اضطراب طيف التوحد (ASD) حالة نمائية معقدة تطال حياة الملايين في أنحاء العالم، لكنها لا تزال محاطة بكثير من المفاهيم الخاطئة. في هذا المقال الهام، نستعرض أبرز الخرافات الشائعة عن التوحد، مستندين إلى آراء الخبراء والدراسات العلمية، لنقدم لك صورة أوضح وأكثر دقة عن هذا الاضطراب والتحديات التي يواجهها المصابون به، سعيًا نحو فهم أعمق وتقدير أكبر لمجتمع التوحد.
تعريف التوحد
اضطراب طيف التوحد «ASD» هو إعاقة نمائية تختلف أعراضها اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر، قد يختلف الأطفال والبالغون المصابون باضطراب طيف التوحد في التعلم والتواصل الاجتماعي والتفاعل مع العالم من شخص لآخر.
رغم أن مجتمع التوحد يمثل أكثر من 2% من السكان، فإن كثيرًا من الناس يسيئون فهم هذه الحالة. وقد عمل الخبراء على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن هذه الإعاقة حتى نتمكن من فهم التحديات التي يواجهها الأشخاص المصابون باضطراب طيف التوحد بشكل أفضل.
خرافة 1: لا تُصاب الفتيات عادةً بالتوحد.. والحقيقة؟
تقول كاثرين لورد -اختصاصية نفسية متخصصة في التوحد في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا- إن الفتيات أقل عرضة لتشخيص إصابتهن بالتوحد، ولكنه لا يزال شائعًا. ويزيد احتمال تشخيص الأولاد باضطراب طيف التوحد بأربع مرات مقارنةً بالفتيات. وبينما من الصحيح أيضًا أن الفتيات أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ عند إصابتهن باضطراب طيف التوحد، إلا أن الأولاد أكثر عرضة للإصابة به عند الولادة.
يمكن أن ينتقل اضطراب طيف التوحد بين أفراد العائلة، إذ تزداد احتمالية تشخيصك باضطراب طيف التوحد إذا كان لديك شقيق مصاب به، أو حتى قريب من الجيل الثاني، مثل العمة أو ابنة العم، ثم إن الأطفال الذين لديهم آباء متقدمون في السن هم أكثر عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد، مع أنَّ الخطر لا يرتفع إلا قليلًا، كما تقول كاثرين.
خرافة 2: تجربة كل شخص مع اضطراب طيف التوحد متشابهة.. والحقيقة؟
يعاني المصابون بالتوحد من مجموعة من الأعراض والتجارب. في هذا السياق، تشير أريانا إسبوزيتو، من منظمة «التوحد يتحدث»، إلى أن المهارات والسلوكيات والتحديات لدى المصابين باضطراب طيف التوحد قد تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر. وتقول: «تختلف تجربة كل فرد مع اضطراب طيف التوحد لأن اضطراب طيف التوحد يشير إلى مجموعة واسعة من الحالات».
وتضيف بأن اضطراب طيف التوحد يسبب اختلافات في الدماغ غير مفهومة جيدًا، ويمكن أن تختلف الأعراض بصورة ملحوظة من شخص لآخر، وبذلك لا يوجد شخصان يتشاركان نفس التجارب الحياتية لأن أعراضهما يمكن أن تكون مختلفة جدًا. تقول أريانا: «إذا كنت تعرف شخصًا واحدًا مصابًا باضطراب طيف التوحد، فهذا يعني أنك تعرف شخصًا واحدًا فقط مصابًا بهذه الحالة».
التطور التاريخي لمفهوم التوحد.. من التوحد إلى اضطراب طيف التوحد (ASD)
في عام 2013، غُيِّر اسم التوحد ليصبح اضطراب طيف التوحد «ASD» في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الخامس «DSM-5». وهو المرجع الأساسي لتشخيص الاضطرابات النفسية، وقد اختير الاسم الجديد ليشمل الأشخاص ذوي درجات الإعاقة المتفاوتة، من الأعراض الخفيفة إلى الأكثر شدة، ما يظهر الفهم المتزايد لتنوع مظاهر الحالة.
