هل فكرت يومًا في مدى تأثير بعض العادات التي تُمارس في بعض الثقافات على حياة الفتيات؟ قد تجد أن ما قد يبدو لك مجرد تقليد عابر، ختان الإناث هو في الحقيقة أداة تعذيب نفسية وجسدية تستمر طوال حياة كثير من الفتيات في بعض أنحاء العالم. ختان الإناث الذي يُمارس في بعض المجتمعات تحت مبررات متعددة، ليس مجرد عادة اجتماعية أو شعيرة دينية، بل هو انتهاك لحقوق الإنسان، وآلام لا تُحتمل.
تخيل أن يكون جسدك موضوعًا لقرار لا تستطيع التحكم فيه، وأن تُحرم من شعور الأمان والراحة بسبب ممارسة قد تترك آثارًا جسدية ونفسية لمدى الحياة. هذا هو الواقع الذي تعيشه كثير من الفتيات اللواتي يتعرضن لهذه الممارسة. لكن لا تقلقي أيتها الفتاة التي تعرضت بالفعل للختان، ستعرفين كيفية التعامل مع هذا الجرح العميق، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، وكيف يمكن للفتاة أن تعيد بناء نفسها وتستعيد قوتها.
هذا المقال ليس فقط للتوعية، بل هو دعوة للمشاركة في رحلة الشفاء. فلنأخذ هذه الخطوات معًا، نواجه الحقيقة، ونعمل من أجل حياة أفضل، لأن كل فرد في هذه المعركة مهم.
ما ختان الاناث؟
ختان الإناث، المعروف أيضًا بـ"تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، هو إجراء يتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى أو إجراء تغييرات عليها دون وجود أسباب طبية. يعد هذا الإجراء ممارسة ثقافية أو اجتماعية في بعض المجتمعات، ولكنه لا يحمل فوائد صحية مثبتة، وقد يسبب أضرارًا جسدية ونفسية طويلة الأمد.
أنواع ختان الإناث
ختان الإناث وفقًا لتصنيف منظمة الصحة العالمية (WHO) ينقسم إلى أربعة أنواع رئيسة، هي:
(الختان الجزئي أو إزالة البظر)
الوصف: يشمل إزالة جزئية أو كلية للبظر (الجزء الخارجي الحساس من الجهاز التناسلي الأنثوي).
التأثير: يسبب تقليل أو فقدان الإحساس الجنسي، ويزيد خطر الإصابة بالتهابات.
(الاستئصال)
الوصف: إزالة جزئية أو كلية للبظر مع الشفرين الصغيرين (الجلد المحيط بفتحة المهبل)، وقد تتضمن أيضًا إزالة الشفرين الكبيرين.
التأثير: يؤثر في صحة الأنسجة المحيطة، ويزيد فرص الإصابة بالمضاعفات الصحية.
(التضييق أو الخياطة)
الوصف: تضييق الفتحة المهبلية عن طريق قطع الشفرين الكبيرين وخياطتهما معًا، مع ترك فتحة صغيرة للبول ودم الحيض.
التأثير: يسبب مشكلات صحية خطيرة مثل صعوبة التبول، ومشكلات الدورة الشهرية، وصعوبة الولادة.
(إجراءات غير مصنفة أخرى)
الوصف: يشمل جميع الممارسات الأخرى المؤذية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون أسباب طبية، مثل: الوخز، القطع، الكشط، الكي.
التأثير: يعتمد على الإجراء المحدد، لكنه يسبب أضرارًا نفسية وجسدية كبيرة.
مدى انتشار ختان الإناث
هو ممارسة شائعة في كثير من البلدان، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا، لكنها موجودة أيضًا في المجتمعات المهاجرة في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. وتشير التقديرات العالمية إلى أن أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة على قيد الحياة اليوم قد خضعن لهذه الممارسة.
الوطن العربي
مصر: تُعد من الدول ذات النسب الأعلى عالميًّا، فتصل إلى 87% بين الفتيات والنساء (وفق بيانات منظمة الصحة العالمية).
أسباب إجراء ختان الإناث
ختان الإناث ممارسة ضارة لها جذور في الثقافة والتقاليد، لكنها ليست مستندة إلى منطق صحي أو ديني قوي. دعونا نتناول الأسباب الشائعة التي تدفع البعض لدعم هذه الممارسة، ونفندها بالعقل والحجة:
1.الاعتقادات الدينية
ربما سمعت أن ختان الإناث واجب ديني، ولكن الحقيقة هي أن معظم الأديان السماوية لا تدعو إلى هذه الممارسة. بل إنها تدعو إلى احترام الجسد الذي خلقه الله كما هو. وكثير من العلماء والقيادات الدينية أكدوا أن ختان الإناث ليس له أساس ديني حقيقي، بل يرتبط أكثر بالعادات الاجتماعية.
حافظ على تقاليد دينك، لكن لا تسمح للعادات الخاطئة بأن تُغطي على تعاليم الدين الحقيقية التي تدعو إلى الرحمة وحماية حقوق الإنسان.
