دور جورج سوروس في الأزمة التي ضَرَبَت اقتصادات النمور الآسيوية في نهاية تسعينيات القرن الماضي

في العقد الأخير من القرن العشرين، ضَرَبت أزمَةٌ ماليةٌ طاحنة دول جنوب شرق آسيا، عُرِفَت أيضًا باسم الأزمة المالية الآسيوية، مثَّل هذا حدثًا مهمًّا أثَّرَ تأثيرًا كبيرًا في اقتصادات دول عدة في المنطقة.

اقرأ أيضًا: كيف وصلت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لاقتصاديات الوطن العربي؟

ارتبط جورج سوروس الممول ومدير صناديق التحوط المعروف بالمضاربات على العملات، وتُشير بعض الروايات إلى تورطه في الأزمة.

ومع ذلك، فإن الواقع أكثر تعقيدًا، ومع أن سوروس وغيره من المضاربين أدوا دورًا سلبيًّا إلى حَدٍّ كبير، فإن الأزمة كانت نتيجة لعوامل متعددة.

خلفية الأزمة

بدأت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 وأثَّرت تأثيرًا رئيسًا في تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين. قبل الأزمة، شهدت هذه الدول نموًّا اقتصاديًّا سريعًا، مدفوعًا بالصادرات القوية، ومستويات الاستثمار العالية، وتدفقات رأس المال الكبيرة. ومع ذلك، كان هذا النمو مصحوبًا بزيادة في مستويات الديون، سواء الخاصة أو العامة، وكان جزء كبير من هذه الديون مقومًا بالعملات الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي.

دور تثبيت سعر الصرف

ربطت كثير من دول جنوب شرق آسيا عملاتها بالدولار الأمريكي أو حافظت على أسعار صرف ثابتة. ساعدت هذه السياسة في استقرار عملاتها وجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن مع ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي في منتصف التسعينيات، أصبحت صادرات هذه الدول أقل تنافسية، وتفاقمت العُجوزات في حساباتها الجارية. وفي الوقت نفسه، شجع تثبيت أسعار الصرف على الاقتراض المفرط بالدولار، ما أدى إلى نقاط ضعف في النظام المالي.

الشرارة: انهيار البات التايلاندي

اندلعت الأزمة في يوليو 1997 عندما قررت تايلاند تحرير عملتها، البات، بعد أن استنفدت احتياطياتها من العملات الأجنبية في محاولة للدفاع عن ربط عملتها بالدولار. سرعان ما تراجعت قيمة البات، ما أدى إلى فقدان الثقة بين المستثمرين، وأدى ذلك إلى موجة من الهروب الجماعي لرؤوس الأموال من دول أخرى في المنطقة.

أدى انخفاض قيمة البات إلى "تأثير دومينو"، فقد تراجعت على نحو حاد قِيَمُ الرُّوِبَّية الإندونيسية، والرينجيت الماليزي، والبيزو الفلبيني، والوون الكوري الجنوبي.

دور المضاربين

اتُّهِمَ المضاربون على العملات، ومن ضمنهم صناديقُ التحوط مثل تلك التي يديرها جورج سوروس، بتفاقم الأزمة بواسطة البيع على المكشوف لهذه العملات.

ويشمل البيع على المكشوف اقتراض العملة، وبيعها بالسعر الحالي في السوق، ثم إعادة شرائها بسعر أقل لسداد القرض، ما يحقق أرباحًا من الفَرق. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الضغط النزولي على العملة التي تتعرض فعلًا للضعف، ما يزيد زعزعة استقرارها.

ومع أن صندوق سوروس (Quantum Fund) كان متورطًا في المضاربات على العملات في هذه المدة، لكن من التبسيط الزائد إرجاع الأزمة كلها إلى أفعاله. فقد كانت نقاط الضعف الاقتصادية الكامنة في الدول المتضررة، مثل:

1- المستويات العالية من الديون.

2- الأنظمة المالية الضعيفة.

3- الاعتماد المفرط على تدفقات رأس المال قصيرة الأجل.

هي التي جعلتها عُرضَة للأزمة. واستغل المضاربون، مثل سوروس، هذه النقاط الضعيفة.

اقرأ أيضًا: كيف أصبحت نيجيريا الاقتصاد الأكبر في إفريقيا؟

العواقب والإصلاحات

أدت الأزمة إلى:

1- انكماشات اقتصادية حادة في الدول المتضررة.

2- انخفاضات حادة في الناتج المحلي الإجمالي.

3- ارتفاع البطالة والإفلاس على نطاق واسع.

تدخَّل صندوق النقد الدولي (IMF) بحزم إنقاذ تضمَّنت شروطًا صارمة، مثل إجراءات التقشف، وإصلاحات في القطاع المالي، وزيادة الشفافية.

في السنوات التي تلت الأزمة، نفَّذت الدول المتضررة إصلاحات كبيرة لتعزيز أنظمتها المالية، وتقليل الاعتماد على الديون قصيرة الأجل، وبناء احتياطيات من العملات الأجنبية.

ساعدت هذه الإصلاحات في منع تكرار الأزمة، لكن ذكرى أزمة 1997-1998 لا تزال تؤثر في السياسات الاقتصادية في المنطقة.

الخُلاصَة

مع أن جورج سوروس -وغيره من المضاربين على العملات- أدوا دورًا في الأزمة المالية في جنوب شرق آسيا، لكن أفعالهم كانت مجرد عامل واحد من بين عوامل عدة. نَتَجَت الأزمَةُ أساسًا عن نقاط ضعف اقتصادية أساسية، مثل الاقتراض المُفرط، والتنظيم المالي الضعيف، والسياسات غير المستدامة لسعر الصرف.

استغل المضاربون مثل سوروس هذه النقاط الضعيفة، ولكن جذور الأزمة كانت في الهيكليات الاقتصادية للدول المتضررة.

تظل الأزمة تذكيرًا بمخاطر الديون المفرطة وأهمية السياسات الاقتصادية السليمة في الحفاظ على الاستقرار المالي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة