كانت ذات جمال فتان، ورقة عذبة، وطول قامة وصحة ممتلئة، وجاذبية طاغية، وذكاء خارق بحيث كانت تحصل على العلامة التامة باستمرار في مدرستها. وفوق ذلك كله، كانت شديدة الاستحياء قليلة الكلام ولكن إذا تكلمت تبهر المستمعين بمنطقها وقوة حجتها وحسن فهمها وغزارة علمها. كانت في الصف التاسع وعمرها لم يتجاوز الخمس عشرة سنة، ولكنها كانت تبدو في سن الثامنة عشر. لذلك كان الكثيرون يدقّون باب أسرتها لخطبتها.
هذا طبيب في أوائل الثلاثينات من عمره. وهذا رجل أعمال تجاوز الخامسة والأربعين، وهذا مهندس في الرابعة والعشرين وهذا محامٍ في بداية مسيرته المهنية. وكان Hبوها يقول لهم أنها لا تزال صغيرة في الصف التاسع وعمرها خمس عشرة سنة فقط. وذات يوم، جاء قاضٍ يريد خطبتها. فقال له:
"إنك شاب في مقتبل العمر ولك مستقبل باهر، ومن أسرة كريمة لا نقول بها إلا خيراً. " وكرّر الأب ما قاله لمن سبقوه ممن جاءوا لخطبتها.
- إن كنت تقبل بي زوجاً لابنتك، عندي الاقتراح الذي يرضيك. نعلن الخطوبة حالياً ونؤجل الزواج حتى تنهي الصف الثاني عشر وتحصل على شهادة الثانوية العامة. فأنا لست بعجلة من أمري. ما رأيك ؟
- على بركة الله. فلنقرأ الفاتحة. وأعلنوا الخطوبة وأبلغوا الأقارب والأصدقاء والجيران.
أخذ القاضي يزورهم على فترات متباعدة. ولما اَلِفَته الفتاة واستأنست به، أصبح يزورهم على فترات متقاربة. وعندما أصبحت في سن السابعة عشرة، في الصف الحادي عشر، كان يزورهم في أيام الجمع. وفي الصف الثاني عشر، كان زيارته لأسرة الفتاة شبه يومية. كونها خطيبته، ولمس أنها تحبه، طلب منها أن يخرجوا في نزهة في سيارته، قائلاً:
- ما رأيك ان نذهب في نزهة في سيارتي ونتناول طعام غداء سفري ونقضي بعض الوقت في المجمعات التجارية.
- اعتذرت الفتاة وقالت بعد الزواج سنفعل. سيكون لدينا الوقت الطويل لنقضيه معاً. أما الآن، سيظن الناس بنا ظن السوء. فنحن في مجتمع جاهل. وهذا أمر لا يريح. على كل حال، سأسجل ذلك في دفتر الذمم. وسأسددها حتماً بعد الزواج.
- ومرة أخرى، طلب منها قبلة. فقالت بأنها ستسجل ذلك في دفتر الذمم. وتملصت منه. "بدون زعل، لك عندي واحدة إضافة لدعوة الخروج."
وفي مرة ثالثة، أراد أن يحضنها، وقال:نحن في البيت وحدنا، ولا يرانا أحد.
فرفضت رفضاً باتاً ولكن بصورة هزلية للتخفيف من أثار الرفض في نفسه، وقالت وهي تبتعد عنه:
- وماذا سنفعل في ليلة الزواج؟ أجّلها، فشوقك سوف يزيد. وسأضيف هذه أيضاً إلى دفتر الذمم.
- اَلَمْ تكتمل صفحات دفترك بعد؟" قالها وهو يضحك.
- تكتمل ليلة الزواج... فقط.
نجحت الفتاة في الصف الثاني عشر وحصلت على الثانوية العامة بامتياز. اقترح القاضي أن يحدد يوماً للزواج فلم يعد هناك سبب التأجيل.قالت الفتاة:
- بعد الدراسة الجامعية.
فظهرت علامات الامتعاض على وجه القاضي. وقال:ّ
-كما تشائين.
- أنت صدّقت؟ أنا أمزح. أتوق لأن أسدّد الذمم. انتهت صفحات الدفتر وليس من مجال لأن أفتح دفتراً ثانياً.
اتفقا على موعد الزواج بعد حوالي أسبوعين، في اليوم الذي يصادف ذكرى ميلادها.
-سأوفر عليك وأجمع العيدين، بعيد واحد: عبد ميلادي وعيد زواجنا.
وأخيراً، حانت ليلة الزواج، ليلة العمر.
بعد الحفلة، توجهوا إلى البيت الذي سيجمعهم طيلة حياتهم. ولكن... العرايس ينزفن لفك ختمهن ليلة الزواج ولكن عروس القاضي لم تنزف. فجنّ جنونه. وحملها في سيارته وأعادها الى بيت والدها. "هذه ابنتكم سليمة معافاة، استلموها. لا أقبل بزوجة فرّطت بختم الزواج. ورُدوا إليّ المهر المعجل المدفوع وقيمة كل التكاليف قبل أن أتسبب لكم في فضيحة مجلجلة."
عندما شاهد الجيران العروس تعود إلى بيت أهلها ليلة الزفاف، أخذ الغمز واللمز والتساؤل والفضول عندهم كل مأخذ.
- "طول عمرنا ونحن نفكرهم بيت أدب وأخلاق. طلعوا بدون أدب ولا أخلاق." قال جار لجاره.
- "معقول يا ناس؟ بنت كهذه، مثال للشرف والذكاء، تعمل هذا الشيئ". قال الجار الثالث لزوجته.
أما الأب، فكان ينظر إلى ابنته والشرر يتطاير من عينيه.
- اسمع يا أبي. اشهد الله أنه لم يمسّني أحد ولم أسلم نفسي لأحد. على كل حال، هناك الطب الشرعي ويستطيع أن يحدد متى بالضبط فُكّ ختمي، إن كان مفكوكا.... وأسمع يا هذا. أختام الزواج أنواع. منها المطاطي ومنها السميك الذي يحتاج إلى عملية جراحية ومنها المخرّم ومنها، ومنها. لقد قرأت عن ذلك. فربما ختمي من النوع المطاطي.
- ضرب القاضي جبهته بيمينه. وقال: "كيف غاب هذا عني.أنا أعتذر يا عم، واسمح لي أن آخذ زوجتي ونعود إلى بيتنا. البيت الذي سنخلّف فيه فريق كرة قدم." واصطنع ابتسامة على وجهه.
- إذهب لوحدك. أنا ذاهبة مع أبي غداً إلى مركز الطب الشرعي، فقط لأطمئنه. فأنا أعرف نفسي. ونأخذ معنا من يفهم من الجيران (وفتحت ستارة النافذة فوجدتهم يتزاحمون لاستراق السمع) فلعل ضمائرهم تصحو ويعيدوا النظر بالإشاعات التي أطلقوها وكنت سبباً بها. فإن كنتُ قد فرّطت في ختمي، سأوفر على أبي عناء قتلي وألقي بنفسي أمام أول قطار أو شاحنة. وإلا، سنقاضيك عند قاضٍ عادل، لا يأخذ بالقشور ، ويترك اللب والزبدة، على الفضيحة التي تسببت بها لنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.