يعتبر الكاتب يوسف إدريس من الكتاب الذين تركوا بصمة معينة في الأدب المصري بصفة خاصة، ونحن هنا بصدد التعرض لإحدى أعمالهوهي قصة المارد.
قد يهمك أيضًا
جوك أدب | إحسان عبد القدوس فارس الرومانسية ومنصف المرأة
مختصر القصة
يحكي لنا الراوي حكاية حدثت له، وهو أنه حين كان يمشي كعادته في الطريق إذا بسيَّارة نصف نقل فَقَدَ سائقها القدرة على التحكم فيها.
ظهرتْ بغتةً أمامه، وأخذت تتقلَّب حتى كادت تَقضي عليه، وكان العقل وقتها مشلولًا لا يعرف سبيلًا إلى النجاة، ومع ذلك تحرَّك الراوي حركاتٍ غير إراديَّة عجيبة مُعجِزة، لم يعلم قبل ذلك أنه قادر على فعلها.
وظلَّ الراوي حائرًا كلما تذكَّر الحيلة التي نجا بها من قبضة الموت، وحاول -في الظروف الطبيعيَّة- أن يفعل ما فعله فلم تُسعفه طاقته، وأخذ يفكِّر في حقيقة تلك القوة الخفيّة الكامنة فينا التي سمَّاها "المارد"، التي تظهر في الوقت المناسب لتأتي بالخوارق.
قد يهمك أيضًا عرض رواية خارج الأسوار للكاتبة صفاء العجماوي.. روايات عربية
الدافع إلى كتابة القصة
الحدس والتخمين قد يوصلنا إلى نتيجة ظنِّيَّة في هذه القضيَّة.. لمَ كتبَ يوسف إدريس هذه القصة؟
يبدو أنها تعرض -في ظاهر الأمر- الطاقة العنيفة والجهد الجبَّار الذي يبذله الإنسان فجأة في الوقت الملائم لينال الخلاص، وثمة شيء بين الراوي والقراء.
فطالب العلم قد يمر بأزمة تتطلب منه أن يحفظ مثلًا ألفيّة ابن مالك في يومين اثنين، فيظل الطالب يبذل جهدًا عظيمًا ويتفاجأ الجميع بأنه قد حفظ الألفيَّة.
واللصّ الذي يدخل دارًا يستيقظ سُكَّانُها وينجو هو منهم في ثوانٍ بأعجوبة لا تكون في الحسبان..
إنَّ الشعور بالخطر القاتل إذا داهم الإنسانَ قد يدفعه إلى اليأس والاستسلام وقد يدفعه دفعًا غير معقول، لإحداث طفرةٍ، وهنا تتحقق المعجزة.
والكاتب هنا يُدرك أن ما نعبّر عنه بـ"الأدرينالين" موجود في جسم كلّ إنسان، وأن البشر يفعلون أحيانًا معجزاتٍ..
الإنسان كائن عجيب، وفيه أسرار تعد ولا تُحصَى، وهذه رسالة عبَّر عنها شاعر قديم:
وتَزعُمُ أنكَ جِرمٌ صغيرٌ •• وفيك انطوَى العالَم الأكبرُ
الكاتب يُخبرنا بأنَّ فينا أشياءَ كثيرةً لا نعرفها، وأنَّ العلم الحديث والمعادلات الرياضيّة والمنطق العقليّ يقف حائرًا إزاءها غير قادرٍ على تفسيرها، فهل يمكن أن تكون هذه الرسالة ردًّا على مَن يفتخرون بالثورة المعرفيّة الحديثة وتقدُّم العلوم والمناهج البحثيّة؟
وقد كان من الممكن أن يُطالع الكاتب المؤلفات الخاصة بـ"طريقة عمل الذهن البشريّ" ويبحث عن مدى قوة الأعصاب، ويبحث عن نبض القلب، وكيف يضخ القلب الدمَ، ومدى سرعته في المواقف الحيويّة المختلفة، ومدى تحمُّل الجسم الإنسانيّ وقدراته.
