دوستويفسكي.. أديب الإنسانية الأول

لا يوجد شخص في تاريخ الأدب الإنساني أنتج الفن الروائي بطريقة دوستويفسكي، فهو لم يكن فقط الأديب الموهوب في وصف أحداث الحياة المتناقضة التي يمر بها الإنسان بدقة

مقارنة بين دوستويفسكي وعمالقة الأدب الآخرين

فعلى سبيل المثال، يوجد الأديب الفرنسي إميل زولا الذي صوَّر المجتمع تصويرًا واقعيًّا دقيقًا ومن مختلف الجهات كما فعل في رواية "تيريز راكان".

ودوستويفسكي لم يكن الأديب الوحيد الصادق مع نفسه في التماهي مع الأفكار النبيلة التي يؤمن بها وعدم التناقض معها أو التصرف عكس حقيقة ما تدعو إليه تلك الأفكار النبيلة؛ فمواطنه الشهير تولستوي قدَّم مثالًا واضحًا على الأديب المؤمن بأفكاره والمطبق لما تدعو إليه من قيم ومثل عليا على نفسه أولًا.

ثم إنه ليس الوحيد الذي أنتج أفكارًا تدعو إلى تعرية النفس البشرية من كل ما يمنع الوصول إلى حقيقة هذه النفس الغامضة، كما فعل سوفوكليس في مسرحية "الملك أوديب".

رحلة دوستويفسكي إلى أعماق النفس البشرية

الشيء الخارق الذي لم يحدث إلا مرة واحدة في تاريخ الأدب الإنساني هو أن دوستويفسكي قرَّر أن يندفع نحو آبار النفس البشرية بتمهل شديد وعناية مفرطة وبقوة ناعمة، إلى أسفل جزء من كل بئر من آبار النفس البشرية، حيث تعج بالقسوة والكذب والنفاق والأنانية والتناقض وحب السيطرة والجحود والجهل والطغيان والخيانة والحقد والكراهية والجدل بالباطل، وكل الصفات القميئة المنحطة التي تصيب الإنسان بالعجز عن التعبير والرغبة في ذلك من الأساس.

نزل دوستويفسكي إلى هذه الهوة السحيقة ليرى ويُعاين ويغوص فيها. ثم يتسلق جدران هذه الهوة، ولم تتسخ روحه النقية، بل دامى وجدانه، تلعق دموعه جروحه. ثم تأمل ما رأى ليبدأ في وصفه، محاولًا أن يرينا ما رأى، كأننا كنا نرافقه ونشاطره الصدمة ونتقاسم معه الألم، ونسير معًا إلى هدف نبيل وهو الشعور بفداحة وجلل المصاب في أنفسنا. فلربما يتسع الطريق نحو الأمل في بناء إنسان يمقت إيلام الإنسان.

مثال على عبقرية دوستويفسكي: شخصية ستفاروجين في (الشياطين)

والأمثلة في أدب دوستويفسكي أكثر من أن تُعد وتُحصى على ما ذُكِر، وسنكتفي بمثال واحد في رواية "الشياطين"، وهو شخصية ستفاروجين الذي يتساوى لديه الخير والشر، ساديًا يستمتع بتعذيب الناس. أغوى فتاة عمرها إحدى عشرة سنة حتى أنها انتحرت بسبب ذلك دون أن يردعها عن قتل نفسها. ومع كل هذا الإجرام يسامح نفسه ليكمل باقي حياته الإجرامية.

وبذلك، يكون دوستويفسكي ليس الأديب الأول في تاريخ الأدب فحسب، بل هو الإنسان الأول بين كل الأدباء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة