دودة بوبيت هذا الكائن البحري المذهل الذي يجمع بين الجمال المخيف والوحشية المفترسة، ويمثل لغزًا من ألغاز أعماق المحيطات التي لا تكف عن إبهارنا، إذا نظرنا لها من منظور علمي، نجد أن دودة بوبيت تنتمي إلى شعبة الديدان متعددة الأشعار، وقد تعرف عليها العلماء أول مرة في مياه النرويج الباردة خلال القرن الثامن عشر.
تبرز دودة بوبيت كائنًا بحريًا غامضًا يثير الدهشة والرعب بأسلوبه الفريد في الصيد، فلا تُعد دودة بوبيت دودة عادية فحسب، بل هي كائن مفترس ببراعة نادرة وحكاية تستحق أن تُروى. من تصنيفها العلمي المعقد إلى آلية صيدها الخاطفة وأصل اسمها المثير للجدل، يحمل هذا الكائن البحري أسرار المحيط في طياته.
يستكشف هذا المقال عالم دودة بوبيت الغامض، بدءًا من مظهرها الفريد وقدراتها الحسية، مرورًا بأساليب صيدها المدهشة، والقصة الصادمة وراء تسميتها، وانتهاءً ببيئتها ودورة حياتها الغريبة، ليكشف لنا جانبًا من دورة حياة دودة بوبيت.
دودة بوبيت (Eunice aphroditois)
حين نتحدث عن مخلوق كأنه خرج من كتاب أساطير بحرية، فنحن بلا شك نقصد دودة بوبيت، فإذا نظرنا لها من منظور علمي نجد أن هذه الدودة تنتمي إلى شعبة الديدان متعددة الأشعار، وقد تعرف عليها العلماء أول مرة في مياه النرويج الباردة خلال القرن الثامن عشر، وتخفي هذه الشعبة مفاجآت كثيرة، إذ تتكون أجسامها من مئات بل قد تصل إلى 1500 قطعة صغيرة متراصة بإتقان، مزودة بقرون استشعار دقيقة تستكشف بها العالم من حولها.

أما إذا نظرنا إلى دودة بوبيت تحديدًا فنجدها أشبه بشبح رملي خفي، لأنها تتسلل تحت السطح ولا تكشف عن نفسها إلا نادرًا، وقد يراوح طولها بين 10 سنتيمترات فقط و3 أمتار كاملة، ومع ذلك من النادر أن يراها أحد بكامل جسدها، لأنها تفضل أن تظل مختبئة، ولا تظهر إلا حين يأتي الليل، وتغلف جسدها شعيرات ناعمة تتلألأ بألوان تتدرج بين الأسود والبني والأرجواني، مع لمعان قزحي يخطف الأنظار، أما عن عيونها فقد وهبها الله 5 قرون استشعار تعد أدواتها السحرية في عالم الصيد الخفي تحت الرمال.
التغذية والصيد لديدان البوبيت
في أعماق الليل حين يسكن البحر وتنام مخلوقاته، تبدأ ديدان بوبيت عرضها الخفي، ولا يظهر منها سوى قرون استشعار دقيقة، يمكن فقط للعين الخبيرة أن تلمحها، فمرشدو الغوص المخضرمون فقط هم من يعرفون كيف يتتبعون هذه الإشارات، إذ تشير بها الدودة من تحت الرمال الناعمة السوداء متربصة بكل ما يمر قريبًا منها، وفي عالمها السفلي تنتظر بصبر، ولا تعرف الملل، حتى تقترب فريسة دون أن تدري، وهنا تحدث المفاجأة، ففي لحظة خاطفة ينطلق الفكان المختبئان داخل جسد الدودة كسهام حادة، فتقبض على الفريسة بقوة مدمرة تقسمها إلى نصفين، وبعد أن تسيطر على فريستها تسحبها بسرعة إلى جحرها، وهناك تبدأ الوليمة بعيدًا عن الأعين.

تسمية دودة بوبيت
قد يبدو اسم دودة بوبيت غريبًا للوهلة الأولى، لكن وراءه قصة أكثر غرابة، فهذا الاسم لا يعود إلى عالم البحار، بل إلى حادثة صادمة حدثت في الولايات المتحدة عام 1993، حينها تصدرت أخبار الزوجين جون ولورينا بوبيت وسائل الإعلام، بعدما أقدمت لورينا في أثناء نوم زوجها على قطع عضوه الذكري، وهو ما أثار ضجة هائلة في العالم، ولم يصمد زواجهما بعدها طويلًا وانتهى الأمر بالطلاق، هذه الحادثة الصعبة كانت ملهمة لتسمية هذا الكائن البحري الشرس الذي يشتهر بهجماته السريعة المفاجئة على فرائسه.
أين تعيش ديدان البوبيت؟
على الرغم من أن ديدان البوبيت تبدو هشة للعين المجردة، فإنها تملك قدرة مدهشة على البقاء في أصعب البيئات على وجه الأرض، صحيح أنها تستطيع أن تختبئ في الأعماق المظلمة للمحيطات، لكنها تفضل الحياة الدافئة بين الشعاب المرجانية الصخرية في البحار الدافئة، حيث تجد هناك ما تحتاج إليه من مأوى طبيعي بين الشقوق والصخور الصغيرة، حيث يمكنها أن تزحف في الخفاء وتترقب الفرائس وتواصل حياتها المملوءة بالمفاجآت.

دورة حياة دودة البوبيت وتكاثرها
يعتقد كثيرون أن ديدان بوبيت تعيش ما بين 3 و5 سنوات في بيئتها الطبيعية، وعلى الرغم غرابة هيئتها؛ فإن دورة حياتها أكثر غرابة، فهي لا تحتفظ بالبيض داخل أجسامها كما تفعل بعض الكائنات، بل تعتمد على طريقة مختلفة تمامًا، فعندما يحين وقت التزاوج تطلق الأنثى مادة كيميائية في الماء تسمى الفيرومون مهمتها جذب الذكر، وعند اللقاء يطلق الذكر حيواناته المنوية في الماء، وتطلق الأنثى بيضها أيضًا ليحدث التلقيح في قلب المياه المفتوحة، ولأن البيض المخصب يبقى مكشوفًا بلا حماية فإنه غالبًا ما يكون وجبة سهلة للأسماك الأخرى، ما يجعل فرص نجاته حتى لحظة الفقس قليلة جدًّا.
تُعد دودة بوبيت نموذجًا مدهشًا على التنوع الغني للحياة البحرية وغرائب مملكة الحيوان، بتصنيفها العلمي ضمن الديدان متعددة الأشعار، وإستراتيجيتها المرعبة كونها مفترسًا يختبئ في الرمال، وقصة اسمها المرتبطة بحادثة حقيقية، ودورة حياتها التي تعتمد على التلقيح الخارجي في بيئات الشعاب المرجانية الدافئة، تظل دودة بوبيت كائنًا يستحق الدراسة والتعجب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.