2.الحفاظ على العفة والطهارة
قد يُقال إن ختان الإناث يساعد في ضبط الرغبات، لكن هل تعلم أن العفة تأتي من التربية والأخلاق؟ الجسد ليس هو المشكلة؛ المشكلة تكمن في غياب القيم والتوجيه الصحيح. أيضًا هذا الإجراء قد يُسبب أضرارًا نفسية تجعل الفتاة تفقد الثقة بنفسها.
العفة قيمة تُزرع في القلب والعقل، وليس في الجسد. كُن قدوة حسنة لابنتك، وعلِّمها الأخلاق والقيم، فهذا هو ما يحميها حقًا.
3.العادات والتقاليد
قد تشعر بالضغط لأن المجتمع يمارس هذه العادة منذ أجيال، لكن هل يعني ذلك أنها صحيحة؟ كثير من العادات انتهت مع الوقت لأنها كانت خاطئة أو مؤذية. عليك أن تكون شجاعًا لكسر السلسلة وإنقاذ الجيل الجديد من هذه المعاناة.
الأجيال القادمة ستشكرك على تصحيح الخطأ. كن قائدًا في مجتمعك واجعل التغيير يبدأ منك.
4.الحفاظ على الزواج والقبول الاجتماعي
قد يُقال إن الفتاة لن تجد زوجًا إن لم تُختن، ولكن هذا اعتقاد قديم وغير صحيح. فالقبول الاجتماعي الحقيقي يأتي من العلم والوعي، وليس من ممارسات تُسبب الألم والأذى.
الزواج السعيد يعتمد على الاحترام والتفاهم، وليس على إيذاء الجسد. لذا ساعد ابنتك على أن تكون قوية وسعيدة، وليس مُجبرة على اتباع عادات مؤذية.
5.الجهل والمعلومات الخاطئة
ربما لم تُدرك المخاطر الصحية والنفسية التي تُسببها هذه الممارسة. النزيف، الالتهابات، الصدمة النفسية، والعقم ليست مجرد احتمالات، بل هي نتائج شائعة تُواجهها كثير من الفتيات.
المعرفة قوة. تعرَّف على الآثار السلبية للختان من خلال مصادر موثوقة، وستدرك أن حماية ابنتك من هذا الأذى هو أعظم هدية تُقدمها لها.
هل لختان الإناث فوائد؟
ختان الإناث ليس له أي فوائد صحية مثبتة على الإطلاق. بل تُجمع المنظمات الصحية العالمية، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وجمعية النساء والتوليد العالمية، على أن هذه الممارسة مضرة للغاية، وتعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.
ما أضرار ختان الإناث؟
ختان الإناث يسبب أضرارًا صحية وجسدية ونفسية جسيمة، تمتد تأثيراتها على المدى القصير والطويل. فيما يلي توضيح لأبرز الأضرار:
الأضرار الجسدية
بالطبع يتسبب ختان الإناث في عدة أضرار جسدية للفتاة سنتعرف عليها فيما يلي:
الأضرار الفورية (قصيرة المدى)
- النزيف المفرط: بسبب قطع الأنسجة الحساسة دون أدوات طبية معقمة.
- الألم الشديد: يحدث نتيجة عدم استخدام التخدير أو استخدامه على نحو غير كافٍ.
- العدوى: نتيجة استخدام أدوات غير معقمة أو بيئة غير صحية.
- التهاب الأنسجة: قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل تسمم الدم.
- الصدمة النفسية والجسدية: نتيجة الألم والخوف في أثناء العملية.
الأضرار طويلة المدى
- ألم مزمن: في منطقة الحوض نتيجة تلف الأعصاب.
- تندب وتشوه: ما يؤثر في المظهر الطبيعي للأعضاء التناسلية.
- التهابات متكررة: في الجهاز البولي والتناسلي.
- صعوبات في الدورة الشهرية: بسبب تضييق الفتحة المهبلية.
- مشكلات في أثناء الولادة: تشمل تمزقات خطيرة، ولادة قيصرية اضطرارية، وزيادة خطر وفاة المواليد.
الأضرار النفسية
- صدمة نفسية: نتيجة التجربة المؤلمة خاصة في سن مبكرة.
- القلق والاكتئاب: بسبب فقدان التحكم في الجسد والشعور بالظلم.
- اضطرابات جنسية: تشمل الألم في أثناء العلاقة الزوجية، وانخفاض الرغبة الجنسية.
- مشكلات في الثقة بالنفس: بسبب الشعور بالنقص أو التشوه.
الأضرار الاجتماعية
- تقييد الحقوق: ختان الإناث يعد انتهاكًا لحقوق الفتاة في سلامة جسدها.
- الأثر على العلاقات: يؤثر في الحياة الزوجية نتيجة الصعوبات الجنسية والنفسية.
مواقف المؤسسات الصحية
منظمة الصحة العالمية (WHO): تصف ختان الإناث بأنه مضر وغير مبرر صحيًا.
اليونيسف: تشير إلى أن هذه الممارسة تعيق نمو الفتيات وتعرضهن للخطر.
