دور الأمم المتحدة عامة ودور منظمتها الثقافية ( اليونسكو) في الاتصال بقلم ناجي عبدالسلام السنباطي

المبحث الأول: الأمم المتحدة وأزمتها (نقص التمويل)

تمهيد: الناظر للخريطة العالمية يجدها في حالة تغير مستمر، ومن نقطة إلى أخرى في عملية تعديلات مستمرة بين مراكز القوة الموجودة في عالمنا المعاصر، وهذا التغير يرتبط بمصدر القوة الذي يحدد في حركة استقطابية لميوله، وحدوده واتجاهاته، والعالم يعيش هذا منذ الحرب العالمية الأولى وقبل ذلك منذ عصور التاريخ إذ كانت التقسيمات دائماً، وحركة الاستقطاب لهذه التقسيمات موجودة وفعالة في تأثيرها، وكان رد العالم على هذا هو محاولة تكوين تجمع يحمي دول العالم من هذه الهيمنة ويحمي العالم أيضاً، من شرور الحروب التي تكون النتيجة الحتمية لتضخم قوي الصراع في العالم ومحاولة كل قوة، السيطرة على موارد الدول الضعيفة وعلى أسواقها أيضاً، وكثرت المحاولات نحو إيجاد كيان في مواجهة كل هذا وفشلت عصبة الأمم أن تقوم بهذا الدور عقب الحرب العالمية الأولى، وجاءت الحرب العالمية الثانية بكل ضراوتها وكان الرد عليها من جانب المنتصرين وبموافقة المنهزمين، وهو تشكيل هيئة الأمم المتحدة في عام 1945م، وقد اتخذت من (نيويورك) في الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها، وتعددت الهيئات والمنظمات التابعة لها، في شكل فروع مختلفة تغطي نشاطات العالم أجمع، وقد انضمّ الكثير من الدول إلى هذه الهيئة وإلى منظماتها منذ توقيع إنشائها وحتى الآن عدا بلدانٍ قليلة، لم تمنح بعدُ استقلالها أو ما زالت محتلة. ·

ويقوم على تشغيلها مجموعة من الموظفين من جنسيات مختلفة بالإضافة إلى عناصر ثلاث تشكل محورها الأساس أو هيكلها الرئيس في رأينا، وهي:

  1. مجلس الأمن.
  2. الجمعية العامة.
  3. المنظمات والهيئات المختلفة التابعة لها.
  4. مجلس الأمن: يتشكل مجلس الأمن من 15 عضواً يمثلون دول العالم كما يأتي: · خمسة أعضاء دائمين، وعشرة أعضاء يُختارون بالانتخاب بطريقة دورية، ومجلس الأمن هو صاحب القرار الأقوى في اتخاذ القرارات، ويشترط للحصول على قرار منه عدم معارضة أي من الأعضاء الدائمين لهذا القرار، والأعضاء الدائمون هم الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة (إنجلترا)، وفرنسا، والصين الشعبيــة (فرموزا من قبل)، وقراراته ملزمة إلا أنها لا تملك قوة التنفيذ الفعلية.
  5. الجمعية العامّة: أمّا الجمعية العامة فتجتمع كل عام في اجتماع دوري في شهر نوفمبر، ولكن هل حققت الأمم المتحدة أهدافها من حيث حل المشكلات الدولية بطريقة السلم بدلاً من الحرب، ومن التعاون بين أعضائها عن طريق المنظمات المنتشرة بين أنحاء العالم؟

الواقع أنّ نجاح المنظمة يرتبط بأن تكون محايدة بين جميع أعضائها، فقد خلقت من أجل أن تكون الحكم المحايد نحو القضايا، ونحو الدول، ونحو شعوب العالم أجمع، حتى لا يؤدي هذا إلى الحد من قدرات الهيئة وجعلها حبراً على ورق.

وتلعب منظمات الأمم المتحدة دوراً مهماً من خلال فروعها المختلفة وتخصصاتها في التنمية، والعدالة، والزراعة، والأغذية، والتعليم، والتربية، ورعاية الأطفال وغير ذلك من المجالات مدعمةً بميزانيات مخصصة لها من جانب الهيئة، وكذلك بالتعاون مع شعوب العالم، والمنظمات الشعبية، والدول الأعضاء، وكذلك بالتعاون المشترك بين المنظمات فيما بينها، وتؤكد هذه الدراسة مدى الدور الذي لعبته هذه المنظمات في بلدان العالم المختلفة خاصة الدول النامية أو التي يطلق عليها دول العالم الثالث.

إلا أنّ الملاحظ أن هذه الأنشطة المختلفة، قد تأثرت بطريقة ما بالضغوط ممّا يعوق تأديتها لخدماتها التي خلقت من أجلها، والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وحيث إن التمويل مهمٌّ لأنشطة المنظمة وفروعها، فيجب أن يلتزم الأعضاء بسداد حصته في المشاركة في ميزانية هذه المنظمات حتى تستطيع أن تقوم بمهامها·

إن قيام هذه الهيئة ومنظماتها كان لغرض نبيل، ويجب أن تسعى الأعضاء لتدعيمها؛ لتحقيق هذا الغرض النبيل، فأيّ مشروع أساس نجاحه التمويل المستمر، فالغرض منها أن يخلع الجميع ثوب الصراعات المسلحة، والصراعات الفكرية، وصراعات الحرب الباردة، وأن يمدّ الجميع أيديهم بالسلام المبني على العدل وبروح التعاون لحل المشكلات في العالم، ولمنع ويلات الحروب، بدعم السلام وإيجاد التنمية السليمة لشعوب كثيرة لم تأخذ حقها من الحياة والعلم والتعليم والتقدم، ولم تأخذ حقها من التنمية المنظمة ومن استغلال مواردها، ولكن الأهداف العظيمة ما تلبث أن تواجه بالمعوقات وتصبح المشكلة عظيمة، في دول العالم الفقير أو ما يسمى كما قلنا بدول العالم الثالث التي تتركز في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولنجاح المنظمة وفروعها هو دعم الإعلام المتوازن الذي يعرض مشكلات العالم الاقتصادية، والاجتماعية بنظرة موضوعية ومتوازنة·

ففي الوقت الذي تنقل وسائل الإعلام الأوربية صورة حسنة لحضارتها ولبيئتها، ثم حدث الاختلال في التدفق الإعلامي، وأخذ مساراً واحداً من الشمال إلى الجنوب، وعمل على تكريس وجهه نظر واحدة وهي التفوق الغربي، ونسي دول العالم الثالث ومشكلاته وقضاياه. 

المبحث الثاني: أهمية إنشاء منظمة اليونسكو:

لقد أهملت العديد من دول العالم في آسيا وأفريقيا، وتضخمت لديها المشاكل، وتعددت وتنوعت، ونبرزها فيما يأتي:

  1. الخلل في الهيكل الاقتصادي نتيجة الاستعمار لمدد طويلة.
  2. عدم وجود الكوادر البشرية المهيئة للقيام بالتنمية بعد مرحلة الاستقلال.
  3. عدم وجود مصادر التمويل السليمة وغير المغرضة.
  4. انتشار الأمراض والجهل والفقر ومستوى المعيشة المنخفض.

من كل ما تقدم نستطيع أن نعرف مقدار ما تعانيه هذه الدول تجاه الدول المتقدمة، التي تمتلك التقنية، والخبرة، والمال والتي تتحكم بهم في سبيل استقطاب هذه الدول الصغيرة والفقيرة على الرغم من وجود التزام أدبي وإنساني وقانوني من جانب الدول المتقدمة تجاه الدول الفقيرة، لم يمثله التاريخ ويثبته، من استيلاء هذه الدول المتقدمة على خبرات هذه الدول الفقيرة لقرون طويلة، وتحكمها بمقدرات هذه الأمم والشعوب.

ويجب على المنظمة دعم الدول في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية،

من هنا كان إنشاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في (16/11/1945م) من أجل القيام بدور كبير في المجالات الآتية: التربية، والعلم، والثقافة، إلا أن الاستقطاب سرعان ما دخل إلى هذه المنظمة في محاولة للسيطرة عليها كما أسلفنا.

وباستعراض نشاط المنظمة في تحقيق أهدافها في مجال التربية، والعلم، والثقافة، وفي مجال التنمية، ومجال التعاون بين الدول لحماية الآثار والحضارات القديمة، وهدفها الأهم والمهم المرتبط بكل هذه المجالات ألا وهو مجال الاتصال، يتضح مقدار الخسارة الضخمة التي لحقت وستلحق بشعوب العالم الأكثر فقراً، من جراء التقليل من أنشطة اليونسكو عن طريق حجب التمويل اللازم والمقرر والمحدد لحصة كل دولة.

وسوف نعرض لنشاط اليونسكو في مجال الاتصال لنبين مقدار الحاجة إلى هذه المنظمة، ولكن دون هيمنة، وذلك من أجل صالح الشعوب عامة.

المبحث الثالث: نشاط اليونسكو في مجال الاتصال:

حيث إن مفهوم الإعلام قد أخذ بعداً جديداً ألا وهو الاتصال، وهو أعم وأشمل، وعلى الرغم من أن عبارة الاتصال لا ترد في اسم اليونسكو، فإن الاتصال يشكل منذ البداية أحد مجالات أنشطة المنظمة حيث يحدد له الميثاق التأسيس ضمن مهامه

تسهيل حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة، والصورة، وهكذا بدأت المنظمة عبر السنوات بإسداء مشورتها للدول الأعضاء بشأن السياسات المطلوب تنفيذها وحصر احتياجاتها في مجال الاتصال.

  1. دور اليونسكو في إنشاء البنية الأساسية للاتصال "الإعلام":

حرصت منظمة اليونسكو على تدريب العاملين في مجال الاتصال "الإعلام"، ووفرت المعاهد التعليمية في هذا المجال، والدورات التدريبية، وحثت على تطوير وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، وعلى إنشاء وكالات الأنباء، وذلك كما يأتي:

تدريب العاملين في ميدان الإعلام، ومن ذلك عقد الحلقات الإقليمية لتدريب العاملين في وسائل الإعلام مثل الحلقة التي عقدت للبلاد العربية في القاهرة عام 1966م، وأسفرت عن توصية (اليونسكو) بالمساعدة في إنشاء معهد إقليمي للإعلام يقام في إحدى الجامعات في إحدى الدول العربية، وتنمية إنتاج الكتب وتوزيعها على اعتبار أن الكتب أمر لازم لانتشار التعليم ونشر الثقافة، والقضاء على الأمية.

لذلك تقوم (اليونسكو) بعقد الاجتماعات للخبراء المعنيين في بعض المناطق الثقافية، وعقد اجتماعات دورية لبحث مشكلة إنتاج الكتب وتوزيعها في الوطن العربي، ونشر وتوزيع النشرات والمطبوعات التي تصدر عن (اليونسكو)، وتخصيص منح دراسية في ظل (اليونسكو)، وتتولى مصر استقبال طلاب المنح من إفريقيا. الاتصال على مستوى العالم:

اهتمت اليونسكو منذ نشأتها بمسألــة تطوير وسائل الإعلام، وكذلك بالمشاكل التي يثيرها هذا التطور، وقد كان مؤتمر (1970م) تعبيراً عن القلق إزاء أخطار الثقافات الدخيلة عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، وحيث إن (اليونسكو) ملتزمة بموجب المادة رقم (1) من الميثاق التأسيسي بالمساهمة في صون السلم والأمن، وذلك عن طريق تعزيز التعارف والتفاهم بين الأمم بمساندة أجهزة الإعلام، وأوصت بعقد اتفاقيات لتسهيل حرية انطلاق الأفكار عن طريق الكلمة والصورة، وكان أهم ما يعوز الوسائل الإعلامية عقب الحرب العالمية الثانية هو نقص الكوادر المؤهلة،

فقد نشرت اليونسكو في عام (1949م) أول دراسة لها عن موضوع "توفير التدريب المهني للصحفيين"، وذلك ليحلوا محل الأجانب في المستعمرات الآخذة نحو الاستقلال، ونتيجة لذلك شرع المركز الدولي للتعليم العالي في الصحافة، والذي أنشئ في (سترا سبورج) سنة (1957م) بمعرفة (اليونسكو) في عقد دورات تدريبية منذ عام (1960م) للصحفيين المنتمين إلى البلدان النامية، ونظم كذلك حلقات دراسية أتاحت للصحفيين من الشرق والغرب ومن البلدان النامية، والبلدان المتقدمة فرصة الالتقاء لمناقشة مشاكلهم المهنية، وفي سنة (1959م) أنشئ في (كيتو) مركزٌ لأمريكا اللاتينية، وبدأ بعقد دورات لأساتذة الصحافة، وما إن انقضت عشر سنوات حتى تضاعف عدد المعاهد الصحفية في المنطقة، وأصبح الكثير منها يطبق مناهج منقحة تستند إلى توصيات مركز (كيتو)، كما يوجد الآن مركزان يعتمدان على معونة (اليونسكو)، ويوفران التدريب للصحفيين الإفريقيين، هما:

- مركز الدراسات في علوم الإعلام الجماهيري، وتقنياته، وقد تأسس سنة (1965م) لتلبية احتياجات الإفريقيين الناطقين بالفرنسية.

- مدرسة الصحافة في الكلية الجامعية في (نيروبي) التي باشرت دوراتها سنة (1970م) للصحفيين القادمين من بلدان ناطقة باللغة الإنجليزية، وفي عام (1965م) أنشئ في (مانيلا) معهد للإعلام الجماهيري، بدأ هو الآخر بفتح حلقات دراسية إقليمية مساهمةً منه في تنمية وسائل الإعلام في آسيا.

وعندما بدأت اليونسكو عملها في هذا الميدان لم يكن بين الدول المسماة اليوم بالبلدان النامية سوى عدد قليل يملك صحفاً على الإطلاق، وهذا العدد القليل كان مفتقراً بالتأكيد إلى المنظمات التي تغذي الصحف والإذاعة بالأخبار، وتغذّيها وكالات الأنباء، ففي عام (1955م) لم يكن في القارة الإفريقية إلا وكالة وطنية واحدة للأنباء، ولكن عدد الوكالات قد وصل إلى (27) وكالة، حتى 1970م بمساعدة (اليونسكو)، وهي في ازدياد مطرد، كذلك ارتفع عدد وكالات الأنباء في آسيا من (19) إلى (24) في خلال 8 سنوات.

واليوم تنتشر وكالات الأنباء في جميع بلدان العالم السادس تقريباً، واليونسكو هي التي نظمت الاجتماعات الإقليمية التي أفضت إلى تكوين اتحاد وكالات الأنباء الإفريقية، ومنظمة وكالات الأنباء الآسيوية في عام 1963م، كما أوفدت بعثات الخبراء لمساعدة بعض الدول الأعضاء ومنها (ليبيا، والكاميرون، ونيبال، وماليزيا) على إنشاء وكالاتها الوطنية للأنباء، وساهمت (اليونسكو) عن طريق مركزي (سترا سبورج، وداكار) الإقليميين في توفير التدريب للصحفيين المشتغلين في وكالات الأنباء.

ومع ازدياد المنظمات التي تزود وسائل الإعلام بالأنباء كانت العلاقات بين هذه الوسائل نفسها في حالة تغير مستمر، فإحصاءات اليونسكو تشير إلى صعود مطّرد في توزيع أجهزة (الراديو)، فـ (جامبيا) التي كان لديها 6 أجهزة لكل ألف نسمة سنة 1960م أصبح لديها 137 جهازاً سنة (1970م)، كما أن أدنى معدل بين البلدان الإفريقية المستقلة 4 أجهزة لكل ألف في زائير، وهو أفضل بكثير من المعدل الذي كان سائداً في معظم دول العالم قبل 20 سنة، أما عدد أجهزة التليفزيون في العالم فقد زاد بمعدل 3 أضعاف تقريباً (حتى تاريخ هذا الإحصاء) من سنة (1959م) إلى (1969م)، وبعد التحسينات التقنية التي أدخلت على هذه الوسيلة، والتعديلات الإضافية التي أتاحت نقل الصور بالألوان، وبث البرامج عبر التوابع الصناعية زاد اليقين بأن التليفزيون لم يعد مجرد وسيلة إعلامية، أو ترفيهية، بل كذلك وسيلة لتعزيز التنمية، ومعيناً تعليمياً عظيماً، والآن انتشرت الحواسب الآلية والإنترنت التي تكاد تغطي كل بقعة من أنحاء العالم سواء في المناطق النامية أو المتخلفة.

  1. دور (اليونسكو) في الإعلام والتنمية:

وقد بدأت التجارب في استخدام وسائل الاتصال في التنمية بكل معانيها، وكانت تسير جنباً إلى جنب مع وضع البنية الأساسية وتنمية المنطقة المختارة حضارياً، ففي الهند مثلاً أجريت بعض التجارب في تعليم المزارعين بواسطة التليفزيون وطلبت معونة (اليونسكو)، واستناداً إلى تلك التجارب تمّ استخدام التليفزيون على صعيد البلاد بأكملها في التعليم المدرسي وغير المدرسي مع التأكيد بنوع خاص على التنمية الزراعية، والصحة، وتنظيم الأسرة.

وقد استدعى ذلك إنشاء عدد كبير من محطات الإرسال التليفزيوني بينما لم يكن هناك قبل ذلك سوى محطة واحدة لبث البرامج من (نيودلهي)، كما استدعى توفير العاملين المتخصصين لتشغيل تلك المحطات، وقامت الوفود المرسلة من (اليونسكو) في أوائل عام (1971م) في إطار البرنامج بإقامة مركز تدريب مؤقت في (نيودلهي)، تخرج منه عدد من الأخصائيين يكفي لإدارة المحطتين الجديدتين اللتين أنشئتا في (سرنجار) و(بومباي).

إلا أن خطة السنوات الخمس الهندية تضمنت إنشاء عدد آخر من المحطات تقام على فترات منتظمة، ثم الشروع في بناء مركز دائم للتدريب التليفزيوني، في (بونا) حيث يوجد معهد الهند للسينما الذي يمارس نشاطه منذ فترة طويلة، ويستهدف المركز الجديد تخريج (200) أخصائي كل عام من المدربين على الإنتاج، والإخراج، وسائر النواحي الفنية للعمل التلفزيوني.

ثم شرع في تنفيذ مشروع مناظر في منتصف عام (1972م)، ويتولاه المجلس الوطني للبحوث والتدريب في مجال التربية في (نيودلهي) لتدريب المعلمين والمدربين على استخدام وسائل الإعلام ولا سيما التليفزيون، وتطوير مناهج مناسبة لمقتضيات هذه الوسائل.

ويسهم برنامج الأمم المتحدة للتنمية في تنفيذ هذه المشروعات بما يزيد على مليوني دولار، في حين تتحمل حكومة الهند حوالي خمسة ملايين دولار، وتعمل اليونسكو على تكرار هذه التجارب في الكثير من دول العالم، وإدخال الراديو والأقمار الصناعية في هذا المجال.

