خليج الخنازير.. محاولة فاشلة كادت تتحول إلى حرب نووية

قد تعرف أن العلاقات الأمريكية الكوبية كانت دائمًا سيئة من الطرفين وتحمل كثيرًا من التوتر السياسي على مدى أكثر من 50 عاما ومنذ ستينات القرن الماضي، لكن معظم الناس لا يعرفون كيف بدأت هذه العلاقة بين الجارتين اللدودتين، وهو ما بدأ بمحاولة من المخابرات الأمريكية بقلب نظام الحكم في كوبا لكن الأمور كانت تحمل كثيرًا من المفاجآت.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة إلى منتصف القرن ال20 لتتعرف على غزو خليج الخنازير، وكيف كانت لهذه الحادثة تأثيرًا كبيرًا على ما حدث بعد ذلك في العلاقات الكوبية الأمريكية.

كاسترو رئيسا لكوبا

بدأت الحكاية عام 1959 عندما نجح الزعيم الشيوعي (فيدل كاسترو) في ثورته على النظام الحاكم في كوبا، واستطاع هو وزملائه الاستيلاء على السلطة وأصبح رئيسًا لها، وهو ما أثار سخط وقلق الولايات المتحدة الأميركية التي كانت في عداء شديد مع الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، وكان يقود التيار الشيوعي في العالم، في حين كانت أمريكا تمثل القطب الثاني والتيار الرأسمالي.

 إضافة إلى زعامتها المطلقة للنصف الغربي من العالم، وكانت دائمًا كوبا هي أقرب الدول إلى الولايات المتحدة، حيث لا تزيد المسافة بين ساحل ولاية فلوريدا الأمريكية وساحل جزيرة كوبا أن أكثر من 145 كم، وعلى هذا هي مصدر خطر عظيم على أمريكا من وجهة نظر الأمريكيين.

وحينئذ بدأ النظام الأمريكي في العمل على استحداث حل لهذه المشكلة، فقد كان الهدف الرئيس هو إبعاد الشيوعيين عن حكم كوبا، والسعي إلى وصول المعارضة إلى الحكم التي كانت تميل إلى أمريكا، وهو ما يضمن لها ولاء الجزيرة الكوبية وتأمين الحدود الأمريكية من الخطر السوفيتي.

إضافة إلى ذلك كانت أمريكا تخشى كثيرًا من انتشار فكرة الثورة الكوبية إلى باقي دول أمريكا اللاتينية التي تسعى إلى التحرر من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والدخول في المعسكر الشيوعي، إذا نجحت التجربة الكوبية خاصة وأن هذه الدول تمثل خطرًا عظيمًا على الولايات المتحدة على المستوى الجيوسياسي، وهو ما قد يصبح كارثة كبيرة إذا استطاع الاتحاد السوفيتي السيطرة على هذه الدول واستغلالها في الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة.

خطة غزو خليج الخنازير

كانت الخطة التي اقترحتها المخابرات الأمريكية على الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت (دوايت آيزنهاور) تقوم على  قلب نظام الحكم في كوبا والإطاحة بالرئيس كاسترو، بواسطة تدريب اللاجئين الكوبين في أمريكا وإنزالهم في الجزيرة الكوبية بعد تسليحهم بأفضل ما يكون من أجل الإطاحة بالرئيس الكوبي، وتولي شؤون الحكم بمعاونة ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية والمخابرات المركزية التي تتولى التدريب والتسليح والتوجيه والمساعدة في هذه العملية الكبيرة التي عرفت بعملية (زاباتا).

وفعلًا وافق الرئيس الأمريكي آيزنهاور على العملية، وبدأ العمل عليها منذ يوم 17 مارس عام 1960، فقد بدأت المخابرات الأمريكية في تدريب المعارضين  الكوبين الموجودين على الأراضي الأمريكية الذين هرب معظمهم من كوبا بعد استيلاء الشيوعيون على الحكم الذين وصل عددهم في المعسكرات الأمريكية إلى نحو 1400 جندي، دربتهم المخابرات الأمريكية وقوات الدفاع الأمريكية خارج أمريكا في دول (نيكاراغوا وجواتيمالا) وكان التدريب من جميع التشكيلات سواء القوات الجوية أو البرية، فقد كان التدريب يستهدف حرب العصابات والإنزال الجوي، إضافة إلى توفير الأسلحة والمعدات الحديثة لضمان نجاح الخطة.

جون كينيدي

في هذه الأثناء تولى الرئيس الأمريكي (جون كينيدي) الحكم خلفًا للرئيس آيزنهاور، فكان هو الذي أعطى الأمر ببدء عملية (زاباتا) أو غزو خليج الخنازير، وتحديدًا في 15 إبريل عام 1961م وبدأت العملية بهجمات قوية قامت بها الطائرات الأمريكية التي يقودها أفراد المعارضة الكوبية التي استهدفت في البداية ضرب القواعد الجوية الكوبية لإحداث حالة من الفوضى في أثناء الهجوم البري الذي حدث بعد ذلك بيومين.