لكنه أبى إلا أن يتأثر بهذا الموقف العجائبيّ، ويرفض الاستغراق الجاد في تحليله، لأن الاستغراق في التحليل كفيل بإفساد الدهشة والمتعة الباهرة، كما أن وصف شعور السرور أدبيًّا أوقع في النفسِ مِن تحليل هذا الشعور فيزيائيًّا، وحصره في تحرُّكات عضويَّة ظاهرة وباطنة.
قد يهمك أيضًا رضوى عاشور .. معلومات تعرفها لأول مرة عنها ككاتبة وأستاذة وأم !
رسائل يريد الكاتب إيصالها للقارىء
ومن رسائل القصة أيضًا الدعوة إلى المَشي، فالكاتب يتكلم بضمير المتكلم، وهذا نوع من الإيهام بأن الراوي هو نفسه الكاتب، والكاتب هو يوسف إدريس، وهو طبيب يلتمس الشفاء للمرضى والعافية للأحياء.
وللكاتب جمهوره الذي يحبه ويسمع لقوله، وهو يقول في قصته: "أنا ممن يحبون المَشي من أجل المشي" (ص109)، ثم شنَّ الكاتب حملةً مُنفِّرة لركوب الأوتوبيس والسيارة، كأنه يدعونا قائلًا: امشوا، فالمشي مُفيد للصحة.
ومن الرسائل: احتقار العلم الحديث "كنتُ أعتقد أني عرفتُ كل شيء عن نفسي"، فهذا الذي كان يعتقده الكاتب أصبح وهمًا متحطِّمًا.
واحتقار مُنجزات العلم الحديث: فالكاتب وهو يركب السيارة أو الأوتوبيس يشعر أنه جزء من آلة تتحرك به، فهو عبد لهذه الآلة، ولكنه حين يمشي يصبح حرًّا، وينطلق خياله.
بالإضافة إلى أن منجزات العصر الحديث "عربة نصف نقل" كادت تتسبب في قتل الكاتب وهو يمشي، وهو يبرز وجهًا آخر بشعًا للتقدم الحضاريّ.
قد يهمك أيضًا قراءة في رواية "وبعد" للكاتب الفرنسي غيوم ميسو.. روايات عالمية
ظاهرة التمهيد للحدث
من خلال قراءة القصص الأربع التي تضمُّها هذه المجموعة القصصية يتبيَّن لنا أن الكاتب لا يسرد الحدث الجوهريّ مباشرة، وإنما يشرع في تمهيدٍ وتوطئة، وهذا التمهيد يحتوي على إشارة أو إرهاص للحدث الجوهريّ.
إنه يتقدَّم في القصة كما يتقدم في المقال، خطوة خطوة.
كما أن هذه القصة القصيرة تميل في بنائها إلى عدة أجناس أدبيّة مثل فنّ السيرة والمذكّرات وفنّ المقال القصصيّ وفنّ الروايَّة.
فهي مذكرات وسيرة من حيث الحديث عن النفس، وهي مقال قصصيّ أو رسالة أدبيّة من حيث الوعي بالمتلقي وهي فصل من رواية من حيث الترهُّل والاستطراد.
سمات أسلوبية بارزة خاصة بلغة الكاتب
الكاتب يختار عادة أن يستعمل تعبير "هي الأخرى" (يُنظر: ص110)، وهو تفصيح للعبارة العامية المصرية: "هي راخرة"، بدلًا من التعبير الفصيح: "هي أيضًا"، ويفضل أن يقول: "في نفس الوقت" و"نفس الاحتياطات" (ص110) بدلًا من "في الوقت نفسه" و"الاحتياطات نفسها"، وفضَّل استعمال كلمة "السَّرَحان" (أي انشغال العقل بالتفكير في شيء) مصدرًا للفعل "سَرَحَ"، وهو مصدر عاميّ.
أما المصدر الفصيح فهو سراح وسَرْح، واستعمل الفعل "مَحَى" (ص113) بدلا من "محا"، وكلاهما صواب، وإن كان الأول مضارعه "يمحي"، وهو ما لا يُستعمل غيره في العامية المصرية، واستعمل "عتيد" بمعنى "عتيق قديم" في قوله: "رياضيّ عتيد" (ص114).
وقال: "فلستُ رياضيًّا فقط، ولكن من يوم أن قال لي مدرس الرياضة البدنية رأيه بصراحة فيَّ وفي طريقة لعبي وفصلني من القسم... وبيني وبين الرياضة ما صنع الحدَّاد" (ص113).
والتعبير الصحيح يقتضي أن يقال: "لست رياضيًّا، ومنذ قال لي مدرس الرياضة البدنية رأيه بصراحة فيَّ... وبيني وبين الرياضة ما صنع الحداد"، وتعبير "ما صنع الحداد" تعبير عاميّ ومثل شعبيّ مشهور.
قال الكاتب: "أقفز أحيانًا وأنا واقف، وأحيانًا وأنا راقد" (ص114)، وهذا تعبير أظن أن الكاتب قد خانه اللفظ الصحيح فيه، وإلا فكيف يقفز الإنسان وهو راقد؟
وقال أيضًا إنه قد تحلَّق حوله وهو مطروح على الأرض بعد الحادثة، رجال وسيّدات وأطفال (ص113)، والأطفال لا يؤتَى بهم ليشاهدوا مثل هذا الحادث المروِّع الذي وصفه الكاتب بأن الموت فيه كان "شيئًا مؤكدًا مفروغًا منه".
وأن "أغرب شيء أن الناس كلهم أجمعوا على أنهم بلا استثناء كانوا قد تأكدوا تمامًا أني انتهيتُ، وأنهم في طريقهم لرؤية جثة مشوَّهة، إذ مسألة مَصرعي كانت أمرًا مفروغًا منه" (ص113).
وقال أيضًا: "وليس (قفز) إلى الأمام، ولكنه قفز إلى الخلف" (ص114)، و"قفز" هنا خبر "ليس" منصوب.
وقال: "ومع أن المفروض ألا تسير بسرعةٍ مجنونة إلا أنه ليس كلُّ مفروضٍ مَرغوب أو مُطاع" (ص111)، بدلًا من "ليس كلُّ مفروضٍ مرغوبًا أو مُطاعًا".
وقال: "أتذكَّر أنها (أحداثًا) في طفولتي" (ص116)، والصواب: أحداثٌ، وقد يكون هذا خطأ مطبعيًّا، وقد يكون وَهْمًا نشأ عن زيادة "أنها" إلى جملة "أتذكَّر أحداثًا في طفولتي"، فعدَّل المؤلف تركيبَ الجملة، وغفل عن تعديلها نَحويًّا.
ومما يميّز لغة الكاتب استعماله "لا زلتُ"، كما في قوله: "وكيف أني لا زلتُ على قيد الحياة... وأنا نفسي لا زلتُ لا أصدِّقها"، بدلًا من "ما زلتُ".
ويمكن تعليل هذا الضعف اللغويّ بما قاله مصطفى لتغيري: "ومما يستحق التسجيل في هذا الصدد ضعف ثقافة إدريس التراثية العربية، إذ كان، ومنذ نعومة أظافره يلمس في نفسه نفورًا من الثقافة الكلاسيكية العربية"(1).
كما يمكن تعليل استعمال العاميَّة أيضًا بما ذكره مصطفى لتغيري: "وبالوقوف عند لغة يوسف إدريس يمكن أن نسجل أن قناعاته الأيديولوجية أثرت على موقفه من اللغة بحيث أنه عمد إلى العامية في الحوار، دون أن يتحمس للفصحى التي-حسب رأيه-لا يمكن أن تعبر عن توجهات الشعب وطموحاته"(2).
