الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والتحديات التي يواجهونها
لا بد من تضافر الجهود من قبل جميع فئات المجتمع، ولا سيما من يملكون صنع القرار؛ من أجل الاهتمام باحتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة وتهيئة الطرق والأماكن المختلفة لكي تخدمهم دون مواجهة أي مشكلة جسدية أو نفسية. ومن هنا، يجب الانتباه إلى النقاط التالية:
إتاحة أمكنة مخصصة وسهلة الوصول في وسائل المواصلات
يجب تخصيص مساحات واضحة ومريحة في جميع وسائل النقل العام، مع توفير آليات مساعدة للصعود والنزول، وتدريب العاملين على كيفية التعامل باحترام وتقديم المساعدة اللازمة لذوي الهمم.
تهيئة بيئات عمل وتعليم دامجة وشاملة
توفير أمكنة مهيأة لهم في العمل وفي التعليم، سواء التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي يتطلب ذلك توفير تسهيلات الوصول المادي مثل المنحدرات والمصاعد والمرافق المهيأة، وتكييف المناهج وطرق التدريس لتلبية احتياجاتهم المتنوعة، وتقديم الدعم الأكاديمي والمهني الفردي.
تعزيز الانخراط المجتمعي وكسر الحواجز
يتعاون أفراد المجتمع لكي ينخرط ذوو الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وينصهروا معهم، ولا يعاملون على أنهم فئة مختلفة عن باقي فئات المجتمع، فيجب تنظيم فعاليات وورش عمل مشتركة تهدف إلى تعزيز التفاعل الإيجابي وكسر الصور النمطية الخاطئة، وتسليط الضوء على قدراتهم وإمكانياتهم.
تنمية ثقافة التقبل والاحترام في محيط الأسرة
تقبل ذوي الاحتياجات الخاصة وعدم الخوف من التعامل معهم إن أصبحوا جزءًا من العائلة، فيجب توعية الأسر بأهمية الدعم العاطفي والمعنوي، وتمكينهم من الاستقلالية واتخاذ القرارات الخاصة بحياتهم، مع التركيز على قدراتهم وليس فقط على تحدياتهم.
سن وتفعيل قوانين مكافحة التمييز وتطبيقها بصرامة
محاربة التمييز العنصري الممارس ضدهم في بيئة العمل أو في البيئة التعليمية، فيجب تفعيل آليات قانونية واضحة للإبلاغ عن حالات التمييز وضمان حصول المتضررين على حقوقهم، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين.
توافر الرعاية الصحية الشاملة
لا بد من تضافر الجهود من قبل جميع فئات المجتمع، ولا سيما من يملكون صنع القرار؛ من أجل الاهتمام باحتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة وتهيئة الطرق والأماكن المختلفة لكي تخدمهم دون مواجهة أي مشكلة جسدية أو نفسية.
وبذلك، يجب الانتباه إلى النقاط التالية: يجب توافر خدمات صحية متخصصة وشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتشمل الرعاية البدنية والنفسية والعلاج الوظيفي والعلاج الطبيعي، مع ضمان سهولة الوصول إلى هذه الخدمات.
تسخير التكنولوجيا المساعدة
تطويع التكنولوجيا من أجل مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، فيجب الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التعريف بما يجب فعله تجاه هذه الفئة الخاصة. وقد تؤدي التكنولوجيا دورًا حيويًا في تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة وتسهيل حياتهم، بتوافر تطبيقات وأجهزة وبرامج مساعدة تعزز استقلاليتهم وتواصلهم.
توافر فرص عمل دامجة
يجب على الشركات والمؤسسات تبني سياسات توظيف دامجة تتيح لذوي الاحتياجات الخاصة فرصًا عادلة للعمل والإسهام في المجتمع، مع توفير التكييفات والدعم اللازم لهم في بيئة العمل.
دمج ذوي الهمم وتمكينهم ليس واجبًا إنسانيًّا، بل هو استثمار في قوة مجتمعاتنا وتنوعها. بتضافر جهودنا وفهم احتياجاتهم وتهيئة البيئات الداعمة، يمكننا بناء مجتمع أكثر عدلًا ورحمة، يحتضن جميع أفراده ويُعلي من شأنهم. فلنجعل من مجتمعاتنا بيئات تُمكّن لا تُعيق، تُعلي لا تُقلل من شأن أبطالنا من ذوي الهمم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.