كوبا تقاوم الغزو

الغريب في الأمر وما لم تتوقعه المخابرات الأمريكية أن القوات المسلحة في كوبا كانت مستعدة تمامًا لهذه الخطة، وكأنها تعرفها وتعرف موعدها بالضبط، فقد كانت المقاومة عنيفة لدرجة أن العملية لم تستمر أكثر من يومين، فقد قبض القوات الكوبية على أكثر من 1100 أسير من المعارضة الكوبية، وقتلت أكثر من 110 معارضين، وكان الأمر أشبه بفضيحة كبيرة للمخابرات الأميركية التي لم تستطع أن تقدم الدعم والأسلحة والذخائر لقوات المعارضة الكوبية.

كذلك كان من أسباب الفشل والخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات المعارضة الكوبية أن المخابرات الأمريكية لم تستطع توفير المعلومات الكافية عن حالة الأرض والأحوال الجوية وعدد القوات الكوبية المتركزة في المنطقة، إضافة إلى الدعم السياسي واللوجستي الذي لم تستطع الحكومة الأمريكية تقديمه للمعارضين، حتى لا يبدو الأمر وكأنها تتدخل في شؤون دولة أخرى، وهي المبادئ التي دائمًا ما تنادي بها أمريكا من قبيل الشرعية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، وهذه الشعارات التي لا تلتزم بها أبدًا.

ودارت بعض الأقاويل التي تتحدث عن تسريب في المعلومات عن خطة غزو خليج الخنازير، فبعضهم يقول إن المخابرات السوفيتية استطاعت بسبب جواسيس لها في أمريكا تسريب الخطة إلى كوبا، وبعضهم يتحدث عن قيام أحد أفراد المعارضة الكوبية بإفشاء أخبار الخطة مقابل العفو عنه من قبل النظام الكوبي.

أزمة الصواريخ

لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد تحول الأمر من فضيحة للمخابرات الأمريكية إلى أزمة كبيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فقد أصبح (فيديل كاسترو) رمزًا لمقاومة الإمبريالية الأمريكية، وهو ما جعل روسيا تدعمه بقوة وتستضيفه مع أخيه (راؤول كاسترو) في قصر الكرملين.

وعلى هذا تطور هذا التعاون إلى نشر مجموعة من الصواريخ السوفيتية على الأراضي الكوبية لحماية كوبا من أي غزو أمريكي محتمل، وهو ما أزعج الإدارة الأمريكية كثيرًا  وجعلها ترد بحصار بحري كبير على جزيرة كوبا، لتمنع الاتحاد السوفيتي من الوصول إلى الجزيرة، إضافة إلى تهديدات واسعة من قبل الإدارة الأمريكية بضرب الصواريخ الروسية على أرض كوبا.

نشر الصواريخ السوفيتية

كان هذا التطور كفيل باندلاع الحرب بين القوتين العظميتين في العالم في ذلك الوقت، وهو ما يعني استخدام الصواريخ والقنابل النووية، لكن الأمر انحل دبلوماسيًّا بعد أسبوعين من الأزمة، فرضخت موسكو للضغوط وسحبت الصواريخ من كوبا نظير سحب واشنطن صواريخ أخرى قد نشرتها في تركيا.

العلاقات الأمريكية الكوبية

كان غزو خليج الخنازير بداية لمرحلة لم تنته من العلاقات السيئة والمتوترة بين الولايات المتحدة وكوبا، ففرضت أمريكا ما يشبه الحصار الاقتصادي والسياسي على كوبا منذ عام 1962 الذي تطور إلى حصار شامل في كل نواحي الحياة عام 1967، إضافة إلى وضع كوبا على قمة قائمة الدول المعادية للولايات المتحدة الأمريكية.

على الرغم من أن الأحداث لم تتجاوز أكثر من 13 يومًا؛ فإنها تركت أثرًا كبيرًا عانت منه كوبا سنوات طويلة، لكنها لم ترضخ أبدًا للنفوذ الأمريكي حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكيكه، وهو ما يتجلى في إنشاء كوبا متحفًا يسمى (متحف خيرون) يعرض كل ما يخص غزو خليج الخنازير، تخليدًا لهذه الذكرى التي كادت تتحول إلى حرب نووية.

وفي نهاية هذه الجولة التاريخية في أحداث غزو خليج الخنازير وتداعيات هذه الأزمة على العلاقات الأمريكية الكوبية نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة. ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.