قد يهمك أيضًا الكاتب راغب بوتمجت ينشر روايته الجديدة "سايونارا" الغامضة
المقابلة أو التضاد
قامت هذه القصة القصيرة على نوع من المقابلة بين شيئين مختلفين، ولذلك أكثر يوسف إدريس من الطباق، وهذه شواهد:
"ما أحبُّه وما أكرهه"، "بين رَغَبي فيه وبُغضي له"، "تقف أو تمشي" (ص109)، "شئتُ أم لم أشأ"، "ومهما بلغ تصـوُّري ورفضي لتصوُّري"، "وسواء صدَّقتُ أم لم أصدِّق"(ص114)، "تحبيذًا ولا منعًا" (ص116)، "كملاكنا الحارس وشيطاننا" (ص118).
المناقضة
يقول الكاتب أحيانًا عبارة، ثم يعود ليصوغها صياغة تدل على المعنى المراد، وهذا يحدث كثيرًا في لغة الكلام العاديّ.
وقد كان المؤلف يحكي قصته كاسيًا الحديث العاميّ أصلًا صياغة فصيحة، فبدلًا من حذف العبارة غير المحدَّدة عند عرض القصة على جمهور القراءة يترك المؤلف الصياغة كما هي، إذن هي لغة غير مصطنعة وغير متكلفة... إن الحكاية تتداعى تداعيًا حُرًّا وينهمر تيَّارُها تلقائيًّا مُرسَلًا من دون تنقيح.
ومن شواهد ذلك:
- "وإذا بي أجد نفسي وجهًا لوجهٍ أمام عربةٍ من عربات نصف النقل... والحقيقة ليس بالضبط وجهًا لوجهٍ، إنما الوضع كان كالتالي" (ص 110).
- "كان السائق يسير بسرعة كبيرة، وفجأة انحرفت منه العربة انحرافًا حادًّا لم يعرف سببه، وإن كان السائق قد ذكر أن سببه انفلات في تروس عجلة القيادة" (ص 110).
- "انقلبت العربة، ولم تنقلب مرة واحدة، ولكنها دخلت في سلسلة من الانقلابات" (ص 110).
- "كان مفروضًا... ولم يكن هذا مفروضًا فقط، ولكنه كان شيئًا مؤكَّدًا مفروغًا منه" (ص 110).
وقال الكاتب إنه يفضِّل المشي "لأسباب كثيرة لا أعرف معظمَها" (ص109)، ثم استرسل بعد ذلك مباشرة فذكر أسباب تفضيله للمشي.
وهذا قد يبدو تناقضًا في ظاهر الأمر، ولكنه في الحقيقة استرسالٌ حرّ يتميّز به الحديث العاديّ، فالإنسان حين يحكي قد يقول إنه لا يتذكر شيئًا ثم تتضح له الصورةشيئًا فشيئًا فيشرع في ذكر التفاصيل الكثيرة التي تجعل زعمه الأول لا معنى له.
وكل هذه الشواهد تدل على أن أسلوب الكاتب إطنابيّ استطراديّ غير مختصر.
بل إن استطراد الكاتب يبلغ أوْجَهُ حين يقول: "أوقفوني ووقفتُ معهم" (ص114)، وكان يجوز الاستغناء عما تحته خط.
قد يهمك أيضًا الشخصية التي همَّشها الكاتب في "صراع العروش"
اتخاذ إحدى الكلمات محورًا
يُلاحَظ أن الكاتب في هذه القصة كان ينطق بعبارة، ثم يأخذ كلمة واحدة من تلك العبارة ليستعملها في العبارة التي بعدها، أو يبني على تلك الكلمة "المحوريَّة" ما يَحضره من القول، وهذه شواهد:
- "إلى أنْ حَدَثَ ذلك الحادث... الحادث وقع من زمن... وأصبح الحادث نفسه جزءًا... (ص109).
- "إنك وأنتَ راكب... وأنت في سيارتك... وأنت سائر... وأنت تنقل... وأنت تتحرك... أنتَ حينئذ تحسُّ... أنك نفسك... أنك شباب... أنك حر... أنك حرّ... أنك كائن حيّ... أنك على الأقل قادر"(ص109).
- "أمَا وقد قلتُ لكم أن عقلي... أما والذي فكَّر... أمَا وثَمَّةَ مَصدَرٌ آخَرُ" (ص112).