كيف أتعامل مع آثار الختان وأستعيد حياتي؟
عزيزتي، أعلم أن ما مررتِ به ليس سهلًا، وأنكِ قد تكونين تشعرين بكثير من الألم، سواء كان جسديًا أو نفسيًا. لكن من المهم أن تعلمي أنكِ لستِ وحدك في هذا، وأن هناك وسائل للتعامل مع هذه الآثار والشفاء منها. ما تعرضتِ له ليس نهاية الطريق، بل بداية لفرصة جديدة لإعادة بناء نفسك والحفاظ على صحتك وسلامتك.
1.لا تخجلي من طلب المساعدة
من الطبيعي أن تشعري بالخوف أو الحيرة، لكن لا تترددي في طلب المساعدة. يمكنكِ التوجه إلى طبيب مختص يساعدكِ في التعامل مع الأضرار الجسدية التي قد تكون ناتجة عن الختان. سواء كانت التهابات أو آلامًا مزمنة، يوجد دائمًا علاج، ويمكن أن يساعدك الطبيب في تخفيف الألم وتحسين حالتك الصحية.
2.العناية بنفسكِ جسديًا
إذا كنتِ تشعرين بأي آلام أو مشكلات في المنطقة التناسلية، لا تترددي في زيارة طبيب مختص. توجد إجراءات طبية قد تساعد في معالجة أي آثار جسدية، مثل الجراحة التصحيحية أو العلاجات الطبية التي تُساعد في التئام الجروح والندوب. تذكري أن الجسد هو أمانة لديكِ، وأن العناية به حق لكِ.
3. العناية بنفسكِ نفسيًا
التأثير النفسي قد يكون أعمق من التأثير الجسدي. إذا كنتِ تشعرين بالحزن، الخوف، أو القلق بسبب ما مررتِ به، اعلمي أن ذلك طبيعي. التعامل مع الصدمات النفسية ليس سهلًا، لكن العلاج النفسي يمكن أن يكون خطوة كبيرة نحو التعافي. ويمكنكِ التحدث مع معالج نفسي يساعدكِ في التعامل مع مشاعر الألم والخجل التي قد تشعرين بها.
4.تذكري حقوقكِ
ما مررتِ به لم يكن خياركِ، وهذه الحقيقة يجب أن تكون مصدرًا لقوتكِ. جسدكِ هو ملك لكِ، ولا أحد له الحق في اتخاذ قرارات بشأنه دون إرادتكِ. هذا هو وقتكِ لتستعيدي ثقتكِ بنفسكِ، لتفهمي أنه توجد حقائق عن جسدكِ وصحتكِ يجب أن تعرفيها وتدافعي عنها.
5.تحدثي عن تجربتكِ
إذا شعرتِ بالقوة والقدرة على ذلك، تحدثي عن تجربتكِ. مشاركة قصتكِ مع الآخرين يمكن أن يكون له تأثير قوي، ليس فقط على نفسكِ، بل على الفتيات الأخريات اللواتي قد يعانين في صمت. ويمكن أن يكون صوتكِ جزءًا من التغيير، وعملية شفائكِ قد تساعد في محاربة هذه الممارسة في المستقبل.
6.لا تقتصر العناية على الجسد فقط
إن التمكين النفسي جزء أساسي من الشفاء. وتذكري أنكِ قوية وقادرة على التغلب على هذه المعاناة. إن تعلمكِ عن حقوقكِ والتفكير في مستقبلكِ، والعمل على بناء حياة صحية وسعيدة، هو ما سيقويكِ.
عزيزتي، أنتِ لستِ ضحية لظروفكِ، بل أنتِ بطلة لرحلة التعافي والتغيير. خذي الخطوات الصغيرة نحو الشفاء، وتذكري أن كل خطوة نحو السلامة والصحة هي خطوة نحو حياة أفضل. لديكِ الحق في أن تكوني سعيدة وصحية، ولن يمنعكِ شيء من تحقيق ذلك.
لقد مررنا معًا في هذه الرحلة بفهم الأبعاد العميقة لختان الإناث، وتعرفنا على الأضرار التي قد تلحق بصحة الفتاة جسديًا ونفسيًا. ولكن الأهم من ذلك، أن هذه ليست نهاية الطريق، بل هي بداية جديدة لفرصة التعافي والشفاء.
عزيزتي الفتاة، تذكري دائمًا أنكِ قوية وقادرة على تجاوز أي صعوبة، والجراح التي تركتها هذه الممارسة يمكن شفاؤها مع الوقت والدعم الصحيح. لكل خطوة نحو الشفاء قيمة، وكل لحظة من الراحة تستحقينها.أما أنت أيها الأب، وأنتِ أيتها الأم، فإن دوركما أساسي في تقديم الدعم والحب المستمر، وأن تكونا القوة التي تساعد ابنتكما على استعادة حياتها الطبيعية والصحية.
بتكاتفنا جميعًا، يمكننا أن نساعد في بناء مجتمع خالٍ من هذه الممارسات الضارة، حيث يزدهر فيه كل فرد ويعيش حياة كريمة. إن رحلة الشفاء قد تكون طويلة، لكنها تستحق كل جهد. فلتكن هذه بداية جديدة للفتاة التي تستحق الحياة بكل ما فيها من أمل وفرص.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.