خرافة 3: معظم المصابين بالتوحد يعانون من إعاقات ذهنية شديدة.. والحقيقة؟
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا يعاني معظم المصابين باضطراب طيف التوحد من إعاقات ذهنية شديدة، وهم قادرون على العمل بطريقة طبيعية نسبيًّا في المجتمع، لكن هذا ليس صحيحًا على نطاق عالمي. ففي دول مثل الهند، حيث لا توجد أنظمة دعم متخصصة، ويقل احتمال تشخيصهم به إلا في الحالات القصوى، يعاني المصابون باضطراب طيف التوحد بشكل شبه حصري من إعاقات ذهنية.
خرافة 4: جميع المصابين بالتوحد لديهم مهارات استثنائية.. والحقيقة؟
ومن الخرافات أيضًا أن معظم المصابين باضطراب طيف التوحد لديهم مهارة بارزة، مثل الذاكرة الفوتوغرافية أو مهارات موسيقية نادرة، وهي الصورة النمطية التي غالبًا ما تصورها وسائل الإعلام. تقول كاترين: «هذا يحدث، ولكنه نادر جدًا» ويُعرف بمتلازمة «العالم الموهوب» أو «Savant Syndrome» وهي ليست سمة أساسية للتوحد.
خرافة 5: اللقاحات هي السبب الرئيس للتوحد.. والحقيقة؟
لا يوجد دليل على الإطلاق على وجود صلة بين أي تطعيمات وزيادة خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد، وقد تم دحض هذه الخرافة بالعديد من الدراسات العلمية واسعة النطاق.
خرافة 6: البيئة هي المسؤولة عن ارتفاع معدلات تشخيص التوحد.. والحقيقة؟
أصبح تشخيص التوحد أكثر شيوعًا مما كان عليه في السابق. وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «CDC»، يُصاب طفل واحد من كل 44 طفلًا في الولايات المتحدة باضطراب طيف التوحد، مقارنةً بطفل واحد من كل 88 طفلًا قبل عقد من الزمن، لكن من غير المرجح أن تكون هذه الزيادة بيئية.
تشير معظم الأدلة إلى عاملين، أولًا، تغيرت طريقة تصنيفنا للأطفال المصابين بالتوحد، وأصبحت الإعاقة تشمل الآن مجموعة من الحالات، بما في ذلك اضطراب التوحد، واضطراب النمو الشامل، ومتلازمة إسبرجر. كما زاد الوعي المتزايد بهذه الحالة من احتمالية تشخيصها، ويُحتمل أن يكون هذان العاملان مسؤولين عن معظم هذه الزيادة.
خرافة 7: لا يمكن تشخيص التوحد إلا في مرحلة الطفولة.. والحقيقة؟
لا. في الواقع، يزداد عدد الأشخاص الذين يُشخصون بالتوحد في مرحلة البلوغ مع تحسن فهمنا للحالة. ويرجع ذلك إلى أنه، على عكس حالة مثل ارتفاع ضغط الدم، لا توجد علامة بيولوجية تُستخدم لتشخيص اضطراب طيف التوحد. ونتيجةً لذلك، يُشخص عدد من الأشخاص خطأً على أنهم أطفال يعانون حالات مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والقلق؛ لأن الأطباء لا يدركون أن اضطراب طيف التوحد هو السبب الكامن وراء أعراضهم.
وتقول كاترين في هذا السياق أيضًا إن بحوثها أظهرت أن بعض الأشخاص قد يكونون ضمن نطاق اضطراب طيف التوحد، ولكن مع تقدمهم في السن تصبح أعراضهم أكثر وضوحًا بسبب ظروف حياتهم، مثل الضغوط الاجتماعية المتزايدة ومتطلبات التواصل المعقدة.
في حتام مقالتنا.. اضطراب طيف التوحد أكثر تعقيدًا مما يتصوره كثيرون، وتنتشر عنه خرافات تؤثر في فهم المجتمع له، بالاطلاع على آراء المتخصصين ودعم الفهم العلمي، يمكن بناء بيئة أكثر وعيًا وشمولية للمصابين بالتوحد، ما يسهم في دعمهم وتمكينهم من العيش بكفاءة واستقلالية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.