تنميـــة الإعـــلام:

أصبحت اليوم تعني الكثير من حيث ما يتوقع منها تحقيقه، وما تتطلبه من خبرات ونفقات بحيث لم يعد ترك الأمر للأساليب العشوائية التي كانت تتبع في الماضي، وتهدف (اليونسكو) إلى تزويد الدول الأعضاء بمعرفة متزايدة في مجال إعداد النماذج الوطنية، لا من أجل تخطيط وسائل الإعلام بها فحسب، وإنما أيضاً لإقامة مرافق أساسية للتوثيق، تقوم على نظم إعلام موحدة لإتاحة الربط بينها في شبكات أشمل، وذلك أيضاً من أجل تطوير وسائل الإعلام كالراديو، والتليفزيون، والصحف حيث يخضع ذلك لبرامج متكاملة يوضع فيها الإعلام بكافة جوانبه موضع الاعتبار، وترسم له الخطط على هذا الأساس.

و"بحوث الإعلام" لها دور كبير في هذا التخطيط، وقد أخذ القسم المنوط بذلك مهمة نشر دليل لمخططي الإعلام، ووضع مؤشرات للتخطيط في مجاله، وفي عام (1967م) أقيم استقصاء دلّ على إمكانية تنفيذ شبكة إعلامية للإعلام، على ألّا يتم ذلك في صورة جهاز مركزي، وإنّما الربط بين مراكز الإعلام ووسائله المنتشرة في أنحاء العالم، بحيث تتمكن من تبادل المعلومات فيما بينها، وكانت الخطوة الأولى توحيد الرموز، وعقدت عدة حلقات دراسية في (1973م)، (1974م) في كل من إفريقيا وآسيا لغرض التعاون الإقليمي بما يتيح استخدام شبكة تستعين بالتوابع الصناعية لخدمة عدد من البلاد وذلك تطبيقاً لإعلان المبادئ الرائدة لاستخدامات الإذاعة عبر الفضاء لضمان حرية تدفق المعلومات، ونشر التعليم، وزيادة التبادل الثقافي الذي أقر في المؤتمر العام في دورته المنعقدة في عام (1972م).

ونخلص من اهتمام (اليونسكو) بشأن تنمية الإعلام في برامجها البادئة من (1973م) والتي تتمثل فيما يأتي:

  1. العمل على جعل (نتاج العباقرة) في متناول الجميع عبر الشبكة العالمية للإعلام العلمي (اليونيسيست) من أجل الترابط بن الباحثين المعزولين عن بعضهم في أنحاء العالم مما يسهل التعاون، وتبادل المعلومات، وعدم ازدواج المجهود العلمي مما قد يؤدي وجوده إلى عرقلة التقدم.
  2. اتفاقيات تداول المعلومات بشأن:

أ. تبادل الأنباء بين وكالات الأبناء الوطنية.

ب. تقديم المعونة إلى الدول الأعضاء في مجال تطوير صحافتها الدورية.

ج. توفير مواد القراءة اللازمة للتربية المستديمة.

د. تحليل المستويات المهنية بغية وضع مبادئ رائدة لقواعد السلوك المهني التي قد تتبناها الدوائر المهنية المشتغلة في مجال وسائل الإعلام الجماهيري على الصعيد الوطني.

هـ. العمل على الاهتمام بأهمية النشر، وتدعيم واستمرارية المنح الدراسية؛ للتمكين من تجديد المعلومات والخبرات من أجل تبادل الخبرات، والمعارف، والمعلومات مما يعطي للدول الأعضاء الخبرة التي تفتقدها، وتتوافر أولى نظائرها.

الكتاب كوسيلة إعلامية: ·

ورغم أنه وسيلة إعلامية قديمة وحسب إحصاء (اليونسكو) عام (1970م) كان إنتاج الكتب قد صدر منه 546.000 ألف كتاب في عام 1970م فقط، ويمثل زيادة قدرها 50% خلال العشر سنوات السابقة، والآن ما يصدر من الكتب يعدّ بالملايين، إلا أن هذا الإنتاج الضخم يتركز في بعض بقاع العالم دون غيرها، فأوروبا التي لا تضم سوى 13% من سكان الأرض تنشر أكثر من 45% من الكتب، وإفريقيا التي تضم (10%) من السكان لا تنشر سوي (1,5%)، في حين أن آسيا التي يقطنها (56%) لا تنشر إلا (18%).

