لا يكاد يخلو مسلسل أو فيلم من السخرية أو التنمر بشيء ما، قد يؤذي مشاعر بعض المشاهدين. تارة بالتعيير بالطلاق، أو تأخر سن الزواج، أو عدم الإنجاب، وتارة بالفقر أو المرض، والقائمة تطول.
فهل المعالجة الدرامية تعد تلك الحالات فرصة لجذب المشاهد، وإظهار الضعف الإنساني، ورسم صورة نمطية، قد تضر بمشاعر المئات، وتكرس نظرة المجتمع؟ أم أنه توجد وسيلة أو وسائل تحول هذا الضعف لرسائل أمل؟ دعونا نناقش هذا الأمر المهم، آملين أن يصل كلامنا للمخرجين والكتاب.
اقرأ أيضًا: هل الدراما سبب في انتشار الجريمة؟
المرض الوحش
مع أننا لا نعرف من الذي أطلق هذا الوصف على مرض السرطان، لكنه كثير التداول في الساحة الدرامية، وقد نتجاهل أن مئات الآلاف ممن يشاهدون الأفلام والمسلسلات، هم مرضى بالسرطان. ومن المؤكد أن العمل الدرامي غير مطالب بعرض البحوث والإحصاءات، ولكنه في الوقت ذاته مطالب بإمتاع المشاهدين -بمن فيهم المرضى- بحد أدنى. وعلى المدى البعيد يمكنه أن يسهم في تغيير المفاهيم المغلوطة في المجتمع.
السرطان مرض كسائر الأمراض، وليس نوعًا واحدًا، وبعض الأنواع أقل فتكًا من غيرها، ومعدلات الشفاء أو التقليل من خطره في تطور مذهل، ومراكز البحوث وشركات الأدوية تعمل على قدم وساق لابتكار علاجات جديدة.
لن أستطرد في ذكر الإحصاءات والأنواع وطرائق العلاج، لكن يكفينا أن نعي أن العامل النفسي، والتعلق بالأمل والتمسك بالحياة، من أهم العوامل التي تزيد فرص النجاة.
تخيل يا صديقي مريضًا يدعو الله أن ينزع عنه فراش المرض، فيبدأ يومه بمشاهدة مسلسل، أكثر مشاهده لا تخلو من رسائل سلبية وغير علمية ولا صحيحة، وكأنه أُعد خصيصًا ليصيب المريض بالإحباط والحزن. وبلغة أشد وضوحًا؛ قد تتسبب في قتله.
ألا يُعد ذلك من التنمر؟ هذا إضافة لنظرات الشفقة ومصمصة الشفاه، والنفث مع الهمس "الشر برة وبعيد".
لن نكتفي بالإشارة العابرة، ولكننا سنعرض سويًّا مقترحات مقتضبة كرؤوس أقلام في نهاية المقال.
اقرأ أيضًا: الدراما وتأثيرها في صياغة الأخلاق
أيهما أفضل: العنوسة أم الطلاق؟
كثيرًا ما شاهدنا مسلسلات تنمط شخصية البنت التي بلغت من العمر كذا، ولم يأتها "ابن الحلال" أو "عدلها" أو "قبل ما يفوتها قطر الزواج". وبكل تأكيد تشاهد فتيات مثل هذه الأعمال، فينعكس أثرها السلبي على نفسيتها، وربما رضيت بالزواج من أي شاب، حتى لا تواجه مصيرًا مشابهًا لما تراه ويراه الناس في الدراما.
وعلى الجانب الآخر؛ يصر أكثر صناع الدراما على جعل المرأة المطلقة فريسة، وأنها يجب أن تتقيد بقيود ظالمة، باسم سلطة المجتمع. هذا تنمر واضح ومكرر.
اقرأ أيضًا: إلى أين وصلت الدراما السورية؟
التنمر ببعض المهن
المجتمع الطبيعي يحتاج كل المهن، والأصل أن العمل ما دام مشروعًا، وصاحبه يؤديه بأمانة وإتقان، فعلينا أن نقدره وألا نسخر منه، وستجد عزيزي القارئ فكرة بنت الباشا وابن البواب، يدورها الفن بأنماط مختلفة مع تغير العصر ومقاييس الناس.
الكلمة التي تمرر عبر الكاميرا مسؤولية، ومن الواجب أن تراعي الجمهور وتنوعه، والهاتف المحمول جعل متابعة الدراما ميسرة للجميع.
اقرأ أيضًا: ماذا فعلت الدراما التركية في نفوس أطفالنا؟
هل من حل؟
أولًا: دور النقاد مهم جدًا في تعديل المسار، والاهتمام بالإنسان أيًّا كان، واحترام إنسانيته.
ثانيًا: تحويل الصور النمطية المشحونة بالتنمر، إلى تحديات وفرص، وإظهار حس البطولة في الشخصية المراد تجسيدها، وضرب الأمثلة الإيجابية الناجحة والراضية، بالرغم من المرض أو الفقر أو الحالة الاجتماعية، والمجتمع الواقعي -وليس المتخيل- يزخر بنماذج رائعة وأبطال حقيقيين.
ثالثًا: على سبيل الإبداع والتغيير، يمكن أن تنكسر النماذج المؤذية، لتولد أعمالًا تركز على الإنسان، وقدرته ومحاولته لينجح في رحلته في الحياة، لتتبدل الإيماءات والتلميحات المسيئة لكينونة الإنسان، لنظرة احترام وإكبار وتقدير.
حاولت في هذه الأسطر أن أشير للتنمر غير المباشر في الدراما، والجانب التفاعلي مع المجتمع، وأن الأدب الواقعي يتسع للنماذج الحقيقية، ويستطيع تغيير وعي المجتمع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.