في مسار العلاقات الإنسانية والاجتماعية نجد أنفسنا وكأننا في رحلة لا نهائية، إنها محطات حياتية نجد فيها جميع أنواع وفئات البشر، فكلما صعدنا نحو مراحل متقدمة ومع تقدمنا في العمر، نجد أنه لا مفر من تكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، وتلك هي سنة الحياة.
والإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي لا يستطيع استكمال رسالته على الأرض دون صحبة غيره من البشر، سواء في هيئة شراكة اجتماعية أو زوجية، لكن في كل الأحوال الإنسان هو المسؤول الأول عن جودة علاقته الاجتماعية وتوفير عوامل نجاح هذه العلاقات؛ وذلك بسبب الأثر العميق الذي تطبعه تلك العلاقات في نفس وشخصية الإنسان، لذلك فالعلاقات الإنسانية تُصنف إلى نوعين لا ثالث لهما "علاقات صحية داعمة"، أو "علاقات سامة مؤذية".
العلاقات عامةً تؤثر في جودة حياة الإنسان بوجه عام، فكلما كانت العلاقة داعمة وصحية للفرد انعكس الأثر الإيجابي في نفسه وحياته، وعلى النقيض كلما اتسعت رقعة العلاقات السامة في محيط الفرد انعكس ذلك سوءًا وسلبية مضرة على حياته؛ لذلك سنتناول الآن أثر أنواع العلاقات الاجتماعية في الصحة النفسية والجسدية للإنسان.
أولًا: العلاقات الصحية الداعمة
تتشكل تلك الأنواع من العلاقات في ثوب الشعور المعزز للأمان النفسي وذلك الثواب للعلاقة يبدو دومًا، وكأنه مطرز بالعطاء المتبادل بين الطرفين وعاطفة المودة والدعم النفسي والمعنوي الذي يتجلى دومًا في شتى المواقف الحياتية التي يمر بها كلاهما، فذلك النوع من العلاقات يخلو تمامًا من مظاهر الاستنزاف العاطفي أو امتصاص الطاقة، فكلاهما يمد أواصر المحبة والمشاركة الحميدة، لكن مع الحفاظ على المساحة الشخصية والخصوصيات الخاصة بهما.
ذلك النوع من العلاقات يا عزيزي لا يوجد فيه شبهة الخلط بين الجدية والمزاح، فلن تجد سوى الاحترام الذي يسود العلاقة، ولا يمتد أبدًا إلى أي نوع من أنواع التطاول اللفظي أو الجسدي، فلا مكان إلى ما يُدعى بالتنمر على أي صفة مختلفة عند الآخر، تلك العلاقات السوية لن تجد فيها سوى الاعتدال والاستقامة المنشودة على أكمل وجه، ولكن لأننا جميعًا بشر نصيب ونخطئ فالخلاف هو أمر وارد حتى في العلاقات الصحية، لكن الخلاف يكون عن غير عمد، وسرعان ما نجد الطرف المخطئ يبادر سريعًا للاعتذار والإفصاح عن سلامة نيته مما صدر منه.
لكن ماذا عن الأثر النفسي والجسدي من ذلك النوع من العلاقات؟
دون أدنى شك أن للعلاقات الصحية أثرًا إيجابيًّا غائرًا في نفس الإنسان، إذ ينعكس الدعم النفسي فيها على تعزيز ثقة الفرد في نفسه وقدراته، فهي كوقود يشحن الصحة النفسية بالقوة الذاتية المرغوبة في الحياة، فضلًا على أن تلك العلاقات تحمي أصحابها من مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والتوتر النفسي، فإذا شارك أحدهم مع صديقه مشكلة تؤرق نومه، فبإمكان ذلك الصديق أن يخفف عن صديقه أثر المشكلة ويجد له حلولًا عدة، ولن يتأخر عن تقديم أي نوع من الدعم والمساندة؛ ما يُدخل مشاعر الاطمئنان والانفراج على الآخر ويغدو من بعد ذلك مطمئن القلب وهادئ البال.
هذا الأثر النفسي الإيجابي، سينعكس هو الآخر على الصحة الجسدية، فالعلاقات الصحية الداعمة يمكنها أن ترفع عن الإنسان فرص التعرض إلى نوبات الاضطراب القلبي وضغط الدم المرتفع، حتى أيضًا مرض السكر الذي يظل معتدلًا ما دام الإنسان يحيط نفسه بشبكة علاقات داعمة.
ثانيًا: العلاقات السامة المؤذية
ذلك النوع من العلاقات هو بمنزلة آفة العصر، وجميعنا تعرَّض للأسف مرات عدة لتلك العلاقات السامة، فهي علاقة أشبه بفقاعة ظلامية ظاهرها الحب المزيف والخداع المتلون، وفي باطنها حدِّث ولا حرج عن السيطرة والتلاعب والاستغلال، فضلًا على تقليل الشأن في سياق المزاح والدعابة المغلفة بالسموم النفسية.
ستجد دومًا في السياق النفسي للعلاقات النفسية، يوجد طرف هو الذي يعطي والآخر هو الذي يتلقى، يوجد طرف هو مصدر للطاقة الإيجابية والآخر هو الذي يتغذى عليه ويمتص طاقته، وتكون تلك العملية بالابتزاز العاطفي والشكوى التي لا تنقطع من مشكلات الحياة التي يتعرض لها، حتى إنه صائد ممتاز للأخبار السلبية التي يبثها في وجه الطرف الآخر.
داخل هذا النوع من العلاقات لا مكان للتوازن ولا الاستقامة، فكل شيء قائم على المصالح والانتفاع بأحدهما، وإن وُجد الدعم يوجد بأسلوب سطحي لأنه يكون غير صادق ولا نابعًا من نية نبيلة.
لكن ما الأثر النفسي والصحي الذي تسببه تلك العلاقات؟
للأسف العلاقات السامة هي اسم على مسمى، فهي مثل السم الذي يتجرعه الإنسان كل يوم بجرعات متفاوتة، فأول الملامح التي تبدو دومًا على الشخص الذي يتعرض للتلاعب داخل العلاقة، هو المزاج المتقلب، فضلًا على الهشاشة النفسية التي قد تصيب الإنسان داخل تلك العلاقات، فلا مجال للثقة ما دام الآخر مستنزفًا للطاقة ويقلل من شأن الآخر ويتنمر عليه، ولن ننسى مشاعر القلق واضطراب النوم الذي يجتاح الإنسان بسبب نقص الدعم في العلاقة، وأنه يجد نفسه يعطي ولا يأخذ غير الأذى.
أما إذا أردنا الحديث عن الأثر الجسدي سنجد أن أغلب الأشخاص الذين يعانون مشكلات القلب والسكر وضغط الدم أو حتى الجلطات الجسدية، نجد أنهم وبكل أسف محاطون بعلاقات سامة تتغذى عليهم.
لذلك يجب على الإنسان أن يدرك أن تلك العلاقات ما إلا عبئًا نفسيًّا خطرًا يهدد صحته النفسية والجسدية، ويجب أن يغادرها تمامًا ويستبدلها بعلاقات صحية تعزز سعادته واتزانه في رحلة حياته.
رائع جدا
شكرا جزيلا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.