تُستعمل لفظة ديناميكيَّة أو ديناميَّة -وهما كلمتان دخيلتان- دون ترجمة في اللغة العربيَّة بلفظها الأجنبي سواء في مغرب البلاد العربيَّة أو مشرقها. وكلمة ديناميكيَّة مستعارة من مجال العلوم الفيزيائية. ويمكن ترجمة ديناميكية المجموعات إلى قانون اشتغال المجموعة. ويمكن تحديد مفهومها كالآتي:
«هي جملة القواعد التي تحرِّك سلوك المجموعة وسلوك أعضائها، وكيفية اشتغالها، ووصف ظواهرها النفسيَّة والاجتماعية، وتكوُّنها، والتفاعل والتواصل داخلها، وبنيتها وقواها، والتغيُّرات الحاصلة فيها».
وهذا المفهوم كما يُطلق على مجال معرفي يُطلق على هذه الظواهر المدروسة. ويهتم عادة بالمجموعات محدودة العدد les groupes restreints.
وترجع التسمية والمفهوم Group Dynamics إلى كورت لوين kurt Lewin الذي بدأ استخدامها منذ سنة 1944، وهو عالم نفس من أصل ألماني، هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1934، وهو الذي أسس المحتوى العلمي الأول لهذا الميدان، ثمَّ اهتمت به كثير من المدارس النفسيَّة وتراكمت المعرفة والإضافات فيه.
وقد تأثر كورت لوين بالعلوم الفيزيائية؛ فأكثر استعمال مصطلحاتها ومعارفها و بالمنهج التجريبي، عن طريق بناء فرضيات تكون فيها التجربة المخطط لها أهم أركان إثباتها، أي بتكوين مجموعات تجريبية لفهم كيفيَّة تفاعل المجموعات الطبيعيَّة، وافتراض متغيرات للتعرُّف على تأثيرها وانعكاساتها، وتأثر أيضًا بالسياق التاريخي الذي عاشه، خاصة الحرب العالمية الثانية وما بعدها.
الهدف من دراسة هذا المجال
- المعرفة العلمية وفهم ديناميكيَّة المجموعات وتحليل آلياتها.
- استعمال هذه المعرفة العلميَّة وتطبيقها:
- في التعليم والتكوين والبيداغوجيا والتربية.
- في تنشيط المجموعات.
- إدارة الاجتماعات.
- معرفة سُبل التدخل الناجع في المجموعات، وتغيير السلوك الإنساني الفردي والجماعي.
- استعمال المجموعة وديناميكيتها وسيلة من وسائل العلاج النفسي.
مراحل حياة المجموعة
ما المراحل التي تمر بها المجموعة في حياتها؟ تمر حياة المجموعة بـ:
المرحلة الأولى: مرحلة التكون
وهي مرحلة الانخراط في المجموعة وتعرُّف الأعضاء بعضهم على بعض، وفيها يتخذ العضو خيار الالتزام بالمجموعة قيمًا وأنشطةً ومهماتٍ... ويحاول في هذه المرحلة كل عضو التعرف على دوره والقيام به.
المرحلة الثانية: مرحلة التطور
يتعرف فيها الأعضاء بعضهم على اختلافات بعض، وخصائصهم، ويقع التشارك في الأنشطة وتحقيق بعض الأهداف.
المرحلة الثالثة: مرحلة التوتر
يتجه بعض أعضاء المجموعة إلى اتخاذ مواقف معارضة لمواقف بعض آخر. وتظهر بعض الخلافات الشخصية. ويصعب التواصل بسبب الخلاف واختلاف الآراء، وقد يعرقل بعضهم أنشطة المجموعة، ويظهر الصراع والفرقة، ويضعف أداء المجموعة ونشاطها.
المرحلة الرابعة: مرحلة إعادة التوازن
يسعى قائد المجموعة بمختلف الوسائل إلى إعادة التوازن إلى المجموعة.
المرحلة الخامسة: مرحلة العطاء
تدخل المجموعة مرحلة النضج والقدرة على المردودية والإنتاج المتواصل. ويظهر نجاحها لمختلف أعضاء المجموعة وخارجها أحيانًا، ما يجعل كثيرًا من أفرادها يحرصون على التمسك بها وزيادة فاعليتها، ولكن تظهر من حين إلى آخر بعض المشكلات تكون خفيَّة أحيانًا، وقد تطفو على السطح وتكبر، ويقع في كل مرَّة التصدي لها وإعادة التوازن إلى المجموعة.
المرحلة السادسة: مرحلة الاندثار
إذا كانت المجموعة رسميَّة فإنها في أغلب الأحيان يكون وجودها مرهونًا بزمن محدد أو بتحقيق هدف ما، كما في مجموعة الفصل التي تنتهي بانتهاء السنة الدراسيَّة. وإذا كانت المجموعة غير رسمية فإنها بعد مدة تدخل في مدة قلَّة عطاء، وتكثر الاختلافات والمشاحنات لتصبح صدامات لا يمكن التغلب عليها؛ ما يقودها إلى مدة ركود وعدم مردودية، ويتخلى عنها بعض أعضائها، إلى أن تندثر طبيعيًّا.
التلاحم والتماسك في المجموعة: la cohésion
التلاحم والتماسك في المجموعة هما عنصران أساسيان لنجاح أي فريق أو مجتمع، سواء كان ذلك في بيئة العمل أو العائلة أو الفرق الرياضية أو المجتمعات المختلفة، عندما يوجد تلاحم بين أفراد المجموعة؛ فإنهم يعملون معًا بروح واحدة، ما يعزز التعاون والإنتاجية ويقلل من النزاعات.
ما عوامل التلاحم داخل المجموعة؟
يوحِّد التلاحم أفراد المجموعة بعضهم بعضًا، فتتماسك وتمثل قوَّة وطاقة قادرة على الإنتاج بفعل ذلك. ومن أهم عوامل التلاحم:
- قوة دافعيَّة الأهداف التي تسعى المجموعة إلى تحقيقها وتلبيتها للحاجات الفرديَّة.
- التقارب والتجانس: التقارب في السن مثلًا، والانتماء إلى الوسط الاجتماعي نفسه والطبقة الاجتماعية نفسها، والتجانس في القيم، والقرب الجغرافي في السكنى أو الانتماء إلى المنطقة نفسها؛ كلها عوامل تزيد التلاحم.
- هل يجب أن نختار في الفصل مجموعة من التلاميذ الذين يتوفر فيهم التقارب والتجانس من المنطقة نفسها أو الحي نفسه، أو من الممتازين في النتائج أو المتوسطين أو الراسبين، أو حسب السن... إلخ؟ الواضح أنَّ عامل التلاحم يوفر للمجموعة القوَّة ويدفعها في كثير من الأحيان إلى مزيد من الاجتهاد.فلو افترضنا تكوين فصل من أصحاب النتائج الممتازة فإنه من المنتظر أن تكون قدرة الفصل على تحسين المعدلات أكبر مما لو تفرقوا في أقسام متعددة. وفي المقابل لو كوَّنَّا قسمًا من الراسبين فقد أثبتت التجربة أنه كلما زاد عدد الراسبين في القسم زادت قوَّته، ليس في تحسن النتائج، وإنما في إحداث المشكلات، ويصبح قوة تصدٍّ لما لا يريده تلاميذه داخله وخارجه. و التوصيات الوزاريَّة في توزيع أفراد الفصل أقرب إلى الديمقراطية وعدم إيلاء الاختلافات الجغرافية أو في النتائج....إلخ أهميَّة، وهي تسعى إلى تكافؤ الفرص وإلى تقليل المشكلات باعتبار أنَّ التقارب والتجانس يُحدث لُحمة قد لا يكون مرغوبًا بها من حيث يصبح كل قسم كالطائفة يسعى إلى إفادة نفسه فقط على حساب الآخرين وإلى منافستهم والصدام معهم. ولُحمة فصول مثل هذه تبدد لُحمة المدرسة التي يجب على كل مدير إيقاظها وتفعيلها وتوفيرها بكل الوسائل.
- نجاح المجموعة في أعمالها: المجموعة التي تنجح في أعمالها وتحقيق أهدافها يتلاحم أفردها أكثر.
- منافسة المجموعات الأخرى تكون دائمًا مناسبة لزيادة تماسك أعضاء المجموعة.
- المناخ السائد داخل المجموعة بحيث تكون مجالًا للصداقة والتعاون.
التمـــــاثل: le conformisme
التماثل هو مفهوم يشير إلى التشابه أو التطابق بين أجزاء شيء معين، سواء في الشكل أو البنية أو الوظيفة. ويظهر التماثل في كثير من المجالات.
كيف تعمل المجموعة على جعل التماثل قيمة أساسية داخلها؟
تسعى كل مجموعة إلى الحرص على تماثل أعضاء المجموعة، ويكون ذلك بالانقياد إلى قوانينها والسعي إلى تماثل الأعضاء في اللباس أو الأخلاق أو... وكل خروج عن القاعدة تسعى المجموعة إلى ردعه: les pressions de conformisme:
- بالضغط على كل فرد يسعى إلى الانحراف عنها ضغوطًا نفسيَّة أو ماديَّة ليتجنب ذلك الفعل.
- بانتقاد السلوك.
- بالاستهزاء منه والسخرية.
