كنت أعد جارنا "عمو أحمد" بمنزلة أبي الذي لم أره، ذلك الأب الذي لم يتح لي القدر أن أراه بعيني، ولكنه كان في حضوره يعوضني عن غيابه بكل ما أوتي من حب وحنان. كان يغدق عليَّ من عاطفته ما يغني عن غياب الأب الحقيقي.
حنان غير مشروط خالٍ من النصائح الثقيلة التي نسمعها من الكبار، وممتلئ بالتدليل والاهتمام، كما لو أنه يعاملني كطفلته الصغيرة التي لا تعرف شيئًا عن قسوة الحياة.
في طفولتي كنت أختلق المشكلات مع أمي، وعندما كانت تهم بضربي كنت أفر هاربة إلى بيت عمو أحمد لأحتمي به. هناك كانت ذراعاه الممدودتان في استقبالي تحيطني بحب لا يعرف الحدود، كان يفتح لي قلبه قبل بابه، ويغمرني بحضنه الذي كنت أجد فيه الأمان الذي لطالما كنت أبحث عنه، كان يستقبلني بابتسامة صادقة ويؤكد لي قبل أن أحكي قصتي "إنتي على حق دايمًا، وماما هي إللي غلطانة، هو فيه حد زيك".
ويجلسني على كرسيه المريح الذي يجمع بين الراحة والطمأنينة، ويشغل الراديو القديم الذي يصدح بصوت عبد الحليم فتتغلغل الأغاني في أذني كما يتغلغل نور الصباح في قلب الظلام، ثم يذهب إلى المطبخ ليحضر لي حلوتي المفضلة.. الزبادي المحلى بالسكر.
أتذكر ابتسامته الراضية وهو يراقبني حين ألتهم الزبادي كقطة صغيرة وجدت الذي أطعمها من جوع وآمنها من خوف.
كان الزبادي بالسكر لي أكثر من مجرد طعام، كان لحظة نادرة من الحب والدفء والحنان.
أستعيد تلك المشاعر كلما أكلت الزبادي المحلى بالسكر، فتعجز حلاوته عن محو مرارة الذكرى.. وأبكي..
رحم الله أبي الذي لم أره، وأسكنه فسيح جناته، ورحم الله عمو أحمد الذي عوَّضني عن غياب أبي، وأغرقني بحنانه ورعايته، وكان حضور قلبه هو ما أحتاج إليه أكثر من أي شيء في هذا العالم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.