- " ظللتُ طوال الساعات الأولى أحس... ظللت أحس أن عقلي... أحسّ وكأن قوة أخرى... قوى لا يمكن... قوى لم أكن أدركها... قوى متوجسة... لم ينقطع إحساسي بتلك القوى... أحيانًا أحس... وأحيانًا أحس" (ص115).
- "قلت في نفسي: إنها غريزة... قلت إنه جسدي... قلت: لعلها الصدمة، لعلها الأزمة، لعله الأثر الساحق... لعله اضطرابٌ... لعلني في حاجة إلى رقاد... قلت لنفسي أشياء كثيرة" (ص116). "بأني كائن آخر، بأني لم أعد أبدًا نفس الشخص... بأن شيئا مهولًا وافدًا قد طرأ عليَّ وأصبح هو أنا وأصبحت أنا إياه" (ص116)، "فقد كان الشعور... كان هذا الشعور... شعورٌ مذهل غريب" (ص116).
- "كلما مررتُ بمكان الحادث... أحسّ حقيقةً، أحس بقُشَعريرة، نفسِ القشعريرة" (ص118).
- "ولكنه كائن آخر، قوى أخرى، قوى ماردة خارقة انتفضت من داخل ذلك الشخص، من داخلي... قوة طلعت لي في لحظةٍ... قوى كالجنِّ... القوة كامنة فينا" (ص118).
- "كأختنا... كملاكنا الحارس" (ص118).
ومن خلال هذه الأمثلة يتبيَّن أنَّ الكاتب كان كمن يُلقي بجملة، ثم ينتقي من هذه الجملة كلمة يضعها في جملة جديدة، ثم يُعيد استخدام هذه الكلمة في جملة ثالثة أو يتركها ويأخذ كلمة أخرى.
وهذه الملاحظة ربما تدل على نوع من مَطّ الكلام والسير به حتى النهاية، فالكاتب يُصرّ على البوح بمختلف الطرق، لعله يصل إلى التعبير الوصفيّ الأدقّ.
ولا شك في أن الكاتب قد وجد في "إعادة تدوير اللفظة المستخدمة" نوعًا خاصًّا من التأثير، كأن لتكرار الكلمة طلاوةً وحلاوة في فم الكاتب، فهو يظلّ يلوكها حتى تبلَى.
قد يهمك أيضًا رواية"يوميات نائب في الأرياف".. روايات الكاتب توفيق الحكيم
النزعة إلى التأكيد
تظهر نزعة شديدة إلى التأكيد في هذه القصة، ولا يكون هذا التأكيد غالبًا إلا زائدًا، وهذه شواهد:
"ولا يحلو لي أن أصنع هذا كلَّه" (ص109)، "الموقف حدث كله في لمحة" (ص111)، "ساعاتٍ بأكملها جلستُها" (ص112)، "وبجواري تمامًا... ترقد العربة" (ص112)، "كائن لا صلةَ له مطلقًا بمَن كانَهُ منذ دقائق معدودات" (ص113)، "الناس كلهم أجمعوا على أنهم بلا استثناء كانوا قد تأكدوا تمامًا أني انتهيت" (ص113).
عنصر الزمن في القصة
تتحرَّك القصة في زمنين
زمن عامّ ممتدّ يشتمل حديث الراوي عن مشيه وعن الحادث وعن أيام ما بعد الحادث، وعبَّر عنه بالفعل الماضي أو الزمن الماضي، ويظهر هذا في قول الراوي: "كنتُ أعتقد... حَدَثَ ذلك الحادث... الحادث وَقَعَ... رَوَيتُهُ... التصقتْ... كان السائق يسير... انحرَفَتْ.. لم يَعرِف... ذكَرَ …" (ص109، 110)، "كنت راقدًا... لم تلبث أن غابت... وتولَّتْ... ورفعتُ... امتدَّتْ... كنت أنا بعيدًا..." (ص113).