- بالعزل: عزل العنصر مدة عن المجموعة، وتغييبه عن أنشطتها التي يريد المشاركة فيها، وعدم التفات المجموعة إلى آرائه ومواقفه. وعزل التلميذ من الفصل (رفته أو إقصائه من الدرس) كان يمكن أن يكون أكثر جدوى لو كان ثمَّة لُحمة كبيرة تعاقبه، وأنشطة يُحرم منهما التلميذ، لكنه إجراء إداري لا تأثير له. وكذلك لو وقع العزل من مجموعة التلاميذ لأنه أشدُّ من العقاب فلا يخاطبونه ولا يعينونه ويحس بالعزلة. وعزل الأستاذ يقابله عادة تخفيف من بقيَّة الفصل بالمساندة فلا يكون له أي قيمة.
- الخوف من الإقصاء: كل فرد في المجموعة يفكر كثيرًا قبل أن يريد الخروج عن القواعد المرعيَّة في المجموعة؛ خوفًا من الإقصاء. أيضًا فتعرضه في حال القيام بذلك سابقًا إلى أنواع الضغوطات يردعه.
وهذه المظاهر تظهر بسهولة في مجموعة الفصل في تفاعل التلاميذ بعضهم مع بعض. وقد توكل القرارات الفعليَّة وإن كانت غير رسمية إلى قائد الفصل الذي ليس الأستاذ ونائب الفصل، وتكون تأثيراتها كبيرة لالتزام مجموعة الفصل بها.
الزعامة: le leadership
ما أنواع الزعامة وما خصائصها؟
الزعامة: هي قيادة المجموعة والإشراف عليها وتسييرها. ويكون الزعيم في المجموعات الرسميَّة معينًا: منشطًا أو رئيس العمل... ويكون المدير عادة هو زعيم أغلب مجموعات العمل في المعهد وقائدها بحكم القانون.
وتفرز المجموعات غير الرسمية زعيمًا بالتفاعل، فإذا كان التفاعل إيجابيًا -وهذا ما يحصل عادة- يقع اختيار أقدرهم على تحقيق طموحات المجموعة، وأكثرهم تأثيرًا في أفرادها؛ للمحافظة على العلاقات بينهما.
وتظهر الدراسات في علم النفس الاجتماعي ثلاثة أنواع من الزعامات الأساسية. وهي:
الزعيم الاستبدادي: autoritaire
يسيِّر المجموعة بأوامر يجب أن تُطاع، وهي أوامر تظهر إرادته وتفرض قيمه على المجموعة. وهو صاحب القرار فيها ويقيِّم عمل أعضائها ولا يشارك المجموعة في أنشطتها، وهو بعيد عنها في التواصل والتفاعل. وقد تحقق المجموعة مردودية في الأعمال التي لا تتطلب إبداعًا، ويقابل هذا الزعيم عادة بالحنق وعدم القبول.
الزعيم الديمقراطي/ التشاركي: démocratique/ participatif
يشارك في حياة المجموعة وأنشطتها، ويقترح ولكن لا يأمر، ويدير الحوارات داخل المجموعة، وكل عضو فيها يعبّر عن آرائه دون خوف من تقييمها أو عدم قبولها أو الاستماع إليها، وينال رضا المجموعة. ويدفع المناخ السائد إلى الإبداع وزيادة اللحمة وإلى مزيد الفاعلية، والمجموعة حتى في غيابه قادرة على تسيير نفسها.
وتحقق المجموعة مردودًا ذا جودة أعلى بكثير من مجموعة الزعيم الاستبدادي، ولكنه يكون عادة في الكمية أقل.
المتساهل/ السامح: permissif/ laisser faire
هو الذي يسمح لبقية المجموعة بفعل ما تشاء وتتصرف كما تريد، ويترك الحبل على الغارب ولا يشارك إلا قليلًا في أنشطة المجموعة، وتسير المجموعة دون أهداف أو قائد أو زعيم، وقد ينال هذا النوع من الزعامة الحظوة في البداية، ولكن العمل داخلها غير كافٍ والنتائج هزيلة، وتسترخي المجموعة وتصبح أحيانًا الأمور أقرب إلى الفوضى.
قد يقدم هذا النوع من الزعامة معارف ذات صبغة تقنيَّة منهجية، وما سوى ذلك لا مردود يمكن اعتباره أو يُنسب إليه.
وأغلب الدراسات تتفق على هذه الأنواع الثلاثة من الزعامة، ولكن قد نجد أنواعًا أخرى، فقد أضافت بعض الدراسات نوعين من الزعامة هما:
- الدساس: le manœuvrier: وهو الذي يتصرف ويسيِّر المجموعة مُخفيًا أهدافه ومُظهرًا أخرى، ويريد التأثير بصفة غير مباشرة وملتوية في المجموعة، ويستعمل طريقة الدسِّ. وقد يكون اختياره لهذا النوع من الزعامة ناتجًا عن فشله السابق في الطريقة الاستبدادية.
- الموضح: ELUCIDATEUR: يوضح للمجموعة الأهداف والمشكلات والتمشيات، ثم يكل الأمور إليها. وهو يستعمل طريقة غير موجهة NON-DIRECTIVE.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.