دور الدواوين في استقرار الحكم المملوكي

كان المماليك يهدفون من اللحظة الأولى التي تمكّنوا فيها من الحكم إلى التحكم بمفاصل الدولة المصرية، وكانوا يريدون إرساء نظام قوي وصلب يستمر بغض النظر عن الحاكم الذي يحكم في الوقت الحالي، حتى إن حدث تحكم على هذا الحاكم يستمر النظام، وهذا ما جعلنا نسأل عن دور الدواوين في استقرار الحكم المملوكي؟

لكي تستمر الدولة يجب أن يوجد نظام يدير كل ركن من أركانها، وإن حدث خلل في هذا النظام يكون هذا إيذانًا بانتهاء الدولة، ومن الممكن أن تنهض دولة أخرى على أنقاضها بنظام جديد، لكن تكمن قوة الدواوين في أنها مستمرة وإن انتهت دولة وأقيمت بعدها دولة أخرى.

ما دور الدواوين في استقرار الحكم المملوكي؟

كانت للدواوين أهمية قصوى في الإدارة، واختلفت أهميتها حسب الحاكم الذي كان يحكم؛ فنجد مثلًا في الظاهر بيبرس كان يهتم بها من أجل إدارة الإمارات والنيابات؛ وذلك لأنه كان يتنقل كثيرًا بين البلدان، وتأثر بأنظمة الحكم والإدارة فيها، ما جعله يحكم الدولة المملوكية بنظام الإدارات والنيابات.

وفي النهاية نجد أنه أرسى نظام الدواوين من أجل السيطرة على مفاصل البلاد والتحكم بها وحسن إدارتها، وكانت توجد مخصصات مالية لكل ديوان حسب أهميته وأعماله، وكان يدار هذا الديوان بدفع الرواتب ومراقبة أعمال المسؤولين عنه وعن غيره من العناصر الإدارية، لكننا نرى أن نتعمق أكثر في الإجابة عن السؤال: ما دور الدواوين في استقرار الحكم المملوكي في السطور التالية.

بفضل الدواوين استحدثت أمور في ذلك العصر قد تكون أمورًا عادية اليوم، لكنها كانت حديثة في ذلك الزمان؛ فنجد في ديوان الإنشاء مهمة مميزة لم تكن موجودة قبل إنشاء هذا الديوان، فقد كان موكلًا بهذا الديوان عدد من المهام الإدارية على مستوى البلد داخل القطر وخارجه، لكن من ضمن المهمات المميزة هي المتحدث الرسمي للسلطان.

فأوجد هذا الديوان فكرة المتحدث الرسمي للسلطان الذي يبلّغ عنه المراسم الملكية والأوامر التي تسري على عامة الشعب وعلى الطبقات المختلفة من هذا الشعب وعلى الجيش أيضًا، وكذلك في حالات الحروب ومواجهة الأخطار التي يمكن أن تنهي حياة البلاد والعباد مثل الخطر المغولي.

مصر في عصر المماليك

فقد كان للمتحدث الرسمي الخاص بديوان الإنشاء دور بارز في إبلاغ قيادات الجيش وقطاعاته وعامة الشعب كثيرًا من الأمور المهمة، وأيضًا في الحالات الحرجة الأخرى التي كانت تمر بها البلاد؛ مثل انتشار وباء الطاعون في أوقات مختلفة من عصر الدولة المملوكية، حينها كان يطلق ديوان الإنشاء كثيرًا من القرارات والأوامر التي تنظم الأمور في البلاد في هذه الظروف الاستثنائية.

تشكيل الدواوين ودورها في إدارة الدولة

تحدثنا في السطور السابقة عن أهمية الدواوين، وأنها كانت مهمة في إدارة الأمور في الدولة المملوكية، ما ساعد على تماسكها واستقرارها إلى أن انهارت على يد السلطان سليم الأول العثماني عام 1517م، وفي السطور القادمة سوف نتحدث عن أهم الدواوين التي وجدت في هذه الحقبة الزمانية، ونبدؤها مع ديوان الجيش.

ديوان الجيش

من المعروف أن استقرار أي دولة مرتبط بقوة الجيش وتنظيمه، لا سيما في العصور الوسطى التي كان السائد فيها انتشار الفكر الإمبريالي التوسعي بالاجتياح العسكري الذي كان يُرسي مبدأ البقاء للأقوى، فيرثي الطرف الأضعف ويشيعه إلى المثوى الأخير.

لذلك اهتمت المماليك البحرية والمماليك البرجية بديوان الجيش المملوكي، فعمل هذا الديوان على إرساء مبدأ الحرب في نفوس الجنود والقيادات العسكرية، فقد كانوا في الأوقات كلها على استعداد لخوض الحروب إما مع الأعداء الخارجيين مثل المغول والصليبيين في مقدمة هؤلاء الأعداء، وأيضًا من أجل صد التمردات الداخلية التي كانت تتمثل في التمرد من داخل الجيش أو القبائل العربية التي كانت تمارس التمرد على مراحل.

الدواوين في عصر المماليك

يتكون الجيش المملوكي من ثلاثة أجزاء، وهم مماليك السلطان، ومماليك الحلقة، والمماليك الأمراء، وكانت تُخصص القطاعات للجيش لكي يصرف على رواتب الجنود والقيادات والمسؤولين والعاملين في الجيش والتابعين له جميعهم، ويقدر راتبَ كل رتبة في الجيش المستوفي.

ديوان الإنشاء

تحدثنا عن ديوان الإنشاء في إشارة سريعة في السطور السابقة، لكن إن كنت تريد أن تعرف المهمة الرئيسة الخاصة به هي مهمة المكاتبات الرسمية التي كانت تجرى بين الدول المملوكية والدول الأخرى، لا سيما عندما تكثر هذه المكاتبات في حالات الحرب بين المماليك والصليبيين والمغول.

لذلك يُختار رئيس هذا الديوان بعناية فائقة، ويجب أن يكون على دراية بكل الألفاظ وكثير من اللغات حتى يتمكن من التعامل مع الأقوام الآخرين الذين لا يتحدثون العربية، لكن يجب أيضًا أن يكون متقنًا لألفاظ اللغة العربية، لا سيما عندما يرسل مكاتبات للخلافة العباسية، وملمًا بالألفاظ التي يذكرها في هذه المكاتبات، وكان ينضم البريد إلى ديوان الإنشاء، ويُعيّن العاملون فيه على أساس النزاهة والصدق.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة