في سنة 1400م استولى تيمورلنك قائد جيش المغول على حلب، وأقام فيها عددًا من الأبراج من رؤوس الحلبيين، ومكث في حلب مدة حتى دمرها تمامًا، واغتصب جنوده آلاف النساء، وعذبوا أهلها عذابًا رهيبًا، وهدم المنازل جميعها.
ثم ترك تيمورلنك حلب خرابة، واتجه إلى دمشق، لكنه في الطريق واجه جيش المماليك بقيادة السلطان فرج بن برقوق، ودارت بينهما معركة شديدة، وفي نهايتها طلب توقيع هدنة بين الجيشين، وبمجرد الاتفاق على الهدنة، انسحب السلطان فرج بن برقوق بجيشه وعاد إلى القاهرة.
حيلة تيمورلنك لدخول دمشق
بعد انسحاب جيش المماليك، حاصر تيمور دمشق حصارًا شديدًا مدة 40 يومًا، وكانت أسوار دمشق مانعًا قويًّا جدًّا عجز تيمورلنك عن اختراقها، فاضطر إلى أن يلجأ إلى حيلة، وهي أن ينادي على أهل دمشق، ويقول لهم إنه ليس له مشكلة مع أهل دمشق، ولكن مشكلته كانت مع سودون والي دمشق، وأما وقد أصبح سودون تحت يده، فهو لا يريد شيئًا من أهل دمشق، ثم طلب منهم أن يرسلوا له كبير دمشق الآن للتفاوض معه.
فاختار أهل دمشق إرسال قاضي القضاة برهان الدين بن مفلح الحنبلي، وهو عالم كبير وله كثير من المؤلفات في الفقه، فربطوه بحبل وأنزلوه من أعلى سور دمشق، وذهب ليقابل تيمورلنك الذي استقبله استقبالًا عظيمًا، وقال له إن مشكلته مع أهل دمشق هي سودون، وإنه قد ألقى القبض على سودون منذ مدة وسيرحل، ولكن من عادات المغول ألا يرحلوا عن أي بلد قبل أن يأخذوا من أهلها هدايا وذهبًا وسيوفًا ودروعًا ليوزعوها على جنوده.
اقتنع ابن مفلح بهذا الكلام، وعاد إلى دمشق، وقال لهم: يجب جمع ذهب وسيوف ودروع وإرسالها إلى تيمورلنك حتى يأخذ جيشه ويرحل عن دمشق.
اعترض بعض أهل دمشق على هذا الأمر، وقالوا إن هذا الطلب ما هو إلا حيلة استخدمها تيمورلنك في كثير من المدن التي استعصى عليه دخولها، ثم قتلهم واغتصب نساءهم، ولكن مؤيدي الهدنة هاجموا هذا الرأي، ورأوا أنه سيتسبب في خراب دمشق.
جمع أنصار ابن مفلح بعض الذهب والسيوف والدروع، وفتحوا بابًا صغيرًا في سور الحصن، ونقلوها إلى تيمورلنك، لكن تيمورلنك لم يقتنع بما أرسل إليه من الذهب واعتبره شيئا قليلا، وقال: "هذا الذهب لا يكفي ابنتي الصغيرة لترتديه في أثناء خروجها".
عاد ابن مفلح ليجمع مزيدًا من الذهب والسيوف، وظل يجمع الذهب والسلاح ويرسلها لتيمورلنك، وهو يطلب المزيد، حتى أنهى كل الذهب والسيوف التي في دمشق، ثم أمر تيمورلنك بالقبض على ابن مفلح ومرافقيه، وعذبهم عذابًا شديدًا حتى أجبر كل شخص منهم على رسم خريطة لسور الحصن وشوارع دمشق.
ثم أمر تيمورلنك جيشه أن يدخل من الباب الذي فُتِح في السور، ووزع قواته على مناطق دمشق ليدمروها، وعذبوا رجالها، واغتصبوا نساءها، وخربوا المسجد الأموي، وهدموا المنازل وتركوا المدينة خرائب.
المصادر:
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - ابن تغري بردي.
- خطط الشام - محمد كرد علي.
- الحملات المغولية وآثارها الإجتماعية والاقتصادية على بلاد الشام - اكتمال إسماعيل.
- تيمورلنك في دمشق - سليمان المدني.
شكرا على هذه المقالة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.