مائةٌ أقام صروحَها الأمجــــــــــادُ وأتمَّ قمةَ مجـــــــــدها الأولادُ
سعدتْ ليالي العزِّ وهي مــــــدينةٌ لمؤسسٍ ضنَّتْ به الآبـــــــــادُ
ملكٌ عظيمٌ سوَّدتْه مكـــــــــــــارمٌ طربَ البيانُ بصوغها ومـــــدَادُ
"عبد العزيز" عطاءُ عهدٍ مشرقٍ قُطْبُ الرحى سعدُ الزمان عمادُ
دخل البلادَ وقد تزعزع أمنُــــــها قد دغدغتْ أركانَها الأحقـــــــادُ
سبَر القبائل وهي طوع مشــاربٍ شتَّى تفرِّق شملها الأضـــــــــدادُ
جاء السعودُ ونجمُ سعدٍ قد بـــــــدا بالمنشآت يَزِينها الإعــــــــــــدادُ
وتبهجَّتْ دُرر الزمانِ بفيـــــــصلٍ فنوازع للدين فيه شِـــــــــــــــدادُ
ملكٌ أقامَ على الوئام تـــــــــضامنًا دوَّتْ له في العالم الأبعـــــــــــادُ
ولخالدٍ نطقتْ معادنُ فازدهـــــــتْ منها بزاهر عهده أجنــــــــــــــادُ
حفلتْ بعُمرانٍ يشعُ بنهـــــــــــضةٍ رنَّتْ وقد رُصِدتْ لها الأرصــادُ
فاستمطر البترولُ فيضَ نِتــــــاجِه سحًّا تروَّح غِبَّه الأكبــــــــــــــادُ
فأدار دولتَه الزمانُ لخادمِ الــــــــــ ـحرمين ذُخْرًا للأُلى قد ســـادوا
يا خادمَ الحرمين صُنت حِمــــاهما وأفاض أمنا حزمُكَ المعتــــــــادُ
يا مَن غطى أم القرى بمبــــــــاهجٍ شمختْ تضنُّ بمثلها الأمجـــــادُ
وأنلتَ بهجتَها المدينةَ نهــــــــــضةً لمستْ رشاقةَ خدِّها الأشهــــــادُ
فسكبتْ مسجدَها بتبر قــــــــــــلائد فمذهَّب ومرخَّمٌ وجِــــــــــــــدادُ
بهرتْ روائعُك الجمالَ بكعـــــــــبةٍ ملكُ الجمال لحسنها حســــــــَّادُ
فهدُ الإمامُ بهاءُ عهدٍ نـــــــــــاهضٍ قطبُ الرواسي حوله أوتـــــــادُ
ذو الرتبة القعساء بين عــــــــــوالمٍ تنحط عنها الساسةُ الأســـــــيادُ
بعهودكم كُشفتْ وجوهُ حضــــــارةٍ وتفتحتْ لنهوضها الأســــــــدادُ
اقرأ أيضاً مفهوم الشعر العربي الجديد في المجتمع النيجيري ج2
حب الشاعر للمملكة العربية السعودية
قبل الولوج إلى تسليط الضوء على الأفكار الرئيسة في القصيدة، تجدر الإشارة إلى رويِّها، فعلماء فقه اللغة يقولون بمناسبة الأصوات لمعانيها.
فمخرج الصوت يُحدد المعنى الذي يُعالجه الشاعر في شعره، وهذا الصوت يدل على الحالة النفسية عند الشاعر، فصوت الدال من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، وهو وأخوَيه (التاء، والطاء) يُسمون الحروف النطعية، وهو يدل على التفخيم.
ونلحظ أن الشاعر ذكر صوت السين في 16 موضعًا في هذا المقطع، والسر وراء ذلك أنه يُبيِّن سهولة حكم آل سعود في المملكة العربية السعودية؛ لأن صوت السين في مخرجه دليل على الإحساس بالهواء الخفيف الذي ينبثق منه، وهو صوت مهموس.
