خواطر عجوز في العشرين من عمره

(في ليلة الأربعين عندما ألقى الساحر عصاه في كوخ الهاوية)

خلف ضوء شمعٍ باهتٍ وفي ظلال قمرٍ ساطعٍ على طاولتهم المستديرة... وقف هناك في إحدى زوايا الغرفة المظلمة.. يراقبهم بنظراتٍ علتها الريبة.. خمس قبعات سوداء وعشر أيادٍ ملطخة...

لم يكن يريد المجيء إلى هذا الكوخ... ولكنه كان مجبرًا على الاختيار..

إنه يتذكر صديقته مرارة حين أخبرته أنه طريقٌ سريع إلى كل الأشياء.. ربعها الحياة ونصفها الموت. ما زالت كلماتها عالقةً في ذهنه حين قالت له: إذا قرعت الباب عند الدخول، سيكون من العيب أن تخرج قبلهم...

لم يعلم ماذا كانت تقصد حينها.

تناسى أفكاره وحضَّر كلماته المنظمة..

اقترب منهم ببطء وحذر.. خطوةً تلو الأخرى على خشب تلك الأرضية المزعجة... رفعوا رؤوسهم إليه!

اللعنة!

تلك هي الكلمة الوحيدة التي لم تكن منسوجة ضمن كلماته.. ولكن لسانه خانه ونطق بها..

فزع وعاد إلى الخلف وتلعثم من الخوف وارتبك!؟

جسمه تشنج وعقله لم يعد يرى غير خمسة أشباحٍ للأعور الدجال.

لقد كانت خمس عيون فقط تنظر إليه..

والخمسة الأخرى قد اختفت؟!

شعر بقلبه يخفق بشدة حتى تراءى له أن ضربات قلبه قد ملأت تلك الغرفة المظلمة بالضجيج.

خيم الخوف عليه واختفت أفكاره العالقة وتلاشت كلماته المنظمة.

ما الذي يحصل؟ لم يكن هذا بالحسبان..

هل هو حلم أم حقيقة؟ ربما دخل إلى الكوخ الخاطئ.

ولكن لا.. إنه متيقِّن من العنوان الذي أعطته إياه مرارة.

تمالك نفسه وتذكر الطريق الطويلة الموحشة التي قطعها حتى وصل إلى هنا. نفدت منه كل الخيارات الأخرى.. عليه أن يمتلك الشجاعة ويستمر.

قطب حاجبيه باستغراب

ومسح جبينه من العرق

ثم اقترب مجددًا

وبصوتٍ مرتبك قال: ما خطبكم؟

فجاءته الإجابة بالصمت وصوت الأشجار التي يعبث بها الهواء على نوافذ الزجاج.

زاد ارتباكه وأخذت أفكاره تضارب.

فكرة بالهرب وفكرة بالصراخ من الفزع.

ولكنهم ما زالوا يحدقون به بأعينهم الخمسة... لا يستطيع التحرك.

ربما فكرة الكابوس كانت أهون لتفسير هذا الواقع.

حاول إقناع نفسه بذلك... ضرب رأسه في الجدار... قرص يده... ولكن دون جدوى.

عليه أن يتصرف...

لا خيار آخر... إما أن يقترب من تلك العيون الجهنمية وإما أن يعود ليراقب من زاوية الغرفة المظلمة...

نظر إلى يساره... حيث باب الكوخ

لمعت فكرةٌ في رأسه ممزوجة بابتسامةٍ سرعان ما اختفت لتعود ملامح الخوف ترتسم من جديد.

لم يكن هناك باب.... فقط هما كلمتان (ممنوع الخروج).

نفد منه كل شيء وتملكه الشعور بكل شيء.

برودٌ وحرارة... حزنٌ وسعادة... خوفٌ وشجاعة.

تضاربٌ وتناقض أعاده إلى زاوية الكوخ المظلمة.

شُلت حركته وكلماته.. فقط نظراتٌ تلتقي بنظرات..

لم يعد لديه أفكار...

تحسس جيبه وأخرج آخر أمنياته... ذلك الحبر الرخيص والكلمات اللعينة.

نظر في كتيب المذكرات الذي بين كفيه وأخذ يتطلع فيه قبل أن يفتحه من اليسار وبدأ يمرر عينيه على السطور ليتذكر كيف انتهت القصة ومن أين بدأت...

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

حقا جميلة وبها شغف للنهاية
أجدت الوصف والإبداع 🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا على مروركم اتمنى متابعة مقالاتي التاليه 🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أكيد طبعا 🌹❤
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة