تأتي هذه الأبيات الشعرية كأنها فيض من التساؤلات الوجودية، تبدأ بعبارة «ذاك عمر» التي تحمل في طياتها دلالات الفخر والزمان الذي يمضي، تتوالى الأسئلة بنبرة فلسفية، تستعرض مفارقات الحياة وتناقضاتها: من البدر الذي «لا يمرّ» إلى القدر الذي قد لا يسرّ، ومن الفقر المُرّ إلى النصر الذي يطول بشره. كل بيت يحمل سؤالًا عميقًا يثير التفكير في معاني الوجود، القدر، القوة، الضعف، الظاهر، والخفي. إنها دعوة للتأمل في مسار الحياة، والعلاقة بين الإنسان ومحيطه، وكيف تُترجم هذه المعاني إلى فهم أعمق للذات والكون.
قصيدة ذاك عمر
ذاك عمرُ ذاك فخرُ
أين بـــدرٌ لا يمــرُّ؟
ذاك قــدرٌ هل يسرُّ؟
ضاق فجرٌ لا يُــجَرُّ
باعَ دهـــرٌ لا يضرُّ
كيف فقــرٌ فيه مُرُّ؟
طال بشــرٌ فيه نصرُ
كيف ذكــرٌ لا يُغَـرُّ؟
عزَّ ضـــرٌّ إذ يفــرُّ
كيف ســترٌ فيه سحرُ؟
حين يعـــلو كان يألو
كيف يـــجلو ما يبَرُّ؟
كيف وصـلٌ فيه ظلُّ؟
كيــــــف ذلٌّ لا يخرُّ؟
نصر كـــونٍ عند صونِ
أي عــــــونٍ فيه تبرُ؟
أي قـــــــــدرٍ ليس يجري؟
أيُّ مكـــــــــرٍ لا يُصِرُّ؟
أيُّ ذكـــــــــرٍ عند فكر؟
كيف يســـري من يدِرُّ؟
كيف يحوي ما سيذوي؟
كيف ينوي إذ يمر
تساؤلات في الزمان والقدر بين الفخر والضيق
تُستهل القصيدة بـ«ذاك عمرُ ذاك فخرُ» لتربط العمر بالفخر، ربما بما يحمله من تجارب أو إنجازات. يليها سؤال عن «بدرٍ لا يمرّ»، في إشارة إلى الجمال أو الكمال الذي يبقى خالدًا في الذاكرة أو الوجدان، في تضاد مع فكرة مرور الزمن.
ثم ينتقل الشاعر إلى «ذاك قدرٌ هل يسرُّ؟» متسائلًا عن مدى تقبل الإنسان لقدره وما يجلبه من مسرات أو آلام. يُطرح سؤال آخر عن «ضاق فجرٌ لا يُجرُّ»، وهي صورة شعرية تُعبر عن ضيق الأمل أو بداية جديدة لا يمكن تحقيقها، ربما بسبب قيود أو عوائق.
تستمر التساؤلات بـ«باع دهرٌ لا يضرُّ»، ما قد يُشير إلى الزمن الذي يمضي دون أن يترك أثرًا سلبيًا، أو ربما يُشير إلى المفارقات التي يمر بها الإنسان دون أن يتعلم منها بالضرورة.
مفارقات الحياة: الفقر والنصر والذكر
يتعمق الشاعر في المفارقات الحياتية: «كيف فقرٌ فيه مُرُّ؟». هذا السؤال يُسلط الضوء على مرارة الفقر وما يجلبه من قسوة، ربما في عالم لا يُفترض أن يكون فيه هذا الكم من المعاناة. يُقابل ذلك بـ«طال بشرٌ فيه نصرُ»، فيُربط الانتصار بالبشرى والفرح الذي يدوم طويلًا.
ثم ينتقل إلى التساؤل عن «كيف ذكرٌ لا يُغرُّ؟» أي كيف يمكن لذكرى أو لمدح أن يكون خالصًا وصادقًا، لا يخدعه الغرور أو التملق.
تتجسد المفارقة في «عزَّ ضرٌّ إذ يفرُّ»، في إشارة إلى أن الشر أو الضرر قد يصبح عزيزًا أو قويًا عندما يُحاول الإنسان الهروب منه، أو قد يُشير إلى قدرته على التملص.
ويُختتم هذا المقطع بسؤال عن «كيف سترٌ فيه سحرُ؟» فيربط بين الستر والجاذبية أو الجمال الخفي الذي لا ينكشف بالضرورة، بل يزيد من سحره.
تحديات الوجود: الارتفاع والوصل والذل
تُصبح الأبيات أكثر عمقًا في التساؤلات الوجودية: «حين يعلو كان يألو». قد تُشير هذه العبارة إلى أن لحظات العلو والارتقاء قد يصاحبها نوع من التقصير أو التردد.
ثم يُطرح سؤال فلسفي عن «كيف يجلو ما يبرُّ؟» أي كيف يمكن للوضوح أو التجلي أن يُظهر الخير أو الصلاح الكامن. ويُعبر الشاعر عن حيرته في «كيف وصلٌ فيه ظلُّ؟» حيث يُمكن للعلاقة أو الوصال أن يحمل في طياته جانبًا خفيًا أو مظلمًا. يُقدم سؤالًا قويًّا عن «كيف ذلٌّ لا يخرُّ؟» في إشارة إلى حالة من الضعف أو الخضوع الذي لا ينتهي أو لا ينهار، ربما لعمق المأساة أو لالاستسلام الوجودي.
أسرار الكون وغموض الفكر: نهاية التساؤل
تنتقل القصيدة إلى نطاق أوسع: «نصر كونٍ عند صونِ». هذه الصورة تُشير إلى أن انتصار الكون أو الوجود مرتبط بالحفظ والرعاية، وتتساءل عن «أي عونٍ فيه تبرُ؟» في بحث عن الدعم الذي يحمل في طياته قيمة حقيقية وثمينة كالذهب.
تستمر التساؤلات الميتافيزيقية بـ«أي قدرٍ ليس يجري؟» أي هل يوجد قدر ثابت لا يتغير أو لا يمضي، في إشارة إلى الجمود أو الحتمية المطلقة. ويُسأل عن «أيُّ مكرٍ لا يُصِرُّ؟» أي: أي نوع من المكر أو الخداع لا يستمر في الإصرار أو الظهور.
تُختتم الأبيات بتساؤلات عن «أيُّ ذكرٍ عند فكر؟» في ربط بين الذاكرة والفكر، و«كيف يسري من يدِرُّ؟» ما قد يُشير إلى كيفية انتقال الفائدة أو العطاء ممن يمنحه.
أخيرًا، تُختتم القصيدة بسؤالين يتركان القارئ في حالة من التأمل «كيف يحوي ما سيذوي؟» و«كيف ينوي إذ يمر»، ما يُبرز حيرة الإنسان أمام فناء الأشياء والزمن الذي يمضي، والتخطيط للمستقبل في ظل هذا الواقع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.