ونرى من المواضع التي جاء فيها صوت السين أنها مواضع إيجابية وليست سلبية، وذلك قوله: (سعدت، مؤسس، سوَّدت، سعدٌ، سبَرَ، سعود، استمطرتْ، سحًّا، سكبتْ، لمستْ، حسن، مسجد، الرواسي، الساسة، الأسداد).
وهذا دليل على إيجابية حكم آل سعود في المملكة العربية السعودية منذ أن نشأت دولتهم الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في الدِّرعية.
اقرأ أيضاً دراسة شعر الشاعر النيجيري إبراهيم شئت
دراسة الفنون البلاغية
وبقراءة ممعنَة يتجلى للقارئ أن الشاعر يُعيدنا إلى تاريخ آل سعود لمَّا استهل بـ"مائة"، ويمكن للقارئ أن يؤول بأي وجه يريد، لكن في النهاية سيتوصَّل إلى مجد آل سعود في الدرعية عند نشأة دولتهم الأولى كما أسلفنا.
والأمجاد هم الآباء الذين أنشأوا الدولة الأولى والثانية السعودتين قبل الثالثة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
ثم قفز شاعرنا قفزة تاريخية، وبدأ من الدولة الثالثة التي نشأة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، ثم ذكر أولاده الذين تراثوا هذا المجد، وهذا الملك إلى عهد الملك فهد الذي اكتملت هذه الدولة مائةً في عهده، وذكر أهم إنجازات كل الملوك.
ولكن لا يعني سرد الأحداث التاريخية، فالذي يعنينا هو كيف وظَّف الشاعر كلماته في وصف هؤلاء الملوك.
سنعرف كل شيء من خلال دراسة الفنون البلاغية التي وردت في القصيدة، ونحاول أن نكشف عن أسرارها البلاغية، وعما يريد أن يقول.
فالشاعر أحيانًا يعدل إلى التشبيهات الصريحة، والاستعارات الواضحة، ولكن لا نستقصي قبل أن نعرف أن الشاعر من الشعراء التقليديين، فلم يُعطِنا جديدًا من الخيالات الشعرية.
اقرأ أيضاً الفخر في الأدب الجاهلي ( دراسة موضوعية لشعر الفخر عند قيس بن الخطيم )
الشعراء والخيالات الشعرية
بل هو ينطق كما نطق القدامى من الشعراء، وذلك حين شبَّه الملك عبد العزيز بالعطاء والعماد، وأبناءَه بالنجوم والمطر والجمال، فكل هذه الأوصاف تقليدية جاءت في أشعار الشعراء العرب القدامى.
ولكنه فاقهم فقال: "استمطر البترول سحًّا"؛ لأن هؤلاء الشعراء القدامى لم يعرفوا البترول، ولكنه لمَّا أراد أن يصف حال فيضان البترول للناس، جاء بصورة واضحة أمام الناظر، فيعرف المتلقي كيف كانت حاجة السعوديين قبل البترول تهيج إليه، ولذلك قال: "استمطر" و"سحًّا" توكيدًا لهذا الفيضان، والاستمطار يكون من كل جانب، والسح يكون بالانصباب والانسياب.
وهذا الخيال صادق في تصويره لحالة الناس في السعودية قبل اكتشاف البترول في عهد الملك خالد -رحمه الله تعالى-.
ونلحظ أيضًا كيف كان الشاعر يسرد لنا أسماء هؤلاء الملوك، فلما وصل إلى الملك فهد وصفه بخادم الحرمين، ليعرف القارئ أن الملك فهد هو أول مَن تسمَّى بلقب خادم الحرمين في السعودية.
والاستعارات التي استخدمها الشاعر جاءت في محلها، لما رأينا المعادن تنطق في أرجاء البلاد، ويستمطر البترول، وكُشِفتْ وجوه الحضارة التي كانت مختفية، ونرى الشاعر في القصيدة قد أحسن اختيار الألفاظ المناسبة لمواضع هذه الاستعارات.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.