وهذا الإخلال حدا باليونسكو إلى إعلان عام 1972م عاماً دولياً للكتاب، وقد وجهت (125 دولة) من الدول الأعضاء اهتمامها إلى أربعة موضوعات رئيسة، قررت أولويتها للعام الدولي للكتاب:

  1. تعزيز أعمال النشر، والترجمة، والإنتاج، والتوزيع.
  2. تنمية عادة القراءة، واستخدام الكتب في التعليم.
  3. إنشاء المكتبات، ودوائر التوثيق التقليدي والآليّ، وإجراء البحوث.
  4. تكوين البنية الأساسية الشاملة، بالإضافة إلى توفير الإحصاءات اللازمة والمتنوعة في مجال الإعلام عامة.

وتنطلق (اليونسكو) على نفس الخط، فتعقد المؤتمرات حول سياسة الاتصال في العالم، ففي عام (1982م) تعقد المؤتمرات للبلاد العربية، وفي عام (1985م) عقدت دول أوروبا عدة مؤتمرات معتمدة في ذلك على مواردها الذاتية، وعلى مساهمات الدول ذاتها، والبرامج الأخرى المساعدة وأكبرها مساهمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية والتي تقدر بمبلغ 4 مليون دولار لإقامة البنية الأساسية للاتصال، مثل: إنشاء إذاعة بنجلاديش، في الوقت ذاته تعتني بعدد من المشروعات لا سيما في مجال التدريب.

وهناك دراسات جديدة ابتداء من عام (1982م) فيما يتعلق بالموضوعات الآتية:

  1. آثار الدعاية والإعلان.
  2. إنتاج الرسائل الإعلامية على النطاق الصناعي والمبادلات عبر الأقمار الصناعية (تعزيز).
  3. عقد اجتماعات حول شروط وظروف عمل المراسلين الأجانب.
  4. تعريفات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل الاتصال الموضوعة في خدمة حركات التحرير والصورة التي تقدمها وسائل الإعلام في بلد ما عن بلد آخر، وذلك من أجل:

أ. الإسهام في توفير حرية تدفق المعلومات وتحقيق التوازن في تبادلها.

ب. العمل من أجل إقامة نظام إعلامي جديد، ويشمل بوجه خاص إعداد دراسة عن دور وسائل الإعلام في إقامة نظام اقتصادي، والتعاون مع وكالات الأنباء الإقليمية ووسائل الإعلام في البلدان الصناعية لدراسة وسائل الاتصال، والمستحدثات الجديدة في مجال الاتصال، والإنترنت، والحواسب الآلية وغير ذلك.

  1. وضع إطار لتدفق الأنباء الواردة من العالم الثالث، ودراسة عدد من المسائل كالتوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية، وقضية معالجة وسائل الإعلام لانتهاك حقوق الإنسان، والأدب، والفنون الإباحية، واستقلال وسائل الإعلام، ومشاركة الجمهور فيها وهذا ما تسعى إليه اليونسكو.

المبحث الرابع: ملخص وختام:

 تعرضنا في هذه الدراسة لدور الأمم المتحدة عامة، ودور منظمتها الثقافية (اليونسكو) في الاتصال، وقد تناولنا ذلك في مباحث أربعة، الأول يتعلق بدور الأمم المتحدة ومؤسساتها عامة، والثاني يدور حول أهمية إنشاء المنظمة الفرعية التابعة للأمم المتحدة، والثالث دور (اليونسكو) في الاتصال، والرابع ختام وملخص. 

وقد تبين لنا أن أهداف الأمم المتحدة التي أنشئت من أجلها أصبحت أهدافاً ورقية، حيث تدخلت الضغوطات من بعض الدول في اتخاذ الأمم المتحدة كمطية لتمرير وتبرير أفعالها، ومن ثم فهي استخدمت معايير مختلفة ومزدوجة في تعاملها مع صراعات مختلفة تحت مظلة الأمم المتحدة، فتطبيق معايير الأمم المتحدة يجب أن يكون طبقاً لميثاقها، وهي أنشئت بالطبع لنبذ الحروب ولإفشاء السلام.

 ومن ثم فقدت الأمم المتحدة فعاليتها، وأصبحت مجرد هيكل ورقي ولم تكتف بعض الدول بذلك، بل مارست ضغوطها على المنظمات التابعة للأمم المتحدة والتي تعمل في مجالات التنمية، والثقافة، مثل: برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ومنظمة (اليونسكو) التي تعمل في مجال الثقافة والتربية والعلوم، بل قطعت الحصة المقررة عليها لتيسير عمل المنظمة المذكورة.

وعلى الرغم من أن منظمة (اليونسكو) لعبت دوراً مهماً في أنحاء العالم في مجالات الثقافة والتراث والتعليم والتنمية، بل في المجال الأساسي "الاتصال"، وبالتعاون مع المنظمات الأخرى كما أوضحنا في صلب هذه الدراسة، خاصة في مجال الاتصال بما يشمله من صحافة وصحفيين ووكالات أنباء بما توفّره من فرص التدريب، والدراسات، والبحوث المتعددة التي تقوم بها، واستخدام وسائل الاتصال في التنمية، وفي البيئة أو في مجال التنمية المستدامة، التي تستهدف القيام بتنمية شاملة تشمل الإنسان اقتصادياً، وثقافياً، وتعليمياً، وحياة صحية، وحياة بيئية نظيفة، وعملت المنظمة على إيجاد وسائل إعلام متوازنة في نقلها للمعلومات والأخبار، واهتمت بتراث وآثار الدول المختلفة، وعملت من أجل إيجاد نظام إعلامي جديد يحقق التدفق الإعلامي المتوازن، ووضعت توصياتها في مجال معالجة قضايا الحرية، وانتهاك حرية الإنسان وحقوقه، وعلى الرغم من هذا الدور المهم فإن الضغوط التي تباشرها  بعض الدول قد حدّ من أنشطة (اليونسكو)، بل حدّ من أنشطة منظمات الأمم المتحدة، فإذا أضفنا هذا إلى سيطرة بعض الدول على المنظمة الرئيسة للأمم المتحدة (مجلس الأمن) يتضح لنا أن الأمم المتحدة ومنظماتها قد حادت عن أهدافها، ليس لعيب في ميثاقها، وإنما لعيب في الدور الذي تمارسه بعض الدول من ضغوطات   اقتصادية، واجتماعية، وغيرها مما يعني فشل الأمم المتحدة، وانهيارها لتدخل متحف التاريخ إلى جانب عصبة الأمم مما يهدد السلام العالمي الذي يسعى الجميع إلى المحافظة على وجوده واستمراره ودعمه.

وسوف يؤدي هذا إلى بروز المنظمات الدولية الإقليمية، والعودة إلى سياسة التكتلات الدولية كبديل للأمم المتحدة ومنظماتها.

قائمة المراجع والمصادر.

(اليونسكو): دليل مطبوعات (اليونسكو) 1983م.

(اليونسكو): لمحات عن (اليونسكو) 1974م.

(اليونسكو): لمحات عن (اليونسكو) 1981م.

(العام الدولي للشباب) كتبت عام 1985م.

(اليونسكو): ملحق الميثاق التأسيس لليونسكو.

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ما هي ماذا تفعل وكيف تعمل: كتيب صادر عن المنظمة.

وزارة التعليم العالي، الشعبة القومية للتربية والعلوم والثقافة ملف (اليونسكو): كتاب صدر عام 1967م مكتبة القاهرة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.