وزمن حاضر، يظهر مثلًا في قول الراوي: "والآن وأنا جالس إلى مكتبي أقيس الزمن بمقياسه الطبيعيّ لا أستطيع أن أتخيل كيف في مثل تلك الومضات تحدث كل تلك الأشياء، وأفكِّر... وأتذكَّر" (ص111)، "المشهد التالي الذي أذكُره" (ص113).
قد يهمك أيضًا تلخيص كتاب طريقة التفكير سيكولوجية النجاح
عبثيَّة علامات الترقيم
علامات الترقيم المعروفة هي الفاصلة (،) والفاصلة المنقوطة (؛) والنقطة (.) والشرطتان (- -) والقوسان والنقطتان الرأسيَّـتانِ (:) والنقاط الأفقيّة... إلخ.
ولكلّ علامةٍ مدلول في النص يساعد على الفهم، ويساعد أيضًا على القراءة الصحيحة للنصّ، من حيث الوقوف والاستمرار وتغيير نبرة الصوت.
ولم يستعمل الكاتب في هذه القصة إلا الفاصلة والنقطة والنقطتان الرأسيتان والقوسين والنقاط الأفقيّة، وكان استعماله أحيانًا مضطربًا، وهذه شواهد:
- "وكنت أعتقد أني حالما أبتعد. وأصلُ إلى البيت مثلًا. ستنتهي الحالة التي انتابتني وأعود نفس الشخص الذي كنتَهُ قبل الحادث. ولا يُصبح الأمر سوى ذكرى أرويها للناس" (ص115).
- "فالحقيقة لم أستطع أن أنسى الموضوع، وظلَّ، حتى وأنا أرويه لأي مستمعٍ جديدٍ. يشغلني ولا أملُّ التفكيرَ فيه" (ص117).
- "ولأنَّ هذا السبب الأخيرَ سببٌ خطيرٌ في الوقت نفسِهِ. إذْ ليس أخطرَ من السَّرَحانِ أثناءَ السير، فأنا إذا مَشيتُ أراعي دائمًا أن ألازم الرصيف" (ص 110).
- "إذ ما لبثتُ أن بدأتُ أسترجعُ بصورةٍ غيرِ مركّزة أولَ الأمرِ ثم على وجهٍ أكثرَ تركيزًا. ما حدَثَ وعرفتُ هذا حين مرَّت لحظةُ الصفاء الرائعة" (ص113).
لكنَّ الكاتب كان حريصًا على إنهاء كل فقرة بنقطةٍ.
قد يهمك أيضًا حكم وأقوال بنجامين فرانكلين
الصور البيانيّة
استعمل الكناية فقال: "تصرَّفنا بإرادتنا وبأمرٍ من ذلك الجهاز الجبَّار الرابض في جماجمنا" (ص112).
واستعمل التشبيه فقال: "كأنَّ عقلي كان كشكولًا مملوءًا بالمسوَّدات والصُّوَرِ والبُقَعِ والكتابات ثم حَدَثَ ما مَحَىٰ منه كلَّ هذا وأصبح نظيفًا ناصعَ البياض لتَوِّي تسلَّمتُهُ من مخازن المدرسة" (ص113).
ومن التشبيه أيضًا قوله: "عقلي كان قد توقف عن التفكير، كالآلة حين تحمل فوق طاقتها فتتوقف عن الدوران" (ص112).
وقد جاءت المجازيَّات قليلة، لأن الكاتب-فيما يظن الباحث- كان يدفعه سعيٌ إلى التذكُّر وسعي إلى التفكير، فانزوى جهاز التخيُّل جانبًا، ووُضع على حاشية الصفحة.
قطع السرد
يقطع الكاتب كثيرًا السرد ليستطرد استطرادًا فرعيًّا، فمن ذلك: "حالَ عقلي المشغولُ بالخيالات والأحلامِ بيني وبين أن أدرك أن هناك عربة جيش تسير بسرعة مجنونة في الطريق.
المفروض أن تسير في الطريق عربات، ومع أن المفروض ألا تسير بسرعة مجنونة إلا أنه ليس كلُّ مفروض مرغوب أو مطاع، ما علينا" (ص 110- ص111).
قد يهمك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.