الحياة رحلة طويلة تكتنفها التجارب والاختيارات، وتتفاوت فيها الطرق والمسارات. ولكن في جوهرها، تكمن مغامرة كبرى للبحث عن الذات الحقيقية، تلك التي تتجاوز حدود التقاليد الاجتماعية وضجيج العالم الخارجي.
إنها دعوة للتأمل الداخلي، لاستكشاف ما يميزنا، وما نفضله وما ننفر منه، وما يجعلنا نقف بثبات وسط تقلبات الحياة.
هذا المقال يأخذك في رحلة لفهم الذات، ومواجهة التحديات، والارتقاء فوق القيود التي تفرضها علينا المجتمعات والتوقعات.
في هذا المقال سأصارحك عن بعض الحقائق التي أدركتها في سن الـ 18.
وجدت أن الحياة ليست سوى مغامرة للبحث عن شخصيتك الحقيقية.
"الإنسان هو شيء علينا تجاوزه"
لم يخطئ نيتشه في قوله الذي قصد به تجاوز الإنسان الراضخ لتقاليد مجتمعه ولسياسة القطيع، أو كما يسميه "التنين الجامح".
فالإنسان خلقه الله لعبادته قبل أي شيء، ومن هذه العبادة التأمل في النفس ومعرفة خصالها المختلفة، وما تستسيغه وما ترفضه.
فعلى سبيل المثال، قد يكون اهتمامك بمجال معين أو نوع من الكتب والروايات دليلًا على تفضيلاتك الشخصية، كأن تفضل الروايات البوليسية على المغامرات، أو تفضل قراءة أعمال أجاثا كريستي على مغامرات توم سوير لماركتوين.
كذلك نجد البعض يميل إلى الأدب على حساب العلوم الطبيعية، وهكذا، الهدف من هذا البحث هو التعرف على ما يمثل عقل الفرد وميوله، فأنت كاتب رواية طموحاتك الخاصة. وكما قال المتنبي:
كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارًا تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
لن ترتقي طموحاتك إلى المعالي إلا بمعرفة حقيقة ذاتك، وسماتها، وما تفضله وما تكرهه طواعية لا إكراهًا.
وهنا تبرز أهمية الخروج عن النص التقليدي المرسوم لنا من قِبَل الآباء والمجتمع، والسير في طريق محفوف بالتحديات.
هذا الطريق شاق، ولن تتقبله إلا إذا تخلصت من الأقنعة الزائفة وسعيت نحو اكتشاف ذاتك الحقيقية.
لن يكترث بأمرك أحد
إن حب الظهور هو آفة مجتمعاتنا، خاصة بين أفراد جيل Z. تتفاقم هذه الظاهرة مع انتشار تطبيقات مثل تيك توك وغيرها، التي تجذب الشباب بحثًا عن نظرات الإعجاب والتقدير، وسعيًا وراء بريق تفاعلات الآخرين.
ومع أي انخفاض في هذه التفاعلات، يصاب الإنسان بالإحباط ويخبو عزمه، لأنه جعل نفسه ريشة رهينةً لرياح التفاعلات التي توجهها كيفما شاءت.
وفي النهاية، لن يكترث أحد لأمرك. وستجد نفسك تندب حظك نادمًا على ترك معيار قيمة ذاتك بيد المعجبين.
اعلم أن أي نار مشتعلة مهما بقيت ستخمد يومًا ما بسبب ريح عاتية، أو مطر هاطل، أو تقلبات الطبيعة.
فاجعل ميزان قيمتك الحقيقي في عيني نفسك، فهي الوحيدة التي ستكترث بك عند غياب دعم الآخرين.
ومن نفسك تستمد إرادة القوة -كما يسميها نيتشه- لتحفزك لتحقيق أهدافك.
حياتك في اختياراتك
"تحدد اختياراتنا ما ستؤول إليه مشاعرنا، ومن ثم معتقداتنا على المدى البعيد، لتصبح سمةً سائدةً في ذواتنا".
لطالما تفكرت بصفتي انطوائيًّا في مدى انعزالي وعدم تحملي للمجتمع وآراء الآخرين، التي شعرت أحيانًا وكأنها سوط الجلاد.
ولكن بعد سماعي لقول د. جو ديسبينزا في أحد أشهر البودكاستات مع جاي شيدي، أدركت أنني أستطيع تغيير نظرتي للمجتمع وآراء الآخرين بمجرد تغيير اختياراتي التي تتمثل في أسئلة مثل:
هل أستطيع التعايش مع هذا العالم الذي طالما شعرت بالذنب تجاه تجاهله؟
أم أستمر كما كنت غير مبالٍ بما ستؤول إليه ذاتي؟
هذه الاختيارات التي نتخذها كل دقيقة دون وعي هي المفتاح. فالوعي هو السلاح الذي يمكِّننا من تغيير معتقداتنا، تلك المعتقدات التي أصبحت جزءًا منا؛ لأننا اعتدنا اختيارها مرارًا وتكرارًا.
ولذا، فإن الخروج من منطقة الراحة هو السبيل للتغيير، وإن كان الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا.
أدِّ الأمثل لكن لا ترفع سقف توقعاتك
أنظر إلى الطالب المجتهد أو الموظف المثابر، وأجدهما حزينين. قد يجيبك أحدهم بأن النتيجة لم تعادل مقدار جهده، أو أن الترقية أفلتت منه للعام الثاني.
إن الطموح هو مصدر أمل الإنسان ونجواه، ولكن الراحة الداخلية تنبع من ضميره وسكونه النفسي نتيجة اجتهاده.
فتذكر أن نتائج الأيام متقلبة، ولا طائل من ربط سعادتك بها، فاجعل ضميرك مصدر إلهامك، وأدِّ واجبك على أكمل وجه ممكن.
إنكار فكرة المثالية
حالما تصدق أنك وصلت إلى المثالية، فإنك تقيد طموحك وتثبط عزيمتك. ليست المثالية وجهة وصول، بل جسرًا إلى أهداف أعلى.
فاحذر الركون إلى إنجازاتك السابقة، واجعلها حافزًا للاستمرار.
لا تسمح لأحد بانتهاك حدودك الشخصية
بعض الأشخاص يذيبون الحدود الشخصية ويتجاوزونها دون مبالاة، خاصة عند الغضب. احمِ خصوصيتك وطموحاتك. حدودك أغلى من أن يتحكم فيها الآخرون.
في النهاية، لن يصنع أحدٌ مستقبلك، ولن يمنحك الآخرون تعريفًا لذاتك الحقيقية. إنها مهمتك وحدك، ومسؤوليتك التي تستحق كل جهد وسعي.
عش حياتك بقوة ووعي، حافظ على حدودك، وتعلم كيف تُخرج من داخلك أفضل ما فيك دون أن تنتظر تصفيق الآخرين.
فقط من خلال هذا التوازن بين الطموح والتواضع، وبين البحث عن الذات والوعي بالاختيارات، يمكنك أن تحيا حياة تمثل حقيقتك، لا نسخةً مكررة من الآخرين.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.