أمسكتُ قلمي وبدأت أخطّ إليكِ بعض اعترافاتي عن ذلك اليوم، وأعلم أنّها لن تصلك، ولكنّني أحببت أن أصارحك بها حتّى لو ظلّت طيّ الكتمان بين أوراقي فقط، كنت أنتظر أن أراكِ بثوبك الأبيض، تخيلتكِ تلمعين مثل النجوم تنيرين فلكًا بأكمله برقتك التي طالما أذابت جليد قلبي، حقًا كنتِ كما تخيلتكِ بل أجمل لكن مع بعض الاختلاف كنت أشاهدك مع الحضور لم أتمكن من تقبيل جبينك، ولا الرّقص معك على موسيقا هادئة اخترناها معًا بل إنّ الواقع أعمق بكثير، كلّ تلك الأشياء ستكون من نصيب شخص آخر، وأنتِ أيضًا أصبحتِ من نصيبه هو، واكتفيت أنا بالمشاهدة بصمت مع الآخرين.. لم أعلم سبب مجيئي لحفل زفافك ولكن كل ما أعلمه أن عبراتي تساقطت من عيني رغمًا عنّي وأنا الذي كنت أحسب أنني قوي ولا يهزني شيء ولا أعرف للبكاء سبيلًا، أعترف أنني انهزمت أمام شعوري بفقدانك للأبد، لماذا يا حب عمري لم تكوني لي؟ عندما رأيت تلك الابتسامة تتراقص على شفتيك اطمأن قلبي، وانسحبت بهدوء، وقتها فقط تيقنت أنك استقبلت نصيبك بكل أريحية.. فغادرت قاعة الأفراح، لا سأكون منصفًا واسميها قاعة حزني وضياعي.
جلست "فريدة" تتنقل بين قنوات التلفاز بملل، توقف بها الزمن ودق قلبها بعنف واعتدلت في جلستها عندما رأته في مقابلة تلفزيونية مع مذيع مشهور، لم تصدق عيناها ذلك هو حبيبها السابق الكاتب المغمور ها هو الآن وقد وصلت شهرته إلى اللقاءات والبرامج، أصغت إلى ما يقال باهتمام شديد فسمعت المذيع يسأله عن سر نجاح تلك الأغنية التي اسماها "يوم زفافك" فحدثت نفسها قائلة:
أين هي تلك الأغنية؟ يبدو أنني قد فاتني الكثير، جحظت عيناها عندما سمعته يقول: "تلك الأغنية عايشت تفاصيلها فكتبتها بدمي قبل يدي، وقتها حزنت كثيرًا، ولم أشعر بنفسي إلّا وأنا أكتب تلك الكلمات التي تعبر عن وجعي، لكني الآن على ما يرام وأعلم أن صاحبة تلك الكلمات تستمع إليّ الآن، وأود من خلال البرنامج أن أشكرها فلولا ما حدث وتركها لي لما وصلت هنا الآن.
صفّق له الجمهور تصفيقًا حادًّا وهتف المذيع بابتسامة صغيرة: "مشاهدينا الأعزاء دعونا نستمع معًا لتلك التحفة الفنية التي أعجبت الكثيرين والكثيرات..
اعذريني يوم زفافك مقدرتش أفرح زيهم
مخطرش أبدا يوم في بالي.. إني أبقى واحد منهم
جايلك بهني.. واقف بغني
معرفش ليه.. إيه إلي جابني
غير إني أشوفك بس وأمشي
ومش هاممني أصعب عليهم كلهم
يوم ما جتلك غصب عني معرفتش أمسك دمعتي
ليه زمان فرقنا ليه.. متكونيش من قسمتي
حاجة واحدة طمنتني.. خلتني أمشي من سكات
شوفت في عنيك ابتسامة.. فيها معنى الماضي مات
يوم ما جتلك غصب عني معرفتش أمسك دمعتي
ليه زمان فرقنا ليه.. متكونيش من قسمتي
ده أنا لو بموت من بعد منك.. لازم تعيشي بعد مني
اعذريني يوم زفافك مقدرتش أفرح زيهم
مخطرش أبدًا يوم في بالي.. إني أبقى واحد منهم
استمعت "فريدة" للأغنية بقلب مفطور وأعين دامعة، لم تستطع منع عبراتها الملتهبة أكثر من ذلك فحررتها وحررت معها أحزانًا كبيرة ظنت أنها تغلبت عليها وتعايشت مع واقعها المرير، أخرجها من بحور أحزانها صوت زوجها التقليدي في كلّ شيء حتّى حديثه وهو يصيح: "أين جواربي يا فريدة؟ ألم أخبرك آلاف المرات أن تحافظي عليها من غير المعقول أن أذهب.
كفكفت دموعها ونهضت لتواجه مشقاتها اليومية مع زوجها التي لم ولن ترغب به يومًا، وأصبحت تلك الأغنية هي ملاذها الوحيد للهرب من كل ما يضنيها، وكلما استمعت إليها تذكرت ماضيها الذي تتمنى من صميم قلبها أن تعود إليه ولو للحظة واحدة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.