دانيال داي لويس فنان يتربع على عرش التمثيل في عالم هوليوود الساحر، كونه أحد أعظم الممثلين في تاريخ السينما إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، مُبهرًا النقاد والجمهور على حد سواء بقدرته الاستثنائية على التقمص والتنوع. يتناول هذا المقال مسيرة دانيال داي لويس هذا الفنان القدير الذي حصد ثلاث جوائز أوسكار لأفضل ممثل رئيس، مُستعرضًا أبرز أدواره الخالدة التي تجسدت فيها عبقريته الفنية وقدرته الفريدة على التحول بين الشخصيات.
ويكشف المقال عن الأسباب المحتملة وراء قراره الصادم بالاعتزال في قمة عطائه، مُسلطًا الضوء على التحديات النفسية والجسدية التي يواجهها أصحاب مدرسة التقمص العميق، فلننطلق في رحلة استكشافية في عالم هذا الأسطورة السينمائية، ونستكشف سر موهبته وتأثيره الدائم على فن التمثيل، ولماذا يترك عبقري مثله الساحة؟ وما سر تلك الشائعات التي تتردد عن عودته؟
أفلام دانيال داي لويس
دانيال داي لويس أكثر فنان حصل على جائزة الأوسكار ثلاث مرات عن أفلام فيلم قدمي اليسرى "My left foot" عام 1990. والثانية عن دوره في فيلم ستسيل الدماء "There will be blood" عام 2008. والثالثة عن دوره في فيلم لينكون "Lincoln" عام 2013، وله عدد من الأفلام الرائعة:
في عام 1989، جسد شخصية فنان وكاتب أيرلندي مصاب بالشلل الدماغي في فيلم «My left foot»، ففاز بجائزة الأوسكار الأولى عن هذا الدور.
ثم أدى دور ناثانيال هوكاي في فيلم «The Last of the Mohicans» عام 1992.
ثم جيري كونلون في فيلم «In the Name of the Father» عام 1993؟
وبعدها بثلاث سنوات عام 1996، أدى دور جون بروكتور في فيلم «The Crucible».
ثم بيل ذا بوتشر في فيلم «Gangs of New York» عام 2002.
ثم دانيال بلاينفيو رجل النفط غليظ الطباع في فيلم «There Will Be Blood» إنتاج عام 2007، ونال جائزة الأوسكار الثانية عن هذا الدور.
وبعد ذلك كان دوره في فيلم «Nine» إنتاج عام 2009، ثم دور أبراهام لينكولن في فيلم «Lincoln» عام 2012 الذي فاز عنه بجائزة الأوسكار الثالثة.
وأخيرًا في عام 2017 جسد شخصية رينولدز وودكوك في فيلم «Phantom Thread» الذي أعلن بعده اعتزاله التمثيل وهو في قمة تألقه وعطائه الفني.. ما دفع معجبيه للاستنكار والتساؤل عن الأسباب التي حدت بممثل في حجم موهبته وتفردها إلى اتخاذ هذا القرار الصادم، فقد تناقلت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي حينها أن «داي لويس» يريد أن يمتهن صناعة الأحذية!
ويبدو جليًّا أن سبب اعتزال «دانيال» هو نفسه سبب تميزه وتألقه، فإن تقمص الشخصيات والتوغل في تفاصيلها يأخذ الكثير من روح الإنسان وشخصيته الحقيقية وسلامه النفسي.. ما يحيله إلى كائن هلامي بلا ملامح، مستعد للتلون مع أول سيناريو يعجبه وأول دور يستفز موهبته، والحقيقة أن المتابع لـ«داي لويس» يعلم أنه يتحضر للشخصيات التي يؤديها تحضيرات مكثفة ويقضي أوقاتًا طويلة لرسم تفاصيل الشخصية، ما يستهلك كثيرًا من الطاقة والجهد ويؤدي إلى التعب النفسي والجسدي.
أضف إلى ذلك أن عددًا من الممثلين أصحاب مدرسة التقمص يجدون صعوبة بالغة في الخروج من الشخصية حتى بعد الانتهاء من التصوير، ما يجعل الإرهاق النفسي مضاعفًا.
مدرسة التقمص في الفن.. المنهجية مقابل التقنية ومقارنة مع أحمد زكي
وفي هذا السياق نجد أن المتخصصين قسموا مدرسة التقمص إلى طريقتين: الطريقة المنهجية (Method Acting) والطريقة التقنية (Technical Acting)، فالطريقة الأولى تركز على الأفكار والمشاعر الداخلية وتعتمد على التعايش والتوحد مع الشخصية، في حين تعتمد الطريقة الثانية على استخدام لغة الجسد والانفعال المدروس لإقناع المتفرج بطريقة بسيطة.
وعلى سبيل المثال ولتوضيح الصورة أكثر، نجد أن الفنان الراحل أحمد زكي ينتمي إلى الطريقة الأولى في التقمص باعتبارها الأصدق والأكثر عمقًا، لكنها، وبشهادة زملاء المهنة، أثرت فيه سلبًا، إذ تحول إلى شخص سريع الانفعال وشديد العصبية، ما أضره جسديًّا وتسبب له في مشكلات صحية، هذا إضافة لاعتراف عدد من الممثلين بأنهم يترددون على أطباء نفسيين خاصة عند أدائهم لشخصيات مركبة تعاني مشاعر معقدة ومتضاربة.
لغز الاعتزال: هل كان النجاح عبئًا؟
ومع أنَّ «داي لويس» لم يفصح عن ماهية الأسباب التي جعلته يتوقف فجأة وينهي مسيرته الفنية الحافلة، فإن مشاهدته في بعض اللقاءات والمقابلات التليفزيونية الشهيرة تؤكد أنه لا يبدو سعيدًا بما قدمه بقدر إحساسه بالقلق والمسؤولية تجاه ما عليه أن يقدمه فيما بعد، خاصةً بعد ما حققه من نجاح مدوٍ، فالنجاح الكبير كثيرًا ما يشكل عبئًا على صاحبه ربما أكثر من الفشل، فيجلس الجمهور منتظرًا يترقب ما سيقوم به نجمه المفضل في الخطوة القادمة.
وأخيرًا فإن وسائل الإعلام تناقلت منذ أشهر خبر عودة «داي لويس» للتمثيل في فيلم من إخراج ابنه... ولكننا لا ندري.. هل يعود حقًا أم أنه يُعدل عن هذا القرار في اللحظات الأخيرة مرتضيًا بالابتعاد عن الساحة الفنية والأضواء التي بقدر ما أعطته.. أخذت منه؟
في ختام مقالنا، يبقى دانيال داي لويس علامة فارقة في تاريخ السينما، ممثلًا استثنائيًا دفع فن التقمص إلى أقصى حدوده، محققًا إنجازات لم يسبقه إليها ممثل في فئته، ولكنه دفع ثمن هذا التفاني من روحه وسلامه، سواء قرر العودة أم اختار الابتعاد نهائيًا، سيظل لغزًا مثيرًا للجدل ومصدر إلهام للباحثين عن الإتقان الفني، وتظل أعماله القليلة نسبيًا كنزًا شاهدًا على موهبة فذة ونادرة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.